كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
عنى تعطيل جلستي انتخاب الرئيس واللجان النيابية المكلفة وضع قانون جديد للانتخاب، الخميس، ان كلا الاستحقاقين لم يعودا بين ايدي اللبنانيين. توخى القول ان اوانهما لم يحن، ولن تفصل التسوية المؤجلة احدهما عن الآخر
بعد ايام قليلة، تصبح الانتخابات النيابية على موعد حتمي وشيك، هو إجراؤها في الشهرين السابقين لانتهاء ولاية مجلس النواب الحالي في 20 حزيران. بعد تسعة اشهر، في 20 نيسان، تبدأ المهلة القانونية هذه، من دون ان يتضح تماماً كيف يتحضّر البرلمان لها.
لا تزال اللجان النيابية المشتركة تخفق، شهراً تلو آخر، في التوصل الى قانون جديد للانتخاب في وقت يقترن موقف افرقائها بين حدّين: ادنى يرفض خوض انتخابات 2017 وفق القانون النافذ الصادر عام 2008، واقصى يرفض تخلي كل منهم عن مشروعه المقترح لقانون الانتخاب.
منذ تمديد 2013، ثم بعد سنة تمديد 2014، لم تحرز الكتل النيابية الرئيسية اي تقدّم في التفاهم على قانون محتمل للانتخاب، سوى الاستعداد لمناقشة صيغة التصويت المختلط الذي يجمع كلا الاقتراعين النسبي والاكثري. وهو تفاهم غير ذي اهمية ما دام الانقسام الحقيقي القائم، ان لكل من الكتل تلك وجهة نظر في توزيع المقاعد النيابية على هذين التصويتين. وجد رئيس المجلس نبيه بري في اقتراحه للقانون المختلط عدالة في توزيع المقاعد مناصفة بينهما، في حين رفض تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية اي تعديل في صيغتهما المشتركة القائلة بـ60 مقعداً نسبياً في مقابل 68 مقعداً اكثرياً، فأقفل الثلاثي باب المناقشة كلياً.
بادىء بدء اختبأ رفض الاتفاق على القانون الجديد وراء استمرار تعذر انتخاب رئيس للجمهورية، فجمّدت الى حدّ اجتماعات اللجان النيابية منذ كانون الثاني 2015 طوال السنة تلك، الى ان أطلّ استحقاق داهم يضاهي خطر الشغور الرئاسي، هو انتهاء ولاية مجلس النواب في حزيران 2017، من دون التمكن من انتخاب مجلس يخلفه، في ظل رفض خوض الانتخابات وفق القانون النافذ. ما يوقع السلطة الاشتراعية في فراغ لا يسعها ـ ولا اي سلطة دستورية اخرى ـ ملئه. لا يلحظ الدستور مخرجاً يماثل المادة 62 فور خلو رئاسة الجمهورية، يتيح لمجلس النواب المنتهية ولايته الاستمرار موقتاً لتصريف الاعمال. سرعان ما اضحى هذا التهديد على طاولة الحوار الوطني في عين التينة.
في الجلستين الاخيرتين لطاولة الحوار في عين التينة، في 18 ايار و21 حزيران وضع قانون الانتخاب في رأس اولويات المداولات بعدما نبه بري الى خطورة امرار الوقت من دون التوافق على قانون جديد للانتخاب، واوصد الباب في وجه احتمال تمديد ثالث للولاية. في جلسة 18 ايار، وهي الجلسة 18 لطاولة الحوار، اقترح “دوحة لبنانية” على غرار تلك في قطر عام 2008 ما دام جدول الاعمال العالق هو نفسه: انتخاب رئيس للجمهورية، قانون جديد للانتخاب يمهد للانتخابات النيابية العامة، تنظيم التوازن السياسي عبر حكومة جديدة. في الاجتماع التالي للطاولة في 21 حزيران، الجلسة 19، توقع حصوله على اجوبة الحاضرين عن مبادرته تلك، فلم يؤتَ اياها. قادتهم المناقشات يومذاك الى مقلب آخر انتهى باقتراح بري خلوة لثلاثة ايام متتالية في 2 آب و3 و4 منه، للبحث في سلة اكثر اتساعاً تتجاوز البنود الثلاثة تلك في “دوحة لبنانية”.
عندما اقترح رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل قانون الدائرة الفردية، أجيب بأنها تناقض اتفاق الطائف. للسبب نفسه عارض بعض الحاضرين في وقت سابق كما في جلسات اللجان النيابية قانون النسبية بالدوائر الـ13 الذي اقترحته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. فإذا المجتمعون في مواجهة سلة مختلفة تماماً اعادتهم الى البنود المؤجلة التنفيذ في اتفاق الطائف: قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، استحداث مجلس للشيوخ.
في جلسة 21 حزيران قارب بري فتح الملفات المؤجلة تلك بقانون انتخاب خارج القيد الطائفي مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، دونما تحديد مقاعد للمذاهب من داخل كل طائفة، على ان تعتمد الدائرة الانتخابية الواحدة او المحافظات الخمس التاريخية، بالتزامن مع استحداث مجلس للشيوخ يعتمد الدائرة الفردية ذي صلاحيات مستقلة يتوخى طمأنة الطوائف بحصر صلاحياتهة بشؤونها.
في حصيلة طرح اولي للافكار هذه ـ وبدت مثابة ورشة اصلاحية ـ لمس بري قبولاً مبدئياً من المتحاورين، الا انه ارتأى التوسع في مناقشتها في خلوة حدد موعدها مطلع آب. عشية انعقادها، الخميس الماضي، وجه في مؤتمر الاقتصاد الاغترابي اشارات ايجابية اضافية بغية انجاح الخلوة، بالاصرار على اتفاق الطائف كتسوية قائمة دونما الخوض في تعديلها قبل تنفيذ بنودها كاملة، والقفز فوق كل ما يقال عن مؤتمر تأسيسي قطع نهائياً الطريق اليه.
مع ذلك، لا تبدو خلوة الايام الثلاثة بالسهولة التي يصوّرها وجود جدول اعمال واضح، شبه متفق عليه في الظاهر على الاقل، من دون ان يملك اي من المتحاورين مسودات آلية قانون انتخاب اكثر تعقيداً عندما يكون خارج القيد الطائفي، كما سبل استحداث مجلس للشيوخ. بيد ان الاهم في ذلك كله، في ظل استمرار الشغور الرئاسي والبلاد على ابواب انتخابات نيابية عامة، التيقن من التوقيت المناسب لورشة كهذه.