كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
26 ألف أعجوبة، 10 في المئة منها مع غير المعمّدين، بلغَ عددُ عجائب القدّيس شربل المسجّلة حتى الآن في السجلّات الذهبية في دير مار مارون – عنّايا، ويُشرف على تدوينها القيِّم على الدير الأب لويس مطر. “مِن العيد للعيد سَجّلنا 121 أعجوبة”، يقول مطر لـ”الجمهورية”: “مِن عيد القدّيس شربل في تمّوز 2015 وحتى تمّوز 2016 تمَّ تدوين 121 أعجوبة شفاء، 14 منها مع غير المعمَّدين، والعدد رهن همّة مارشربل وما يفعله في الدقائق الأخيرة من عجائب”.أمٌّ تسير حافية القدمين، عجوز تَركع أمام الضريح، والد يُضيء شمعةً، محجّبة تحاكي التمثال، شبّان يتلون المسبحة… الجميع منشغل في مخاطبة الله والتضرّع إليه، هكذا يبدو المشهد في ساحة دير مار مارون – عنّايا، ليس لأنّ ساعات قليلة تفصلنا عن عيد القدّيس شربل، ولكنّ المشهد “هو هو” على مدار السنة والمواسم، الليل كالنهار، الفصل الدائم هو فصل الصلاة والأمل في أن “لا شيء مستحيلاً عند الله”، فكيف إذا كان النداء عن طريق “منبع الأعاجيب؟”.
“4 ملايين ونصف مليون زائر يقصدون القدّيس شربل في عنّايا سنوياً”، بحسب الأب مطر، الذي دخلَ إلى مكتبه يُراجع السجلَّ الذهبي وأبرزَ ما شهده هذا العام من أعاجيب، فيَروي لـ”الجمهورية” بتأثّر، وحرارةُ الإيمان تطفو من عينيه: “فعلاً إنّه عام العجائب والشفاءات الطبّية، فحيث سحَب الأطبّاء أيديَهم واستسلمَ العِلم رغم كلّ ما بلغناه من تطوّر، إستجابَ القدّيس شربل لنداءات المؤمنين”، معدِّداً: “المسيحي، السنّي، الشيعي، الدرزي… اللبناني، الأوكراني، الأميركي… من مختلف الطوائف والجنسيات قصَدوا “شربل” ولم يعودوا خالِي الوفاض”.
منبع المعجزات…
يَصعب تعدادُ العجائب اليومية التي يفيض بها شربل على المؤمنين، وربّما سجلّات الأديرة كلّها قد لا تتّسع لتدوينها، ومع كلّ أعجوبة جديدة يرويها أصحابُها يتبيّن أنّ لدى القدّيس شربل “الكثير الكثير لمَن يطلب”.
مِن بين هذه العجائب، قصدَت سيّدة طبيبَها وهي حامل في الشهر الثالث، وتبيّنَ أنّ الجنين تَفتقد قدماه للفخذين، ما يَعني أنّه سيولد قزماً، فنصَحها الطبيب بالإجهاض. إلّا أنّها أصرّت على الاحتفاظ بجنينها، وقصَدت وهي في الشهر الثامن ضريحَ القدّيس شربل مستجديةً الصحّة له. وفي اليوم التالي قصَدت الطبيب، وأعاد لها الفحص، وتبيّن أنّ الوضعَ على حاله من السوء، ثمّ نزَع الطبيب قفّازاته وتوجّه ليغسلَ يديه.
في هذه اللحظة أغمضَت السيّدة عينيها وقالت: “يا مار شربل هلّق دورَك”، وشعرَت بأنّ القدّيس مرّ بجانبها فتمتمَت له: “بِشكرك يا مار شربل لاهتمامك بالجنين”، وسرعان ما نادت الطبيبَ قبل أن يكملَ غسلَ يديه، ليُعيدَ لها الفحص، فعاد أدراجَه على مضَض كونه أخذ مقاسَ الجنين 6 مرّات، فتمنّت منه أن يعيد التصويرَ للمرّة السابعة والأخيرة، وهنا كانت الدهشة أنّ عظام الطفلة أخذت شكلها الطبيعي وامتدت من سنتيمترين إلى 13 سنتيمتراً.
وما حدثَ مع عائلة لبنانية تقطن في رومانيا لا يقلّ غرابةً، إذ إنّ الزوجة لم تَحمل منذ 15 عاماً، رغم المساعي الطبّية الحثيثة، فقصَد زوجُها لبنان وتحديداً ضريح القدّيس شربل، طالباً نعمة الأبوّة، وعاد إلى رومانيا. بَعد أسبوع اكتشفَت زوجتُه أنّها حامل، فعمّت الفرحة أرجاءَ المنزل. ولكنْ في نهاية الشهر الثالث، حَكمها نزيف، فقرّر الأطبّاء إجهاض الطفلة لخلاص الأمّ، إلّا أنّ العائلة رفضَت الفكرة كلّياً.
وما زاد الطين بلّة، أنّه وقبل أن تدخل الزوجة شهرَها الرابع، “فقشت ميّة الراس”، فأخرجَ الأطباء الطفلَ الذي لم يتجاوز الـ 175 غراماً، ووضعوه في الـ couveuse. وعلى الفور علّقَ والده صوَر القدّيس شربل على كامل السرير، وبدأ يصلّي يومياً مع زوجته أمامه. ومع الوقت نَما الطفل، وبعدما بلغ الشهر السادس، حَمله والداه إلى لبنان لزيارة القدّيس شربل.
مِن سدّ البوشرية إلى هولندا
إنتقلت عائلة لبنانية من سدّ البوشرية لتعيش في هولندا، حيث رزَقهما الله طفلةً تعاني من “فسخ” في جمجمتها وأنفُها مشوّه، ضريرة وصمّاء، ومشلولة، وكأنّ مختلف المشكلات الطبّية اجتمعَت فيها. تمكّنَ الأطبّاء من لحمِ جمجمتها، أمّا التشوّهات الأخرى فوقفوا عاجزين أمامها.
الصيف المنصرم، حَملها والدها في زيارة إلى لبنان، وما إنْ دخلت منزلَ جدّتها المتعبّدة لمار شربل حتى وضعَتها إلى جانبها في السيارة وتوجّهت بها إلى المحبسة. طوال الطريق كانت الجدّة تصلّي وتطلب من القدّيس شربل الشفاء، وما إنْ وصلتا إلى ساحة المحبسة، فتحَت الجدّة باب سيارتها وترجّلت لتساعد حفيدتَها، وإذ بالطفلة تسير من السيارة إلى المحبسة.
فكانت الأعجوبة الأولى شفاء الطفلة من الشَلل. صلّت الجدّة من قلبها وطلبَت من مار شربل أن يكمل معها أعاجيبَه. وليلاً ظهر القدّيس شربل على الطفلة، وضَع يدَه على وجهها، لتستيقظ في اليوم التالي بكامل حواسها.
عابر للطوائف
تبيّنَ لسيّدة من طائفة الموحّدين الدروز أنّها حاملٌ وفي أحشاء طفلتها أكياس. بعدما ولدَت الطفلةَ وبلغَت الشهرَ الثاني، أجرى لها الطبيب الفحوص اللازمة لإخضاعها لعملية. لكنّ الوالدة اصطحبَت ابنتَها إلى عنّايا وطلبَت لها الشفاء. وعادت وقصدَت المستشفى مجدّداً لإجراء الفحوص، فتبيّن أنّ الأكياس زالت بأعجوبة من القدّيس شربل.
ولعائلة درزيّة أخرى طفلان أبكمان، قرّر والدهما اصطحابَهما في نزهة إلى اللقلوق، وفي طريق عودتِهم استرعت انتباهَهم زحمةُ سير على الطريق المؤدّية إلى عنّايا، فتوجّهوا إلى المكان بداعي الفضول ومعرفة ما يَحدث. وما إنْ لمحوا تمثالَ مار شربل انتبهَت الأمّ أنّه صاحبُ الأعاجيب وغالباً ما يُحكى عنه في نشرات الأخبار.
فدخلت وصلّت طالبةً الشفاء لولديها. وفي الليل ظهرَ مار شربل على الوالدة، وعند الصباح اكتشفت أنّ ابنَها البِكر بدأ في الكلام، وفي اليوم الثاني بدأ ابنُها الأصغر في الكلام أيضاً.
وفي قب الياس، عانى صبيّ، من أب مسيحيّ وأمّ سنّية، مِن أوجاع في معدته، فنَقلته عائلته إلى المستشفى، إلّا أنّ الطبيب ارتكبَ بحقّه خطأً طبّياً، فتعطلت كليتاه، ولامسَ وضعه الصحيّ الموت.
فأعطت إحدى الموظّفات الوالدة “ذخيرة” للقدّيس شربل وطلبَت منها أن تعلّقها له في ثوبه في العناية الفائقة. بعد قليل شعرَ الطفل بأنّه يريد قضاءَ حاجته، وهنا استغربَت الممرضات طلبَه، ولكنّهن ساعدنه، وهنا كانت الدهشة بأنّ كليتَي الطفل عادتا للعمل بنشاط.
خطوات في عمره…
ولد القدّيس شربل في 8 أيار العام 1828 في بقاعكفرا، في فترة بناء دير مار مارون عنّايا، بعدما كانت المحبسة الحاليّة كنيسة منذ 30 عاماً قبل إنشاء الدير.
وتقسَم حياته إلى ثلاثة مراحل: 23 سنة وبضعة أشهر في بقاعكفرا، 23 سنة بين دير عنّايا والكرسي اللاهوتي في كفيفان، و23 سنة في المحبسة. أي نحو 70 سنة، وتوفّي العام 1898 ليلة الميلاد. في هذا السياق يوضح مطر: “عادةً يُحتفل في عيد القدّيس يوم وفاته، ولكنٍ بما أنّه (شربل) توفّي ليلة عيد الميلاد، تمّ الاتّفاق على الاحتفال بعيده في الأحد الثالث من تمّوز، وهو الموعد الأقرب لسيامته الكهنوتية”.
أمّا عن أولى المعجزات، فيَروي مطر: “بَعد سيامته الكهنوتية أتى شربل إلى دير مار مارون عنّايا، يعمل راهباً في الحقل، يصلّي، وأوّل أعجوبة له كانت سراج الزيت، عندما ملأ له العمّال السراجَ ماءً، ودخل غرفتَه وأضاءَ السراج على نحو عاديّ، ثمّ سَجد وصلّى، ما أثار استغرابَ رفاقه أمام غرفته. كيف أنّه بالماء يضيء السراج!”.
وأضاف: “كانت هذه الأعجوبة سببَ صعودِه في 15 شباط إلى المحبسة ليمضيَ حياته، بعدما غادرَها الحبيس أليشاع شقيق نعمة الله كسّاب الحرديني على إثر وفاته في 13 شباط 1875”. وتابَع مطر: “أعلِنَ طوباوياً في ختام أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني، وفي يوم إعلانه طوباوياً قام بأعجوبة، وكانت السببَ لإعلانه قدّيساً عام 1977”.
رَجلُ صمتٍ، رَجل إماتات، رَجل عمل وصلاة، هكذا عُرف القدّيس شربل، إلى حدّ أنّه لقِّبَ بـ”السكران بالله”. أدركَ باكراً أن لا خلاص إلّا بالرب. لذا مِن الأب مطر وصيّة إلى اللبنانيين “لا تَسكروا بمار شربل إنّما بمن هو سكرَ”. في الختام يا عابرَ الطوائف علِّم طوائفَنا محبّةً ووحدة، خلال استعدادها للاحتفال بعيدك.