كتبت سعدى علّوه في صحيفة “السفير”:
يمكن لمشروع «التغطية الصحية الشاملة لمن هم فوق الـ64 عاماً» الذي سيعلن عنه في السرايا الحكومية غداً، أن يكون «حلم» اللبنانيين، وتحديداً شريحة الـ51 في المئة من بينهم غير المشمولة بأي تغطية من المؤسسات الضامنة في لبنان، وفي ظل عدم وجود نظام شيخوخة يحترم كرامة الإنسان؟
فالخطوة التي سبق لوزير الصحة وائل أبو فاعور أن كشف عنها قبل نحو أسبوع، وأكد لـ «السفير» أمس أنها ستدخل حيز التنفيذ بدءاً من الأول من ايلول المقبل، محاصرة بمخاوف عدة أبرزها الصورة المعممة عن المحسوبيات والزبائنية في استقبال المرضى على حساب وزارة الصحة، وعدم تكافؤ فرص الخدمات الصحية في المناطق النائية مقارنة مع مشافي المدن والمحافظات المحظوظة، والأهم ضمان استقبال المستشفيات للمرضى على حساب وزارة الصحة بعد نفاد سقوفها المالية حيث تتذرع بعدم وجود أسرّة على حساب وزارة الصحة.
ولا يخفى على أحد أن أرباح المستشفيات تلامس الـ60 في المئة (هي تعترف بـ40 في المئة فقط)، ويزيد واقع القطاع الصحي المخاوف، خصوصاً مع إحالة وزارة الصحة، على سبيل المثال لا الحصر، 11 طبيباً مراقباً وعدداً من المستشفيات إلى النيابة العامة على خلفية التلاعب بفواتير التغطية على حسابها، بالإضافة إلى استرجاع الوزارة مليارات الليرات من بعض المستشفيات الخاصة. كلفة الاستشفاء تصل وحدها في لبنان إلى مليار دولار، وهي (أي كلفة الاستشفاء) جزء من فاتورة الإنفاق الصحي المرتفعة في لبنان والتي وصلت في العام 2015 إلى ثلاثة مليارات و750 مليون دولار (في القطاعين العام والخاص) مع ملامسة كلفة الدواء وحده المليار دولار ايضاً، ما يضع لبنان في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية لجهة الإنفاق على الصحة مقارنة مع الناتج المحلي.
إذاً كيف سيتم تطبيق التغطية الشاملة لمن هم فوق الـ64؟ ومن أين ستموّل؟ وهل ستؤمن فعلاً الاستشفاء اللازم لهذه الفئة من المواطنين البالغ عددهم نحو 114 الفا من بين المشمولين بتغطية وزارة الصحة؟
يؤكد وزير الصحة وائل أبو فاعور لـ «السفير» أن المشروع «ليس قفزة في الهواء»، معدداً الأسباب التي شجعته على اعتماده ومنها: تحسين الرعاية الصحية الأولية التي حققت وفراً لناحية حصر الاستشفاء بالحالات اللازمة فقط، اعتماد نظام مراقبة جديد (تلزيم ثلاث شركات خاصة عبر مناقصة في دائرة المناقصات في الدولة) يحدد آليات ومعايير دقيقة لحالات الاستشفاء والتدقيق في المستشفيات ومراقبة المعايير أيضاً، تحديث نظام التدقيق بفواتير المستشفيات عبر «سوفت وير» جديد في الوزارة، ما يحقق وفراً ملحوظاً.
ويقول وزير الصحة إنه سيستعمل الزيادة السنوية على موازنة وزارة الصحة التي تبلغ نحو 17 مليار ليرة لمصلحة المشروع ايضاً، وهي زيادة يطالب أصحاب المستشفيات باستعمالها لرفع التعرفة و «لكن الوزارة فضلت استعمالها لتغطية الـ100 في المئة لمن هم فوق الـ64 عاماً».
ويلفت أبو فاعور الانتباه إلى أنه قبل اعتماد نظام التدقيق الجديد «كان يتم التدقيق في 10 في المئة فقط من الفواتير، أما اليوم فهناك تدقيق فوري بكل فاتورة تتخطى المعدل الطبيعي وفقاً للحالة الاستشفائية، وهو ما يضبط الإنفاق».
وبالنسبة للحرص على استفادة كل من هم فوق 64 من غير المضمونين، يؤكد ابو فاعور ان هناك «لجنة مؤلفة من خمسة أطباء في الوزارة تزوده صباح كل يوم بلائحة دقيقة عن المستشفيات التي استنفدت سقفها المالي، وهذه اللجنة ستتابع مع المواطنين تأمين أسرّة لهم، كما ستعود للوزير لفتح سقف أي مستشفى استنفد سقفه المالي ويضطر لاستقبال المرضى عند الضرورة».
ولا يستبعد ابو فاعور إمكان حصول مشاكل مع بعض المستشفيات نظراً للفارق في قيمة التعرفة بين الوزارة وبعض المستشفيات، بقيمة إجمالية تقارب المئة مليار ليرة لبنانية.
ومع ذلك، يؤكد وزير الصحة أنه يعول على «تعاون المستشفيات الكبير، وفي المقابل، أنا مستعد لمساعدتهم في زيادة التعرفة بعد تأمين التمويل اللازم، وفي الوقت نفسه سنعتمد على القانون في التعاطي مع كل المؤسسات».
أرقام وتفاصيل الوفر
ويقول المدير العام لوزارة الصحة د. وليد عمار لـ«السفير» إن الإنفاق على الصحة في لبنان انخفض من 12.4 في المئة من قيمة الناتج المحلي في العام 1998 إلى 7.4 في المئة اليوم مع تحسين الخدمة الصحية وفق تقرير منظمة الصحة العالمية، محدداً حصة الدولة من هذا الإنفاق بـ31 في المئة (الباقي تتحمله المؤسسات الضامنة والمواطن الذي يتطبب على حسابه الخاص)، ليقول «إن زيادة الإنفاق من أجل تخفيف الأعباء عن المواطنين ليس خطأً». ويؤكد أن لبنان تمكن مع 16 دولة فقط في العالم من تحقيق أهداف الألفية في تخفيض وفيات الأمهات (بنسبة 75 في المئة) والأطفال (بنسبة 60 في المئة).
ويبلغ عدد الذين يتطببون على حساب وزارة الصحة مليونين و121 الف مواطن، أي 51 في المئة من اللبنانيين المقيمين. ويدخل من بين هؤلاء 169 الفا و635 مريضا سنوياً إلى المستشفيات، ويشكلون ما نسبته 8 في المئة. وتبلغ حالات الاستشفاء (كون بعضهم يدخل أكثر من مرة) 254 الفا و520 حالة استشفاء بنسبة 12 في المئة من الذين يدخلون إلى المستشفيات.
ومن بين 113 الفا و988 مواطنا فوق سن الـ64 عاماً يستفيدون من الوزارة، يمرض من بينهم 30 الفا و893 شخصا سنويا (أي 27 في المئة من بينهم). ويدخل هؤلاء (27 في المئة) 54 الفا و729 مرة للاستشفاء وهو ما يعادل اربعة أضعاف المعدل العام لدخول المستشفى لمن هم خارج هذه الشريحة العمرية.
وتبلغ تكلفة من هم فوق الـ64 عاماً 107 مليارات ليرة و385 مليون ليرة قياساً لنسبة الـ85 في المئة كانت تدفعها الوزارة وستزداد هذه الكلفة بنسبة 15 في المئة بعد التغطية الكاملة، وهو ما كان يشكل 17 في المئة من موازنة الوزارة (عدا الدواء والإقامة الطويلة في المستشفى). وكان هؤلاء يدفعون 17 مليار ليرة من جيبهم الخاص لتكملة استشفائهم على حساب الوزارة وهو ما ستتولاه الأخيرة بعد هذا المشروع. وتبلغ كلفة هذه النسبة 2.7 في المئة من الموازنة الإجمالية للوزارة ككل.
ويتوقف عمار عند تعزيز الرعاية الأولية التي أحدثت وفراً بنسبة 7.4 في المئة من الكلفة، بالإضافة إلى تطوير قاعدة المعلومات الموحدة للمستفيدين من الجهات الضامنة وبالتالي تم تجنب الازدواجية في التغطية الصحية، وإعادة تصنيف المستشفيات ليس فقط بالنسبة لجودة الخدمات ومؤشر مدى رضا المريض، وإنما عبر وضع مؤشرات تتعلق بتعقيد وجدية الحالات الاستشفائية لتخفيض كلفة الاستشفاء غير المجدي أو الحالات التي لا تحتاج لاستشفاء وسيطبق المشروع في المستشفيات الحكومية والخاصة، ويبقى للمريض اختيار المستشفى