Site icon IMLebanon

حرية التعبير و”آلهة” لبنان! (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

قال فولتير في القرن الثامن عشر: “قد أختلف معك حول كل كلمة تقولها، لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقول ما تريد”.

أما في لبنان فيبدو أننا لا نزال نعيش ما قبل القرن الثامن عشر في موضوع حرية التعبير. و”فولتيرات” لبنان يضعوننا اليوم امام معادلة: “لا يحق لك أن تقول ما لا يتوافق مع سياساتنا”… ونقطة عالسطر!

ما جرى مع الزميل نديم قطيش نموذج حي لا يزال يتفاعل، على خلفية تغريدة لقطيش في موضوع المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا. بغض النظر عن رأينا في مضمون التغريدة، سواء لناحية المضمون أو الشكل حتى، وبغض النظر عن موافقتنا عليها أو رفضنا لها لأن لا مصلحة لنا كلبنانيين في الاختلاف حول شؤون لا تعنينا، فإن للزميل قطيش الحق في أن يكتب ما يريد وفي أن يعبّر عن رأيه بالطريقة التي يريدها، ونحن كزملاء من أبسط واجباتنا أن ندافع عن هذا الحق المقدّس مهما كلّف الأمر.

يكفينا أن نكون خسرنا ديمقراطيتنا، وانتهى زمن تداول السلطة على كل المستويات الدستورية والحزبية وحتى النقابية في أحيان كثيرة، فهل يجوز أن نقبل بأن نخسر حرية التعبير والكتابة أيضاً؟

نديم قطيش بالأمس، وقبله إيلي الحاج، وقبله ديانا مقلّد، وقبلهم وبعدهم كل من يجرؤ على الانتقاد على مستوى كل الأحزاب والحياة السياسية بشكل عام، ومن دون استثناء!

آخر البدع أن يصبح انتقاد رئيس دولة غريبة ممنوعاً… تماماً كما انتقاد أي مسؤول أو “زعيم” لبناني هو ممنوع. والأسوأ ليس فقط أن هذا الزعيم أو ذاك يرفضون أن ينتقدهم أحد، بل وأن الحالة الجماهيرية “الغنمية” وراءهم ترفض أي انتقاد لزعيمهم، ولو كان الجمهور ضمنياً مقتنعاً بأن ثمة مشكلة ما في مكان ما.

والأسوأ أن هذا الجمهور أو ذاك يهللون لصحافي أو إعلامي طالما هو يبجّل زعيمهم، وحين يعطي رأياً أو فكرة لا تعجبهم ينطلقون في تصنيفه وفق معادلات مذهبية وطائفية بغيضة، وكأن هذا الصحافي أو الإعلامي ملزم بأن يكون ملحقاً بالإطار “الغنمي” الكبير وإلا فإن تحليل دمه يصبح مشروعاً! وهذا الواقع ينطبق على كل الأحزاب والتيارات، وأحياناً كثيرة على من يعتبرون أنفسهم من “المجتمع المدني”!

في لبنان بات ممنوعاً نقاش الأفكار. المطلوب فقط هو التبعية للأشخاص والمذاهب والطوائف والأحزاب. أي نقاش حول الفكرة يعرّض صاحبه الى فورة غرائز في عصر مواقع التواصل الاجتماعي قد لا تُحمد عقباها. والمسؤولون و”الزعماء- الآلهة” مسؤولون في جزء كبير عما وصل إليه جمهورهم، لا بل يضحكون في سرّهم مما وصل إليه هذا الجمهور، لأن حمايتهم وعدم مساءلتهم عن كل ما يفعلونه باتت مرتبطة ببقاء “الحالة الغنمية” حولهم لجمهور يصفّق مهما فعلوا وقالوا ولا يناقش. فبئس هذا الجمهور وهؤلاء الزعماء وتلك المذاهب والطوائف التي تسعى لشلّ العقل ومنع التفكير لمصلحة التبجيل والتصفيق وكمّ الأفواه!

أن تتحول أحزابنا وتياراتنا وحتى شخصياتنا السياسية والعامة الى منطق شمولي يرفض الرأي الآخر والانتقاد، ويبلغ حدود التخوين والشتائم والإهانات، سواء تحت ستار الدين أو تأليه الزعيم، فهذا بحد ذاته الخط الأحمر الممنوع بلوغه مهما كان الثمن وأيا تكن التضحيات.