Site icon IMLebanon

ليلة الانقلاب: ساعات الإثارة في دمشق والفرح القصير

 

كتب زياد حيدر في صحيفة “السفير”:

 

منذ أن بدأت أخبار ظهور دبابات في شوارع مدينة اسطنبول، ليل الجمعة، أدار السوريون ظهورهم لكل شيء، والتصقوا بشاشات التلفاز. أخبار الجبهات والغلاء وانقطاع التيار الكهربائي الدائم، والفوضى، وكل الأمور الاخرى صارت ثانوية أمام الخبر التركي الذي بدا وكأنه رواية حلم بعيد. «عاجل» وراء «عاجل»، تابعها السوريون بدءاً بالقنوات التي يرغب المقيمون في مناطق سيطرة الدولة بمتابعتها، حتى لو تغاضت عن الحقائق، وتلك التي لا يحبون مشاهدتها، حتى لو حاولت الكذب على الجميع، والتي تشابهت جميعها في استباق الأحداث خلال تغطيتها وصولاً لأمنياتها بفشل الانقلاب أو نجاحه.
الحدث التركي، وإمكانية أن يكون هناك انقلاب فعلي على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وسلطته من بعده، كان يحتاج لكل تفصيل ممكن الحصول عليه.
طغت العواطف بالطبع مع اقتراب الليل من منتصفه، بالنسبة للسوريين، أو لأغلبيتهم، باستثناء كثر من المسؤولين الذين سهروا معظم الليل بانتظار أن يتبين خيط من آخر للعملية العسكرية التي جرت وانتهت سريعاً، فيما مفاعيلها مستمرة.
أطلق الجنود في الجبهات، وعناصر الاحتياط والضباط على الحواجز التفتيشية وكل من يملك سلاحاً وهم كثر في سوريا، الرصاص والقنابل الصوتية والدفاعية «احتفالاً بسقوط الأزعر» وفق نعت الرئيس السوري بشار الأسد له منذ أسابيع.
لكن السلطة خلافاً لجمهورها، لم يتفاءل مسؤولوها سريعاً بالأخبار القادمة من اسطنبول، وكان الحذر الشديد سيد الموقف. انتظروا طويلاً قبل أن يعلق أحدهم في حديث خاص بأن ما جرى على سوء نتائجه «جيد بكل الأحوال». فسواء كانت العملية «محضرة أم لا، فهي تكشف الانقسام الموجود حول الرجل، الذي يحكم تركيا وحده».
لم تحضر كثيراً نظرية المؤامرة «بأن أجهزة أردوغان تغاضت عن المؤامرة الانقلابية التي سبق وحذر منها علناً، لينتقم عبرها ممن تبقى من خصومه»، لا سيما أنها قد تعطيه الدفعة الاستفتائية التي يحتاجها لتغيير الدستور، ولحبس أستاذه السابق وخصمه اللدود الحالي الداعية فتح الله غولن في سجون أنقرة، لا في منفاه الأميركي.
هل كان سيتغير شيء في الحرب السورية لو سقط أردوغان فعلاً؟ على الأرجح، وفقاً لقراءة كثيرين، ولا سيما أن الجيش أكثر حساسية للموضوع الكردي من السياسيين، كما أنه أكثر دراية بما يعنيه الانفتاح على الحركات الإسلامية المتطرفة منذ خمس سنوات حتى الآن.
لكن بعيداً عن التكهنات، كانت ليلة الجمعة فرصة لكثر من السوريين لإطلالةٍ جديدة على حياتهم.
خبر رفع أملهم بتغيير جذري في موازنات الصراع التي لا تتغير منذ خمس سنوات، ولا سيما أن المعني هو الرجل الذي فتحت له منذ سنوات أبواب دمشق وحلب، والحدود البرية والجوية، ومنح كل الامتيازات الاقتصادية والسياسية الممكنة مع دمشق، إلى أن وصل به الأمر منذ خمسة أعوام وحتى اليوم لقيادة حملة عسكرية بلا توقف لتغيير قيادتها السياسية. وهو كذلك سياسي تعتبره كل من دمشق وموسكو وطهران عقدة العقد في إنهاء الحرب، وبشكل معاكس ربما طريقها أيضاً.
تأسّف شابٌ سوري على شبكة التواصل الاجتماعي، مبرراً حالة الهياج الاحتفالي التي شهدتها العاصمة دمشق وغيرها من المدن. كتب «حرام، الناس لم تسمع خبرا مفرحا منذ خمس سنوات». حالة مشابهة كانت قد حصلت حين أعلن رسمياً أن الجانبين الأميركي والروسي توصلا إلى اتفاق بشأن السلاح الكيميائي السوري لإبعاد شبح ضربة عسكرية عن سوريا. «العسكري الذي يقاتل منذ ست سنوات، فتحت له بارقة أمل برؤية عائلته» قال آخر، فيما رأى آخرون أن «الله ينتقم من أردوغان»، أو «يمهل ولا يهمل».
الصناعي وعضو مجلس الشعب فارس الشهابي، وهو من أكثر المتشددين تجاه اردوغان، «لا يعطي فرحته لأحد» مع توارد أخبار محاولة «الانقلاب».
الشماتة تكبر مع ظهور الرئيس التركي عبر تطبيق «فايس تايم»، متحدثاً لقناة تلفزيونية. التلفزيونات الحكومية السورية والقريبة منها تكتب جملاً أقرب للتمنيات عن طلبات لجوء سياسي لأردوغان، و «تعايد السوريين بالانقلاب»، والمسؤولون الصامتون «فرحون بالهزة الكبيرة أياً كانت النتائج».
مرت إثارة الليل، وعاد المشهد العام إلى سابق عهده. أما المعارك على حدود تركيا في ريف حلب وعلى مشارفها، وفي جبال ريف اللاذقية، مع من تعتبرهم القيادة السورية حلفاء تركيا، فقد هدأت لساعات، ثم سرعان ما استؤنفت.