كتب أنطوان عاجوري في صحيفة “لوريان لو جور”: مرّة في العام وعلى مدى ثلاث سنوات، سيصوّت قرّاء “لوريان لوجور” في لبنان والعالم لاختيار “قرية اللبنانيين المفضّلة”.
“سكّان زغرتا يصعدون الى إهدن لتمضية فصل الصيف. صحيح أم خطأ؟” خطأ، يجاوب الإهدنيون، مؤكّدين بفخر أنهم هم من ينزح الى زغرتا شتاء. يروي غسان طيون، نائب رئيس البلدية، أن بلدة إهدن أقدم بكثير تاريخياً. فقد وجب انتظار العهد العثماني كي يحظَى الإهدنيون من الباب العالي بإذن لشراء أرض بالقرب من الساحل للهروب من قساوة الشتاء.” فكانت زغرتا.
يتابع السيد طيون حديثه مذكّراً بتقليد بات اليوم منسياً: “في الماضي، عند مغادرة القرية في بداية الشتاء، كان الإهدنيون يجمعون مفاتيح بيوتهم ويضعونها في كنيسة سيدة الحصن آملين من العذراء أن تحمي منازلهم. أما مفتاح الكنيسة فكان يوضع أمانة بيد أحد وجهاء القرية. عندما يحين موعد العودة الى إهدن صيفاً، كان الفرسان يتسابقون للوصول الى الكنيسة لجلب المفاتيح الى السكان، فيسبقون هؤلاء المحمّلين فراشهم وثيابهم على ظهور الحمير أو العربات صعوداً على الطريق.”
تقع إهدن في قلب جبال لبنان الشمالي. لا يزال أصل الإسم ملتبساً. فالبعض يؤكّد على أن إسم إهدن مشتقّ من كلمة “عدن” التي عاش فيها آدم وحواء قبل طردهما من الجنّة. في حين يؤكّد آخرون أن كلمة إهدن مشتقّة من الكلمة الآرامية، “أدون” أو “أدونيس”، ومعناها السلطة، الاستقرار، السكينة.
ساهم موقع القرية وطبيعتها في صقل شخصية سكّانها المشبعين بتاريخ إهدن العريق الحافل بالمقاومة، سواء مقاومة قوى الطبيعة أو الغزاة. يقول غسان طيون باعتزاز: “إهدن جذورنا وجناحنا”. كما يشكّل الانتماء المسيحي الماروني ركيزة مهمّة لهويّة الإهدنيين.
من أبرز شخصيات القرية، بحسب ما أورده بطرس وهبه الدويهي، العديد من البطاركة، أشهرهم البطريرك إسطفان الدويهي الذي كان بطريركاً من العام 1670 الى حين وفاته في العام 1704، والذي ينتصب تمثاله في وسط القرية. كما انتمى الى إهدن حوالي ثلاثين أسقفاً.
ويذكر أيضاً بطرس الدويهي البطل الوطني يوسف بك كرم الذي لا يقلّ شهرة، والرئيسين السابقين سليمان فرنجية ورينيه معوض…
مار ماما، في العام 749…
تكاد تجد كنيسة عند كلّ منعطف. يشرح مخائيل الدويهي، رئيس مؤسسة الخير والإنماء، أنه “لكلّ من العائلات الكبرى في القرية كنيستها وشفيعها”.
عدد كبير من تلك الكنائس القديمة بُني في مواقع المعابد الوثنية الكنعانية، بحسب ما شرحه روي العريجي، مؤلف كتاب عن القديسين الموارنة.
يذكر أولاً سيدة الحصن التي تُعتبر الكنيسة الأكثر ارتفاعاً في لبنان. تليها كنيسة مار ماما، أقدم كنيسة مارونية لبنانية لا تزال قائمة، بُنيت في العام 749 على أنقاض معبد قديم.
لا بدّ أيضاً من زيارة مارت مورا. إنها الأثر الوحيد الباقي من الدير الأول الذي انبثقت عنه مختلف الأنظمة الدينية المارونية. الى جانب الكنائس الأحدث، مار بطرس وبولس، مار سمعان، كاتدرائية مار جرجس، ودير مار سركيس وباخوس.
أروع وأسهل زيارة لك من إهدن، هي الى وادي قاديشا ودير مار أنطونيوس قزحيا وغيرها من المواقع الدينية.
القرية إذاً أشبه بجنّة للسياحة الدينية وللزوّار الذين سرعان ما تسحرهم حرارة الاستقبال وحسن الضيافة الذي يتميز به الإهدنيون، إضافة الى البنى السياحية في القرية.
عندما تكون في إهدن، يراودك شعور طبيعي بأنك في ديارك. خاصة عندما تريد تذوّق الأطباق التي تتميّز بها المنطقة. في مطعم عدن، امرأة متقدمة في السنّ تحضّر الكبة النيئة الشهيرة وهي تدقّ اللحمة قبل أن تضيف إليها البرغل والبصل والملح والبهار. يقول ميخائيل الدويهي أن “الكبة النيئة الإهدنية أسطورة. الفرق الوحيد بينها وبين تلك التي نجدها في مناطق أخرى من لبنان أنها تُعدّ بلحم الماعز. أما الباقي فهو في التوازن بين المكونات.” ثم يضيف: “لكن ما تتميّز به إهدن، هو أنواع الكبّة المتعدّدة.”
جولة في المحميّة
في ساحة القرية المعروفة بـ”الميدان”، يُطالعنا حبّ الحياة الذي يتشاركه أهل القرية والزوار. أولاد يلعبون الى جانب بركة ماء. في إحدى المقاهي المتعددة، رجال يلعبون بالورق. من حين الى آخر، ترتفع بعض الأصوات لتلعن حظّها السيء.
في المقابل، من الجهة الأخرى للميدان، حلواني شهير يقدّم لك حلاوته بالجبنة التي لا تقلّ شهرة… تستمرّ الأجواء الاحتفالية حتى بزوغ الفجر في المطاعم والحانات والعلب الليلية المحيطة بساحة القرية.
كي تستكمل زيارتك الى إهدن، من الضروري جداً الذهاب في جولة الى المحمية الطبيعية المطلّة على القرية. تشرح لنا مديرة المحمية، ساندرا الكوسا سابا، أن “الغابة تتضمّن ما لا يقلّ عن 1030 نوع مختلف من النباتات”. كما أنها تحتوي بشكل خاص على إحدى غابات أشجار الأرز الأكثر كثافة في لبنان. عدا عن غناها بالأجناس الحيوانية البرية، الى جانب العصافير والفراشات وغيرها من الحشرات النادرة.
هنالك أيضاً إمكانية لممارسة عدد من النشاطات الرياضية في المحمية، كالتجوّل والتسلّق والرابيل(Rappel) والقفز بالمظلات(Parapente) والتيروليان (Tyrolienne) واستكشاف المغاور ورماية القوس، بحسب ما شرحه لنا شفيق غزالة، مؤسس جمعية Ehden Adventures الذي يدير أيضاً موقعاً للتخييم يمكنه استقبال 200 شخص.
للإهدنيين أيضاً نشاطاتهم الثقافية الخاصة. فإلى جانب فرقة الدبكة الفولكلورية ووجود أوركسترا محلية، تنظّم القرية كلّ صيف مهرجان “إهدنيات” الموسيقي الذي يستضيف فنّانين مشهورين عالمياً.
من على شرفة فندق بلمون المطلّ على القرية، يتذكّر عدد من السواح أيام زمان، عندما كانت النخبة العربية في القاهرة وبغداد تقصد إهدن للاصطياف. باح لنا المدير الحالي للفندق بنبرة ملتبسة بين المرح والارتباك: “يُقال أن كارلوس الإرهابي نفسه أقام في أوتيل بلمون”…
كيفية الوصول إليها
من بيروت، سلك الطريق العام باتّجاه طرابلس، ومن ثم الانعطاف عند شكّا باتّجاه أميون ثم كوسبا وطرزا. عند الصوول الى حاجز الجيش، سلط الطريق لجهة اليسار التي تعبر الوادي ثم تتّجه صعوداً نحو إهدن.
تقع إهدن على مسافة 120 كم من بيروت و30 كم من طرابلس و25 كم من زغرتا.
المواقع التي يجب زيارتها
- كنائس القرية القديمة
سيدة الحصن
مار ماما
مارت مورا
مار بطرس وبولس
مار سمعان
كاتدرائية مار جرجس ودير مار سركيس وباخوس
الميدان ومطاعمه ومقاهيه.
التجول أوممارسة النشاطات الرياضية في إهدن الطبيعية والجبال المجاورة.
من الضروري جداً تذوّق مختلف أنواع الكبة التي تُحضّر على الطريقة الإهدنية.
معلومات تقنية
المساحة
24 كم2.
الارتفاع
تبدأ إهدن عند ارتفاع 1450 متر وتصل الى 200 متر.
عدد السكان
500 نسمة تقيم فيها شتاء. وقد يصل العدد الى 000 35 صيفاً.
رئيس البلدية
سيزار باسيم.
فنادق ومطاعم
العديد من الفنادق، بعضها ذات نوعية عالية.
العديد من المطاعم الشرقية والغربية في القرية وضواحيها. أهم الفنادق:
أوتيل بلمون بطلّته الرائعة على إهدن: 06-560102 / 03-307333
لو بروفانسال، في وسط القرية، الذي يقع فوق ساحة الميدان: 06-561040 / 03-678593
أوتيل أبشي، أحد أقدم الفنادق في إهدن: 06-560001
لوسيراي، على الطريق العام، مقابل سراي إهدن: 06- 560998
إهدن كاونتري كلوب، مثالي للعائلة: 06- 560651
كروم إهدن (مجمّع ومحلات) الذي يجمع الرفاهية والراحة: 06- 561560
المناخ
بارد جداً في الشتاء. جميل وجاف في الصيف.
للاطلاع على التقرير في صحيفة “لوريان لو جور”: إضغط هنا