كتبت سعدى علّوه في “السفير”:
لماذا علينا أن نكون كثراً اليوم في الاعتصام الرافض للحكم الصادر بحق محمد النحيلي، قاتل زوجته منال العاصي على مدى سبع ساعات في محلة الطريق الجديدة في بيروت وبأبشع عنف ممكن وعلى مرأى من أهلها؟
لنلجأ إلى المشرّع اللبناني وقوانينه. الحكم الذي أصدرته القاضية هيلانة اسكندر، مؤخرا، بسجن النحيلي ثلاث سنوات وسبعة أشهر وفق السنة السجنية البالغة تسعة أشهر، هو أقرب إلى عقوبة التسبب بالوفاة من القتل العمد، كما هي حال النحيلي.
وتعاقب المادة 564 “من تسبب بموت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”، فهل تسبب النحيلي بوفاة منال العاصي أم بقتلها؟
لنأخذ الجواب من قاضي التحقيق في القضاء اللبناني نفسه الذي اتهم النحيلي في قراره الاتهامي، وفقاً للمادة 549 عقوبات، وتنص على القتل العمد الذي ثبت في فعل النحيلي خلال قتله منال من الساعة 11 صباحاً ولغاية السابعة مساء. وتصل عقوبة المادة 549 إلى الإعدام وهي غير القتل القصد الذي يكون “ابن ساعته” وفجائيا ونتيجة للظرف الذي وقعت فيه الجريمة. ومع ذلك تتراوح عقوبة القتل القصد بين 15 عاماً والمؤبد.
وإذا اعتبر البعض أن إسقاط عائلة منال حقها الشخصي قد ساهم في تخفيف الحكم، فإن القانون اللبناني نفسه قد حسم المسألة عندما اعتبر في روحية القانون أن المعيار الشخصي يرتبط بأمور خاصة قابلة للأخذ والرد والتنازل، إذا لم تنسحب بأي أثر سلبي على المجتمع، بينما الحق العام غير قابل للتنازل عندما يتعلق بمصلحة المجتمع.
وعندما سمح المشترع بسريان إسقاط الحق الشخصي على دعوى الحق العام، حصرها في قضايا خاصة جدا لا تؤثر على استقرار المجتمع ومصلحته، بينما لم يسمح بذلك في الجرائم الأخرى وعلى رأسها القتل. والدليل أنه في القانون، ولمجرد تحريك النيابة العامة دعوى حق عام، لا يمكنها التراجع عنها ولا تعد ملكيتها.
فهل مقتل منال العاصي هو من القضايا التي اذا أسقط الحق الشخصي فيها تنسحب على الحق العام؟
طبعا لا.
لا، لأن المشترع لم يسقط الحق العام مع الحق الشخصي في القتل. أكثر من ذلك، فإن قتل منال العاصي يأتي في صلب العنف ضد المرأة الذي ميّزه المجلس النيابي بقانون خاص شدد فيه العقوبة بعدما تبين للمشرعين أن آفة قتل النساء تستشري كالوباء في المجتمع. وكان دم منال إحدى الجرائم التي ساهمت في إقرار القانون الذي نص على تشديد العقوبة إذا كان القتل أسريًّا، لا تخفيفها.
والأهم أن فلسفة قانون العنف الأسري انطلقت من مبدأ ردع المعنف من التذرع بالغضب و “فش الخلق” لتعنيف الزوجة (وبقية إناث العائلة بطبيعة الحال). وجاء القانون ليعاقب انفعال الرجل في حال عدم سيطرته عليه لا ليبرره، ومن هنا جاءت قرارات الحماية التي تبعد الرجل عن بيت العائلة إذا أدى غضبه إلى تعنيف زوجته، فكيف بقتلها؟
ويضاف إلى ذلك كله، أن تجريم النحيلي بثلاث سنوات وسبعة أشهر على جريمة وصفت بأنها “الأبشع والأعنف”، وكذلك تجريم منال العاصي بـ “الزنى” في قبرها وبالبناء على هذا التجريم، أعاد المجتمع اللبناني عشر سنوات إلى الوراء، أي إلى ما قبل إلغاء جريمة الشرف. عدا مدى صلاحية رعاية النحيلي لابنتيه اللتين قتل أمهما، وهي مسألة تحتاج الى نقاش مستقل.
ليس للمجتمع المدني سوى النيابة العامة الاستئنافية لاستئناف الحكم، وكذلك النيابة العامة التمييزية التي تتيح لها صلاحياتها الطلب من النيابة العامة الاستئنافية ذلك.
على المواطنين أن يكونوا كثراً اليوم، ليطلبوا من مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود والنائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد ابو حيدر الانتصار ليس لمنال فقط بل للمصلحة العامة ولاستقرار المجتمع.