كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
توقّف مرجعٌ سياسي أمام مضمون تقرير وصَله من العاصمة الروسية قبل أيام تناول الحصيلة الأوّلية لزيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري الى موسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين قبل محادثاته مع نظيره سيرغي لافروف. وأخطر ما فيه تجاهل الطرفين ملف اللاجئين السوريين الى دول الجوار والعالم. فما هي الأسباب؟قال التقرير الديبلوماسي إنّ زيارة كيري الى موسكو ولقاءه بوتين لم تكن كما الزيارات السابقة لا في الشكل ولا في التوقيت ولا المضمون.
حدَّد التقرير العناوين الرئيسة التي حمَلها كيري الى بوتين في شكل رسالة شخصيّة من نظيره الأميركي باراك أوباما ترجمة لإتفاق تمّ بين الرجلين في اتصال هاتفي جرى بينهما قبل أيام قليلة من الزيارة، اقترح فيها مقاربة جديدة للوضع في سوريا ترتكز الى معادلة تُقدّم الوضع الأمني على الحلول السياسية المقترَحة وفق رزمة من الإجراءات العسكرية المشترَكة التي لا بدّ منها لفتح الطريق لاحقاً على مشاريع الحلّ السياسي.
قالت رزمة الإجراءات إنّ الأولوية في هذه المرحلة هي لمواجهة الإرهاب من خلال زيادة التنسيق بين البلدين وفق مبادرة يقودانها لأهداف عدة، أبرزها الوصول الى مرحلة التفاهم على لائحة مشتركة للمجموعات الإرهابية الواجب القضاء عليها.
وللمرة الأولى لم يفصل الأميركيون في اقتراحاتهم بين أن يكون مردود أيّ عملية عسكرية مشترَكة من النوع المطلوب سواءٌ صبّت في مصلحة النظام السوري وحلفائه أو القوى الأخرى المعارضة التي تحظى برعاية الولايات المتحدة ودول الحلف الدولي طالما أنّ القوّتين الأساسيّتين، الروس والأميركيون، هما مَن سترسمان في النتيجة السقوف العليا لمدى وقدرات الطرفين وحصصهما عند اقتسام المغانم في المرحلة النهائية.
وتقول رزمة الأفكار الأميركية إنّ على موسكو وواشنطن التعهّد بإدارة المواجهة مباشرة بالتفاهم مع حلفائهما، سواءٌ تمّ ذلك عبر غرفة عمليات عسكرية وإستخبارية مشتركة أو أيّ وسيلة أخرى يمكن أن تحلّ محلّ اللجنة المشتركة بينهما التي تعمل في الظل عبر «خط ساخن» سرّي بين البلدين منذ أن بدأ التدخل الروسي المباشر في سوريا تحت عنوان منع أيّ احتكاك بين القوّتين بحراً وجواً.
ولذلك قالت الرزمة إنّ على الطرفين التزام جملة خطواتٍ لا بدّ منها وأبرزها عدم السماح بأيّ عمل يُغيّر في الستاتيكو القائم مأسوياً، أو يُغيّر في مواقع قوة الطرفين بشكل يكسر الحدّ الأدنى من التوازن القائم على مختلف الجبهات الإستراتيجية قبل التفاهم على الخطوات العسكرية الكبرى المقبلة التي يمكن أن تُغيّر في الواقع في اتجاه القضاء على «داعش» و»النصرة» وغيرهما من التنظيمات الممكن إدراجها على لائحة موحّدة.
وفي التقرير، معلومات قليلة عن النتائج المباشرة للمحادثات الأميركية – الروسية التي تسرّبت وهي تؤشر الى أنّ التفاهم على هذه اللائحة لم يعد بعيداً، وبقيَ أن يتراجع كلّ من الطرفين خطوة الى الوراء في شأن مصير بعض التنظيمات الصغيرة التي يمكن دمجها في سلة جديدة لإخراجها من لائحة الأهداف المشترَكة للضربات الروسية والأميركية أو ضمّها إليها في آن، وهو أمر يستلزم أن تجري كلّ من واشنطن وموسكو اتصالات مع حلفائهما لترتيب اللائحة النهائية في أسرع وقت.
أثبت التقرير بالمعلومات الموثّقة أنّ القوّتين لم تكونا قريبتين الى ما يمكن أن تتفقا بشأنه في أيّ مرحلة كما هما اليوم، وذلك بعدما تبادلا العتب والتحذيرات في شأن الأخطاء التي ارتكبتها قواتهما بحقّ حلفائهما الى حدٍّ تجاوز كلّ منهما خطوطاً حمر كان تمّ التفاهم عليها سابقاً. وستؤشر الأيام المقبلة الى دقة هذه المعلومات ومدى جدية الطرفين في مقاربة الملف بعيون جديدة.
بدليل أنّ القوات الروسية أعادت النظر في بعض العمليات الجوية التي كانت تنوي شنّها على أهداف حليفة للأميركيين ودول الحلف الدولي فيما تعهّدت واشنطن التشدد في عملياتها تجاه «النصرة» و»داعش» فور إنجاز اللائحة المشتركة.
وفي انتظار الأيام المقبلة للتثبّت ممّا حواه التقرير لجهة شكل التعاون بين موسكو وواشنطن بعيداً من أيّ تأثير لما شهدته تركيا عقب الإنقلاب الفاشل وما يمكن أن يؤدّي اليه، فقد أثار تجاهل الطرفين أيّ إشارة الى مصير اللاجئين السوريين قلقاً على مستقبل هذا الملف وما يمكن أن يتسبّب به الإنتشار الكثيف لهم في لبنان ودول الجوار السوري وعدد من الدول الأوروبية.
وأخطر ما جاء في التقرير – على حدّ قول المرجع السياسي – ما تضمّنه من إشارة واضحة الى عدم انزعاج الروس في هذه المرحلة ممّا تسبّب به اللجوء السوري الى دول الجوار والدول الأوروبية تحديداً، على أساس أنّ من مصلحتها رفع عدد النازحين واللاجئين الى الخارج السوري للحدود القصوى، خصوصاً الدول الأوروبية، لأنهم كانوا أوّل مَن حذّر من تورّطهم في سوريا تحت شعارات مختلفة وسبق لهم أن حذّروهم من التمادي في هذه السياسة التي يحصدون اليوم نتائجها عملياتٍ إرهابية في اكثر من عاصمة ومدينة.
في المقابل، لم يُعر الأميركيون اهتماماً سوى بضحايا الحصار المتبادل في الداخل السوري على أساس أنّ بقية النازحين واللاجئين في دول الجوار والعالم يلقون مساعدة الدول المضيفة والمنظمات الأممية المتخصصة وليست لهم الأولوية في هذه المرحلة بالذات.