كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
بين اللقلوق والنقاش والرابية، يجد الجنرال شامل روكز الوقت للكثير من الأشياء إلا التدخّل في شؤون «التيار الوطني الحر» الداخلية.
الرجل لا يتدخّل ليس لأنه غير قادر على ذلك، أو لأن رسائل معينة وصلته مؤخرا «كما يزعم البعض»، بأن «اللعب بالتيار» قد يكلّفه طموحه النيابي والسياسي، بل لأنه لا يرى فائدة من الدخول على خط الخلافات التنظيمية الحاصلة، والتي ربما تتكفّل الاليات الحزبية الداخلية بحلّها، ولأنها «ازمة صغيرة ومحدودة» إذا ما قورنت بالدور المستقبلي لـ «التيار».
صار قائد فوج المغاوير السابق بحكم المتيقّن، برأي المقرّبين منه، بأن الحالة العونية يستحيل حصرها بما يحصل داخل جدران «التيار» من خلافات ومحاولات لفرض مسار على آخر، برغم أحقية الملاحظات التي تطرحها المعارضة للقيادة الحالية، إنما بمقاربة بعيدة المدى لدور «التيار» وموقعه الوطني وعلاقته مع الحلفاء ونظرة هؤلاء اليه.
حين يتدخّل روكز فعلا، يحاول أن «يروّقها» لا أن يصبّ الزيت على النار، خصوصا ان الدخول على هذا الخط، برأي هؤلاء، قد تكون سلبياته أكثر من ايجابياته.
هكذا تصبح كافة التحليلات التي تحوّل مقرّه الصيفي في اللقلوق أو مكتبه في النقاش أو منزله في الرابية الى غرفة عمليات للانقلاب على قيادة جبران باسيل مجرد تحليلات تُضحك روكز ويقف الامر عند هذا الحدّ.
لروكز خلية أزمة مؤلفة من عونيين وغير عونيين. يمكن لزائريه استنتاج التململ الذي يشعر به من تصوير البعض الامر وكأنه صراع أجنحة بينه وبين باسيل داخل «التيار»، وقد خصّص الاجتماع الاخير للخلية لهذه المسألة.
صحيح ان اللقاءات بين روكز وباسيل تكاد تقتصر على الجلسات العائلية، وصحيح أن الضابط السابق يشعر في كثير من الاحيان أنه حائط مبكى لكل المعترضين العونيين على أداء القيادة، لكنه يجهد بقوة لإبعاد نفسه عن كل ما يمكن أن يفسّر بأنه منافسة مباشرة مع باسيل على وراثة زعامة «التيار» في ظل الانتقادات الحالية لأداء الاخير.
لذلك تأتي التأكيدات، ودائما في ردّه على أسئلة من يلتقيهم، بأن لا علاقة تنظيمية تربطه بـ «التيار»، وأنه لا يتدخّل في شؤونه، مع تسليمه الكامل ان خلفيته العسكرية تجعله حكما من الدائرين في فلك الشارع العوني الذي تمثّل المؤسسة العسكرية جزءا من وجدانه ونضالاته.
أما التداخل بين «الناس» ممّن لم يصطفّوا وراء حزب او زعيم او إقطاعي وبين العونيين «فهو أمر طبيعي ومتوقع». ربما يشكّل روكز اليوم، عن قصد او غير قصد، البيئة الحاضنة لهؤلاء، إضافة الى ميله الواضح لاستقطاب الطاقات التي لم تجد نفسها في الاحزاب.
واضح ان الرجل لم يعد يؤمن بالحالات الحزبية. لسخريات القدر بأنه في اللحظة التي انضمّ فيها البرتقاليون الى قطار الاحزاب التقليدية والتي تعاني القاعدة فيها من احتكار القرار والتفرّد وعقلية المحسوبيات، صار هناك من يتحدّث عن «تيار شامل روكز».
مؤيّدو الاخير يقولونها علنا «لا يفكّر الضابط المتقاعد من السلك العسكري بإنشاء حزب. تجربة الاحزاب فاشلة. تسحره تجربة الشمعونية والشهابية… هنا التفاعل اكبر مع الارض والناس وهواجسها وهمومها من دون ثوب حزبي قد يشلّ القدرة على الانتاج والتطوير وتوسيع المدّ الشعبي لأفكار متمرّدة على الواقع السائد».
هل نحن أمام «حالة روكزية»؟ «لمّ لا»؟
لا يعلنها شامل روكز اليوم بشكل رسمي، لكنه بالتأكيد مرشح للانتخابات النيابية المقبلة عن قضاء كسروان، عن مقعد ميشال عون تحديدا، كما يؤكّد المحيطون به. لن يكون إلا جزءا من لائحة «تشبهه». لا قرار «روكزيا» نهائيا قبل وضوح وجهة قانون الانتخاب. مع «قانون الستين» شيء ومع قانون مختلط او نسبي بالكامل شيء آخر. بالتأكيد هو رأس اللائحة وليس تكملة عدد. علاقاته تزداد متانة وتوسعا مع القوى والشخصيات السياسية، ولا يترك لردّات الفعل ان تأخذ مكانها في ادائه. الدليل قوله لمنصور البون بعد رئاسة اتحاد كسروان «ما في زعل بيننا».
لكن حركته لن تكون فقط كسروانية. راصدو الرجل يعترفون بأنه لن ينضبط تحت سقف القضاء المسيحي فقط. هكذا قد نجد مرشّحين مدعومين من روكز في أقضية أخرى.
بالمختصر لا يريد ان يدخل البرلمان بمقعد نيابي يتيم مع اعضاء اللائحة لان الهدف هو «المشروع» وليس المقعد. لكن هل سيشكّل هذا الامر عنوان مواجهة مع مرشّحي «التيار»؟ العارفون يقولون «الامور تحلّ في وقتها. ولننتظر قانون الانتخاب».
يوم صعد سمير جعجع الى معراب رأى «الروكزيون» في الزيارة أنها «إبرة في العضل العوني». ويوم صعد ميشال عون الى معراب توجّس هؤلاء من اتفاق قد لا يُربّح جنرال الرابية في السياسة والتحالفات شيئا باستثناء طيّ صفحة الحرب، وهو أمر طبعا مطلوب وطنيا.
لاحقا، اثبتت التطورات صحّة هذه الهواجس. الاتفاق الذي عزّز الصراع مع «تيار المستقبل» واستنفر المسيحيون ضدّه، وخلق نقزة لدى الشيعة لم يصرف مثلا في الانتخابات البلدية سوى خيبات.
في الحدث وجونية ورئاسة اتحاد بلديات كسروان… اين كانت «القوات»؟، يسأل «الروكزيون». وحتّى في زحلة، ماذا جنى العونيون من التحالف مع «القوات» الذي ثبّت الخصومة مع آل سكاف وفتوش. الم يكن الفوز مضمونا مع ميريام سكاف. وماذا سيفعل «التيار» في الانتخابات النيابية المقبلة في زحلة بعد المواجهة البلدية مع زعامات المدينة؟ ما مصلحة «التيار» بهذا الكمّ من الخصومة مع الاخرين؟
إن انتخب روكز نائبا او قادته السياسة الى مواقع أخرى، لن ينطق بكلمة قبل أن يكون جاهزا ومتسلّحا بمقاربات وردود على كل شيء.
يبدأ اهتمامه بالجلوس مع اختصاصيين في مجلس الانماء والاعمار لفهم أكبر للمشروع الذي أقرّه مجلس الوزراء مؤخرا حول اوتوستراد جونية، والذي يصفه روكز باوتوستراد الشمال، وسلبياته وايجابياته وحلوله البديلة، مرورا بعقد حلقات نقاش مع بيئيين بخصوص سدّ جنة، ولا ينتهي بملف النفط والغاز والمتابعات الاقليمية والدولية والسياسية الداخلية.
هو لا يزال على رأيه اليوم، لا بل أكثر عنادا بشأن رفض التمديد لقائد الجيش. المقرّبون منه ينقلون عنه كلاما صريحا مفاده «التمديد هو إهانة لكل ضابط في الجيش، ويضرب الهيكلية ومعنويات العسكر. والتذرّع بالظروف السياسية غير منطقي»، متسائلا «كم قائد للجيش تغيّر في سوريا منذ الازمة حتى الآن؟».
وروكز، كما ينقل عنه، كان يحمل مشروعا لتطوير الجيش يرتكز بشكل أساسي على تصغير عديده والاتيان بالنخب خصوصا لناحية استخدام الاسلحة التكنولوجية الحديثة، مقترحا «تعديل القانون كي لا تتعدى ولاية أي رئيس جهاز أمني ثلاث سنوات»، متسائلا في الوقت عينه «ما الذي فعله العماد جان قهوجي طوال الاربع سنوات غير تحضير نفسه لرئاسة الجمهورية، وما الذي فعله بخصوص مواجهة الارهاب ولم يستطع اي ضابط آخر فعله؟».