كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
لا يزال ملف الانترنت غير الشرعي يقاوم “فيروس” الوقت وأشباح “المغارة”، برغم ان كثيرين كانوا يفترضون أن مناعته السياسية والقضائية أضعف من أن تسمح له بالصمود طويلا.
وبعدما غاب هذا الملف عن التداول لأسابيع، عاد الى الضوء من بوابة لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، لتتكشف مع نهاية جلستها، أمس، وقائع إضافية في هذه القضية، المتشعبة الأبعاد والشبهات، والتي يقدّر مطلعون أنها رتّبت على الدولة خلال عامين ونيف هدراً مالياً، يقارب مبلغ النصف مليار دولار!
هو الاجتماع التاسع للجنة الاتصالات. صحيح أن اكتمال “فترة الحمل” لم يكن كافيا بعد لتضع “مولودها”، لكن ما تجمّع لديها من تفاصيل حول “العالم السري” للانترنت، يمكن أن يقود لاحقا الى “توائم” من الحقائق، إذا ساعدتها “لياقتها البدنية” في مواصلة السباق مع الزمن و “المتضررين” حتى خط النهاية، وإذا ثابر القضاء على مواصلة التحقيق في خفايا الفضيحة وصولا الى كشف الحقيقة، مهما تعددت رؤوس المتورطين أو.. كبرت.
ويمكن القول إن حصيلة جلسة أمس تقود الى الاستنتاج أن اللجنة مستمرة في مغامرتها، وان الاجهزة القضائية المعنية تتابع تقفي أثر المتورطين وإن يكن بوتيرة بطيئة، وذلك بناء على المؤشرات الآتية:
ـ قرار مدعي عام التمييز سمير حمود بملاحقة عناصر وضباط قوى الأمن الذين كانوا موجودين في مناطق تركيب أجهزة الانترنت غير الشرعي.
ـ ختم التحقيق في جرم إدخال المعدات الى لبنان بطريقة مريبة ومشبوهة، والادعاء على المشتبه فيهم.
ـ سلوك فضيحة التخابر الدولي غير الشرعي القناة القضائية بعد الدعوى التي رفعتها هيئة القضايا في وزارة العدل. وفي هذه النقطة تحديدا، قرر رئيس لجنة الاتصالات حسن فضل الله دعوة وزير المال علي حسن خليل ورئيس هيئة القضايا إلى جلسة مخصصة لمناقشة حجم الهدر في المالية العامة وحجم الخسارة التي لحقت بخزينة الدولة، بسبب الانترنت غير الشرعي والتخابر غير الشرعي.
ـ وضع اليد على ملف بيع الانترنت لشركتي الخلوي بكلفة باهظة خلافا للسعر الرسمي المفترض، وسط تساؤلات تساور أعضاء اللجنة والقضاء حول دور هيئة “أوجيرو” في هذا المجال ومدى صحة ما يقال في شأن امتناعها عن تزويد الشركتين بالانترنت (إي وان) لتفسح المجال أمام وكلاء حصريين لها كي يتحكموا بالسوق ويحققوا أرباحا طائلة، بالنظر الى الفارق الهائل بين سعر المبيع والقيمة التي يسددونها لـ”أوجيرو”. وعلم أن وزير الاتصالات بطرس حرب الذي شارك في جلسة أمس قرر إجراء تحقيق داخلي في الوزارة حول هذا الأمر، بالتزامن مع التحقيق القضائي.
وفي انتظار تجميع الأجزاء المبعثرة لـ”بازل” الحقيقة، فنّد مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود الدور الذي يؤديه القضاء، كاشفا عن أنه سيدّعي بجرم الإهمال على العناصر الامنية التي كانت في الخدمة ضمن المناطق التي جرى فيها تركيب معدات الانترنت غير الشرعي.
وأوضح حمود لـ “السفير” ان المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص كان قد رفض إعطاء الإذن بملاحقة هذه العناصر استنادا الى انه ليس من مهام القوى الامنية، برأيه، التدقيق في طبيعة الأجهزة التي تم تركيبها وما إذا كانت مرخصة ام لا، “لكنني استخدمت حقي القانوني في منح إذن الملاحقة لقناعتي بأن مسألة مراقبة تركيب المعدات ومد الكابلات تندرج ضمن واجبات قوى الامن، وبأن إهمالا حصل من قبلها على هذا الصعيد”.
وأشار الى أن هناك ادعاء حتى الآن على أكثر من 20 شخصا في ملف الانترنت غير الشرعي، من بينهم ثمانية موقوفين، معلنا عن ان المهلة التي تفصل عن موعد انعقاد الجلسة المقبلة للجنة الإعلام والاتصالات (17 آب المقبل) ليست كافية لاكتمال الصورة ولإنجاز التحقيقات في المسارات القضائية كافة، لأن المدعى عليهم يستهلكون في هذه المرحلة كل الإجراءات التي يمنحها لهم القانون، من دفوع شكلية وغيرها.
وكشف أن القضاء ادعى على ثلاثة من كبار موظفي “أوجيرو”، موضحا ان قاضي التحقيق في بيروت فادي عنيسي يتولى التحقيق معهم، ولافتا الانتباه الى ان المدعى عليهم يستعملون حقوقهم الدفاعية للمماطلة في المسار القضائي.
وأفاد حمود الذي شارك مع قضاة آخرين في جلسة لجنة الاتصالات، أن قاضي التحقيق في جبل لبنان رامي عبدالله شكل لجنة خبراء للكشف على المعدات التي جرى ضبطها وللتدقيق في ظروف تفكيكها من قبل موظفي “أوجيرو” قبل تفحصها، ومن دون تنظيم محضر وفق الأصول، مشيرا الى أن اللجنة ستتولى التثبت مما إذا كانت تلك المعدات تحفظ “داتا” معينة تتصل بالمصادر التي كان يُستجر منها الانترنت ام انها مجرد وسيلة للاستجرار.
وأشار الى ان قضية التخابر غير الشرعي أصبحت أمام المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، بعد الشكوى التي تقدمت بها هيئة القضايا في وزارة العدل بناء على طلب الوزير بطرس حرب، مؤكدا ان مكتب مكافحة الجرائم المالية يتولى التحقيق في هذه القضية.
وأكد حمود الإصرار على المضي في التحقيقات حتى النهاية، ولو استغرقت بعض الوقت، مؤكدا أنه لن يتم الرضوخ لأي مراجعات أو مداخلات، من أي جهة أتت، “ونحن محصّنون ضد الضغوط والتدخلات على أنواعها”. وأضاف: لسنا بصدد لفلفة ملف الانترنت بتاتا، لكننا في الوقت ذاته سنكون حريصين على أن نؤدي عملنا جيداً، كي نرفع الى المحكمة ملفاً متيناً ومسنداً بالأدلة الكافية التي تثبت تورط المشتبه فيهم.
الى ذلك، نجت خزينة الدولة من “كمين مالي” كان سيتسبب بهدر إضافي في مواردها الشحيحة أصلا، بعدما أفضت المناقصة المُعادة لتلزيم مطمر “الكوستابرافا” الى فوز شركة جهاد العرب وفق عرض مالي بقيمة 59.7 مليون دولار، “أي بتخفيض حوالي 16 في المئة عن المناقصة الاولى التي كانت قد ربحتها الشركة ذاتها، ثم ألغيت بعدما تبين أن هناك فارقا كبيرا بين أرقام العرض السابق الذي قدمه العرب وأرقام كلفة تلزيم مطمر برج حمود، ما أحرج العديد من الجهات السياسية، وأحدث فضيحة هزت مجلس الإنماء والإعمار الذي قرر معاودة المناقصة” حسب مصدر وزاري معني.
والمفارقة، أن العرب كان قد بدأ العمل في “الكوستابرافا”، قبل أن يتم توقيع العقد معه رسميا، وبالتالي فهو كان قد أنفق – وفق المصدر الوزاري – أكثر من خمسة ملايين دولار في ورشة تجهيز مكان المطمر حين فوجئ بإلغاء المناقصة الاولى، ما وضعه “تحت ضغط الخشية من خسارة مالية فادحة إذا آلت الطبعة الثانية من المناقصة الى شركة أخرى، وبالتالي، كان مضطرا الى تحفيض أسعار عرضه الجديد، حتى يستمر في العمل” على حد تعبير المصدر الوزاري.
وإذا كان تصحيح الخطأ في مناقصة واحدة تتعلق بالنفايات قد وفّر على الدولة مبلغا يزيد عن 10 ملايين دولار، فكم خطأً مكلفاً ارتُكب في ملفات أخرى بقيت طي الكتمان، وكم من الصفقات والفضائح كان سيتكشف لو تقرر إجراء المناقصات من جديد على مستوى الكثير من المشاريع المنفذة أو التي هي قيد التنفيذ؟