كتب جورج بكاسيني في صحيفة “المستقبل”:
كل الكتل النيابية المشاركة في “ثلاثية الحوار” مطلع آب المقبل تجمع على الاعتقاد أن لا خرق يمكن تسجيله في هذا الحوار، لا في رئاسة الجمهورية ولا في قانون الانتخاب ولا في أي بند آخر مطروح على الطاولة. ذلك ان الاتصالات الجانبية التي جرت في الاسابيع الماضية قبل دخول الاقطاب السياسية في اجازاتهم السنوية (التي لن تنتهي الا قبل ايام معدودة من موعد الحوار العتيد)، لم تفضِ الى نتائج ملموسة يمكن البناء عليها في جلسات الحوار.
فرغم ما شاع من انباء عن “انفراج” في الملف الرئاسي في الاسابيع الماضية، والتي بلغت حد تحديد مواعيد لهذا الاستحقاق، تبين انها كانت مجرد “أضغاث أحلام” وانها غير مبنية على اساس حقيقي او متين، ما يشي بأن جلسات آب لن تشهد مفاجأة في هذا الملف.
اما في قانون الانتخاب، ورغم الحديث عن امكانية تقريب المسافات بين الاقتراح المختلط المقترح من تيار “المستقبل” و”القوات اللبنانية” والحزب “التقدمي الاشتراكي” وبين اقتراح الرئيس نبيه بري، لم يسجل اي تقدم ملموس في هذا الملف، حتى ان اللجان النيابية المشتركة القادرة على ترجمة هذه النية تجنبت الغوص في مخرج لهذه العقدة في اجتماعها الاخير وأحالت الملف الى طاولة الحوار العتيدة، من دون ان يتابع هذا الملف في مشاورات جانبية حتى اليوم.
معنى ذلك ان ثلاثية الحوار العتيدة ينتظرها مصير مجهول معلوم وهو تأجيل البت بهذين الملفين اللذين تتوقف على عدم انجازهما تبعات اكثر خطورة من الفراغ السائد حالياً، برأي قطب نيابي مشارك في الحوار، اهمها تفاقم حال الفراغ.
كيف؟
ببساطة، يجيب القطب، ان البلاد دخلت في اجازة طويلة لن تنتهي قبل نهاية الصيف في ظل غياب اي افق لتسوية داخلية او اقليمية، لتنطلق مع بداية الخريف مرحلة الاستعداد للانتخابات النيابية التي لن يكون متاحاً هذه المرة عدم اجرائها في حسابات كل المكونات السياسية، بصرف النظر عما اذا جرت على اساس قانون الستين او اي قانون آخر.
ومع انهماك القوى السياسية بالانتخابات النيابية، يصبح من المستحيل على العديد من هذه القوى الالتفات الى الاستحقاق الرئاسي، او السعي الى تسوية في هذا الملف، خصوصا ان السقوف السياسية تكون مرتفعة في الاستحقاق النيابي. وبذلك تبقى الحال على هذا المنوال حتى موعد الانتخابات حيث يتناوب اللبنانيون، ومعهم الخارج، على الإشادة بالانتخابات وبإجرائها رغم الظروف الصعبة المحيطة بلبنان.
لكن بعد اتمام هذا الاستحقاق، يضيف القطب، “تذهب السكرة وتأتي الفكرة”، حيث يتقاطر النواب المنتخبون الى ساحة النجمة وينتخبون رئيساً للمجلس النيابي من دون ان ينتخبوا رئيساً للجمهورية، فيما تكون الحكومة قد اصبحت “مستقيلة” بحكم الدستور، وبالتالي تتحول حكومة تصريف اعمال غير قادرة على مواجهة القضايا الاساسية والملحة.
على ان الأخطر من ذلك يبقى عدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة تتطلب وفق احكام الدستور اجراء استشارات نيابية “ملزمة” يجريها رئيس الجمهورية غير المنتخب حتى الآن.
فكيف يمكن مواجهة هذا السيناريو الذي ينقل البلاد الى مرحلة اكثر خطورة من المرحلة الحالية؟
بالاتفاق السياسي، يجيب القطب، موضحاً ان لا حل متاحاً لهذه المعضلة الا بتوافق الاطراف على انتخاب رئيس للجمهورية، مقروناً بتوافق حول ملفات اخرى بحيث يمكن طمأنة كل الاطراف. وان هذا الاتفاق يحتاج الى ارادة سياسية قادرة على احتساب الكلفة لجهة الفارق بين استمرار الفراغ وبين اي اتفاق سياسي. والا سيكون اللبنانيون امام فراغ أكبر وأخطر على مستوى السلطة التنفيذية كاملة.. وهناك “البكاء وصريف الأسنان”.