كتبت البروفسورة غريتا صعب في صحيفة “الجمهورية”:
لوحظ أخيرا تناقض صارخ في آراء الاقتصاديين وتوقعاتهم للخطوات التي قد يقوم بها الفيدرالي الأميركي في ما يختصّ بأسعار الفوائد في ظل فتور في النمو العالمي واسواق مالية تبدو مضطربة وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبيعادة ما يقوم الفيدرالي الاميركي بتحريك أسعار الفوائد بعد دراسة متقنة لمؤشرات اقتصادية باتت معروفة سيما البطالة وسوق العمل والوظائف، كذلك نسب التضخّم. وقد أعلن روب مارتن كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك بركليز انه من المتوقع ان ترفع اسعار الفوائد في ايلول المقبل اذا ما كانت مؤشرات اسواق العمل ايجابية، و اذا ما لاحظنا انتعاشا في التوظيف وحصلنا على نحو ١٥٠،٠٠٠ وظيفة جديدة شهريا.
هذا مع العلم ان تقرير الوظائف في ايار قد أحبط صنّاع السوق والاقتصاديين ووفر فقط ٣٨ الف وظيفة مما أدّى الى التشدّد في اتخاذ اي قرار في هذا الاتجاه، وكان سببا لابقاء اسعار الفوائد على حالها الشهر الماضي.
كذلك فان أحدث البيانات عن الاقتصاد الاميركي وظروف سوق العمل والتضخم تجعل من الصعب ان نفهم لماذا هذا التأخير من قبل الاحتياطي الفيدرالي لعملية انخفاض اسعار الفوائد على الاموال الفيدرالية (سعر الفائدة هو العنصر الوحيد الذي يخضع لسيطرة مباشرة) كذلك عملية تطبيع القاعدة النقدية (M0) .
ولايضاح ذلك يجري استعراض سريع للمتغيرات التي تقرّر سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي:
-اخر ارقام الربع الاول من السنة الحالية عكست نموا في الناتج ضعف ما كان متوقعا، وجاء ١،١ بالمائة عن الربع الاول من السنة الماضية مما يعني ورغم ضعف الرقم زيادة في قدرات أميركا.
– آخر أرقام سوق العمل تعكس زيادة حادة في انتاج صناعات قطاع الخدمات وهي تمثل حوالي ٩٠ بالمائة من الاقتصاد والعامل الابرز في خلق الوظائف.
-على الرغم من الانخفاض الملحوظ في اسعار الطاقة فان معدل تضخم اسعار المستهلك حاليا هي ٢،٢ بالمائة وبلغ مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي نسبة ١،٦ بالمائة . هذه المؤشرات تعطينا فكرة عن ان اهداف الفيدرالي الوصول الى ٢ بالمئة تضخم قد حصلت في الواقع.
لذلك، تفيد الأدلة الراهنة بأن نمو الاقتصاد الاميركي وسوق العمل وظروف تضخم الاسعار تشير الى ان الخطوات التالية ستكون حتما ارتفاع اسعار الفوائد. مما يبعث الحيرة حول تباطؤ مجلس الاحتياطي الفيدرالي في رفع اسعار الفوائد وتركها على حالها.
ورغم مبررات الـ Brexit والتباطؤ العالمي فان الفيدرالي الاميركي تحكمه مؤشرات اقتصادية داخلية كافية للقيام بخطوة قد تكون حسب بعضهم ضرورية سيما وان الانتظار والتباطؤ يعتبر خطرا ونتيجته عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي.
كما أن الحفاظ على الاستقرار في الاسواق المالية لا ينبغي ان يكون وحده هدفا صريحا لمجلس الاحتياطي الفيدرالي وعليه، ينبغي استخدام اسعار الفوائد لتجنّب أزمة في حال ادوات اخرى مناسبة قد تفشل.
وربما كان تأخُّر الفيدرالي في رفع اسعار الفوائد، كما ينتظر العديد من المحللين، مرتبطا الى حد بعيد باستعداد الاقتصاد الاميركي لمواجهة المزيد من الزيادات في اسعار الفوائد، كذلك مرتبطا ايضا بالشركات واستعدادها لزيادة تكاليف الاقتراض. وماذا يعني ارتفاع اسعار الفوائد للمستهلكين.
كلها امور وجب وضعها نصب أعينهم قبل اتخاذ اي قرار قد يسيء الى حد بعيد في مدى تقدّم الاقتصاد الاميركي وقدرته على استيعاب الأزمة المالية العالمية سيما وان عبء الديون الاسرية منذ الأزمة وصلت الى نسبة ١١٤ بالمائة في صافي الدخل العام الماضي. ووفقا لاحصاءات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي فان المستهلكين هم افضل استعدادا لمواجهة ارتفاع تكاليف الاقتراض.
يبقى الأهم من هذا هي اسواق العملات التي ما زالت متقلبة والكثير من المحللين ومديري الصناديق تتوقع تواصل ارتفاع الدولار في السنوات المقبلة. وقد جاء رد الفعل البريطاني ليثبت ذلك سيما وان المملكة المتحدة تتابع الموقف الأميركي في رفع اسعار الفوائد رغم انه ليست هنالك آلية تلقائية او صلة رسمية بين اسعار الفائدة الاميركية والبريطانية.
اما بالنسبة لرد الفعل العالمي فالسؤال يطرح نفسه ما اذا كانت المصارف المركزية الرئيسية في العالم تفكر في رفع اسعار الفائدة والجواب مبدئيا لا، في ظل الضعف الذي طال أمده في اسعار النفط والذي يلقي بظلاله على التضخم ويبقيه منخفضا، كذلك العديد من المصارف المركزية العالمية في الدول الغنية قد تستمر في سياسة التيسير الكمي كما في اوروبا واليابان وتمضي في اسعار فائدة سلبية .
كذلك في الصين، حيث ان البنك المركزي قد يخفض اسعار الفوائد من اجل تحفيز النمو بينما يبدو الوضع مختلفا في ما يتعلق بالاسواق الناشئة، ورفع الفيدرالي لفوائده قد يثير اضطرابات في جميع انحاء افريقيا واسيا واميركا اللاتينية، وقد تختار هذه البلدان خفض معدلات الفوائد لمساعدة الاقتصاد او زيادتها في محاولة لثني المستثمرين عن الهروب بأموالهم الى الخارج.
لذلك فان اي رفع اضافي للفوائد الاميركية سوف يؤدي الى تفاقم اضطراب العملات في الاسواق الناشئة ويساعد في تعجيل نشوب أزمة مالية فيها. لذلك نرى الفيدرالي قد فعل كل ما في وسعه من اجل اصلاح الاقتصاد الاميركي، ولا بد له الآن من ان يتحرّك نحو اسعار الفوائد، لذلك قد يكون قام بدوره وعليه وقف الدوران وايلاء المؤشرات المتتابعة اهمية زائدة.
انما يبقى ان الاقتصاد الاميركي والاحتياطي الفيدرالي يتحركان في كوكب منعزل وبصرف النظر عن تبعات هذه التحركات على الاقتصاد العالمي، وهذا رأيناه منذ الأزمة المالية ولغاية الآن. لذلك، لن تكون الـ Brexit او النمو الاوروبي او الاسواق الناشئة سوى حجج في انتظار تبلور الصورة اكثر والمشي بخطى ثابتة نحو رفع اسعار الفوائد. وقد لا يتم هذا قبل عيد الميلاد المقبل او مطلع العام ٢٠١٧.