كتب البروفسور جاسم عجاقة في صحيفة “الجمهورية”:
مع غياب الموازنة منذ أكثر من عشر سنوات وتسجيلها لعجزٍ مُزمن، زاد الدين العام بشكلٍ أصبحت معه الإيرادات تُغطّي فقط بندين من بنود الموازنة. وبالتالي يُطرح السؤال عن هذه الإيرادات وكيفية زيادتها لتسمح بلجم الدين العام.إيرادات الدولة ومداخيلها هي جزء أساسي من اللعبة الاقتصادية، وتُكوّن مؤشرا مهما للمستثمرين الراغبين في الإستثمار في البلد المعني. ان عدم وجود إيرادات كافية يعني بكل بساطة زيادة في العجز وبالتالي تراجع للعملة الوطنية مع تراجع الإستثمارات والإيرادات نظراً للترابط الكبير بين النشاط الاقتصادي وإيرادات الدولة.
بحسب النظرية الاقتصادية، تنقسم مداخيل الدولة إلى ثلاثة أقسام: الإيرادات الضريبية، الإيرادات غير الضريبية، والإيرادات الإستثمارية. وتأتي الإيرادات الضريبية في لبنان في المرتبة الأولى مع ٧١.٦٪ من مجمل إيرادات الموازنة في العام ٢٠١٥ (إقتصاد لا يمتلك ثروات طبيعية)، ثم تأتي الايرادات غير الضريبية مع ٢٣.٨٪ إيرادات الموازنة.
أما الإيرادات الإستثمارية فهي ضئيلة جداً نسبة لمجمل الإيرادات. الجدير بالذكر أن دولة قطر تتوقع أن تكون ١٠٠٪ من الموازنة مؤمنة من الإيرادات الإستثمارية لصندوقها السيادي في العام ٢٠٢٠!
تفاصيل الإيرادات الضريبية تُظهر أن الرسوم الداخلية على السلع والخدمات والتي بلغت ٣٧١٧ مليار ليرة في العام ٢٠١٥ (٨٥٪ فقط للضريبة على القيمة المضافة والتي تُشكل المصدر الأول للدخل للدولة اللبنانية) مقارنة بـ ٣٨١١ مليار ليرة في العام ٢٠١٤ أي بتراجع ٢.٥٪.
أما الضريبة على الدخل والأرباح ورؤوس الأموال (ضريبة الدخل على الأرباح، ضريبة الدخل على الرواتب و الأجور، ضرائب دخل على رؤوس الأموال المنقولة، وضريبة الدخل على الفوائد لدى المصارف 5 بالمئة) فتأتي في المرتبة الثانية مع ٢٨٨٧ مليار ليرة في العام ٢٠١٥ مقارنة بـ ٢٧٩٥ مليار ليرة لبنانية في العام ٢٠١٤.
وتأتي ضريبة الدخل على الأرباح في طليعة المصادر التي تُغذي هذا البند يليها ضريبة الدخل على الفوائد لدى المصارف ثم ضريبة الدخل على الرواتب والأجور، وضرائب الدخل على رؤوس الأموال المنقولة .
أما المرتبة الثالثة، فيحتلها البند «رسوم على التجارة والمبادلات الدولية» والذي بلغ ٢٠٦٤ مليار ليرة لبنانية في العام ٢٠١٥ مقارنة بـ ٢٠٤٢ مليار ليرة في العام ٢٠١٤.
المرتبة الرابعة هي من نصيب الضريبة على الأملاك مع ١١٧٩ مليار ليرة في العام ٢٠١٥ مقارنة بـ ١٢٤٥ مليار ليرة في العام ٢٠١٤.
أما المرتبة الأخيرة في الإيرادات الضربية فهي من نصيب الإيرادات الضريبية الأخرى كرسوم الطابع المالي وغيرها والتي إنخفضت من ٤٩٥ مليار ليرة في العام ٢٠١٤ إلى ٤٨٣ مليار ليرة في العام ٢٠١٥ أي بتراجع ٢.٤٪.
الإيرادات غير الضريبية تُشكل ٣٣٠٥ مليار ليرة في العام ٢٠١٥ مقارنة بـ ٤٣٥٤ مليار في العام ٢٠١٤ أي بتراجع ٢٤٪ ومن أهم مصادر هذه الضريبة هناك حاصلات إدارات و مؤسسات عامة / أملاك الدولة (وفر موازنة الإتصالات،كازينو لبنان، المرفأ…) والتي سجّلت تراجعا بنسبة ٣٤٪. يليها الرسوم والعائدات الإدارية والمبيعات (رسوم السوق، رسوم الأمن العام…) مع ٧٩٣ مليار ليرة في العام ٢٠١٥ وفي المرتبة الأخيرة الغرامات و الإيرادات غير الضريبية الأخرى (حسومات تقاعدية…) مع ١٩٩ مليار ليرة لبنانية في العام ٢٠١٥.
تشير بيانات وزارة المال الى أن إيرادات الخزينة المُحققة بلغت ٨٠٠ مليار ليرة في العام ٢٠١٥ مقارنة بـ ١٦٥٨ مليار ليرة في العام ٢٠١٤ أي بنسبة تراجع تصل إلى النصف!
تحليل هذه الأرقام يوصلنا إلى نتائج تعيسة:
أولاً: هناك تراجع لضريبة الدخل على الأرباح مما يعني أن النشاط الاقتصادي تراجع وبالتالي تراجعت أرباح الشركات ومعها أرباح الدولة.
ثانياً: تراجعت الضريبة على القيمة المضافة من ٣٣٠٢ مليار ليرة إلى ٣١٥٩ مليار ليرة (٢٠١٤ إلى ٢٠١٥) وهذا يعني أن الإستهلاك تراجع مما يدفع الى الإعتقاد أن الدخل الفردي للبناني تراجع جراء تراجع الوضع الاقتصادي.
ثالثاً: تراجع كبير في حاصلات إدارات ومؤسسات عامة أملاك الدولة وهذا قد يأتي نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي الذي يتطلب خدمات من الدولة أو أن الفساد إزداد لدرجة لم تعد كل مُستحقات الدولة تصل إلى الخزينة.
رابعا: تراجعت الضرائب غير المتكررة على الأملاك بين العامين ٢٠١٤ و٢٠١٥ بما يعني تراجع القطاع العقاري.
هذه النتائج تعني بكل بساطة أن الدولة اللبنانية ومع تراجع إيراداتها بنسبة ١٢٪ بين العامين ٢٠١٤ و٢٠١٥ من ١٦٤٠٠ مليار ليرة إلى ١٤٤٣٥ مليار ليرة، دخلت مرحلة حرجة مع بدء إتساع الهوة بين الإيرادات والإنفاق الذي تخطّى الـ ٢٠٠٠٠ مليار ليرة في العام ٢٠١٥ ليُصبح العجز المُسجل رسمياً يفوق الـ ٦٠٠٠ مليار ليرة لبنانية.
هذا الإتساع في الهوة سيتعاظم أكثر في الشهور والسنين القادمة خصوصاً أن ديناميكية الدين العام تدفع بالإنفاق إلى إتخاذ منحى تضخمي مع تراجع النمو الاقتصادي مقابل معدل الفوائد على الدين العام.
وبالتالي، من واجب الحكومة الحالية أن تقوم ببعض الخطوات الأساسية التي تسمح لها بزيادة مداخيلها. هذه المداخيل تأتي بالدرجة الأولى من النشاط الاقتصادي وبالتالي يتوجب على الحكومة تحفيز هذا النشاط عبر تحفيز الإستثمارات التي يُعدّ قانون الشراكة بين القطاع الخاص والعام المدخل الأساسي لتحفيزها.
أيضاً يتوجب على الحكومة خلق ديناميكية أكبر في ما يخص القطاع العقاري وذلك نظراً إلى أهمية الضرائب في هذا القطاع والتي تُشكل عامودا أساسيا في مداخيل الدولة. كما أن تعرّض المصارف اللبنانية للقطاع العقاري (١٧٪ من قروض المصارف إلى القطاع الخاص هي للقطاع العقاري) يُلزم مصرف لبنان القيام ببعض الخطوات لإنعاش هذا القطاع.
الأمر الذي يتوجب على الحكومة العمل عليه هو محاربة الفساد والذي أصبح يضر بشكل جدي ومباشر بخزينة الدولة وإيراداتها كما تُظهر الأرقام. من هذا المُنطلق، يتوجب على الحكومة إرسال مشروع قانون يستهدف مباشرة الفساد ويُحفّز محاربته. هذا الأمر وحده وبحسابات تقديرية من الأرقام السابقة الذكر، يوصلنا إلى نمو الإيرادات بما لا يقل عن ٣٠ إلى ٤٠٪.