كتب عبدالله بارودي في صحيفة “الجمهورية”:
لا يمكن النظر الى قضية إحراق صورة النائب سمير الجسر في طرابلس، ونشر فيديو مصوّر عبر شبكات التواصل الاجتماعي يظهر مجموعة من الشبان «يدعسون» على الصورة قبل اتمام عملية الإحراق، بأنها مجرد رسالة سياسية محلية فقط هدفها ضرب الجسر في مدينته وبين جمهوره.وعلى هذا الأساس، مَن يريد تقديم تحليل واقعي ومقنع عما حصل في طرابلس، عليه الاجابة بكلّ بساطة على التساؤلين الآتيين:
ما هي دلالات احراق صورة سمير الجسر؟ ولماذا الجسر بالذات؟
من الواضح، أنّ حركة الجسر في الأسابيع القليلة الماضية على المستوى الشعبي والالتفات بشكل مكثف الى مطالب أبناء المدينة الحياتية، وتحديداً في التبانة والقبة والمناطق الشعبية، والاطلالات الاعلامية المتكرّرة، أزعجت البعض، وأكدت لهم بأنّ الرئيس سعد الحريري لم يكن «يمزح» حين أشار في زيارته الأخيرة الى طرابلس بأنّ علاقة جديدة ستولد مع الطرابلسيين مبنيّة أساساً على التواصل المباشر معهم والوقوف على احتياجاتهم الاجتماعية والانمائية والحياتية إن كان عبره مباشرة، أو من خلال قيادات مستقبلية في المناطق تمثل الحالة الحريرية الواقعية والفعلية، ودون تحوير أو تحريف.
فانبرى الجسر لهذه المهمة سريعاً في طرابلس، ونجح خلال أيام قليلة في إظهار حنكة سياسية، فعمل مباشرة على وضع خطة متكاملة بالتعاون مع منسّقية طرابلس لإعادة تصويب الأمور في «المستقبل» محلياً بأسرع وقت ممكن، وقام بتصويب وتصحيح مساره السابق بعدم إظهار ما يقوم به على مختلف المستويات التشريعية والشعبية عبر الاعلام.
فالناس في زحمة مواقع التواصل الاجتماعي المتنوّعة، اضافة الى الاعلام التقليدي، يريدون أن يعلموا كلّ حركة وكلّ خطوة أو نشاط يقوم به السياسي.
كلّ هذه المعطيات، ولّدت قناعة لدى مَن عمل على مسار الانتخابات البلدية، ونجح في وضع قطارها على سكة معيّنة، لإثبات تغيّر المزاج الشعبي في المدينة، بأنّ الأمور تتّجه مجدّداً للخروج عن سيطرته، وبأنّ المدينة تثبت مرة أخرى واقعها السياسي الطبيعي!..
ما جرى، كشف أهداف المرحلة السياسية التي عاشتها العاصمة الثانية طوال الأشهر القليلة الماضية، والتي أراد «المايسترو» استمرارها لحين اجراء الانتخابات النيابية ربيع العام المقبل، لتولد معها طرابلس التي تتلاءم مع أهدافهم وتتطلعاتهم ومشروعهم.
وفي هذا الإطار، تشير اوساط طرابلسية الى أنّ «المطلوب هو ضرب الاعتدال في طرابلس، وضرب مشروع العيش الواحد بين ابناء المدينة، وقطع أيّ طريق أو جسور تواصل بين الطرابلسيين وأبناء المناطق المجاورة. اضافة الى إسكات الخطاب الهادئ والوازن والرصين، ومحاصرة أهل الحكمة والكفاءة والنزاهة».
وتضيف المصادر: «المطلوب اليوم، إنهاء ما يُسمى مشروع رفيق الحريري السياسي وكل مَن يمثل هذا المشروع، الذي ولد أساساً على مفاهيم الاعتدال والسلم الأهلي والوحدة الوطنية والتعايش الاسلامي المسيحي».
في مقابل كلّ ذلك، ما يُعمل عليه فعلاً، إعلان ونشر مفاهيم معاكسة ترتكز على العنف وخطابات الفتنة والتقوقع والتزمّت والجهل، واطلاق الشعارات الطائفية والمذهبية الرنانة التي تحمّس الجمهور وتجعله بضاعة مطواعة بين أياديهم ينقلونها من حال الى حال وفق أهوائهم ومخططاتهم..
من هنا، تصبح الاجابة على السؤال الثاني في غاية السهولة. فطالما أنّ الأهداف الحقيقية من وراء هذه التمثيلية هو ضرب مفهوم الاعتدال في المدينة من خلال انهاء الحالة الحريرية الفعلية فيها، فيصبح اختيار الجسر أمراً محسوماً، وهو المشهود له بالاعتدال والهدوء والحكمة، حتى في عزّ احتدام المعارك والمواجهات السياسية بين مختلف الأفرقاء والأطراف اللبنانية.
في مطلق الأحوال، أظهر التضامن والالتفاف الشعبي حول الجسر في الساعات الماضية، مدى وعي أبناء طرابلس، وإصرارهم على التمسّك بثقافة الاعتدال، والمحافظة على مَن يمثلها حقاً!..
ثمّة مَن يقول، إنّ تساؤلات الجسر التي أطلقها في مقابلته الأخيرة مع «الجمهورية»، وصلت أجوبتها بطريقة غير اعتيادية!. ويجوز معها إيراد التساؤل الذي جاء على الحساب الخاص بمستشار الرئيس الحريري لشؤون الشمال عبد الغني كبارة عبر الفايسبوك: «ما هو المستجد على الساحة الطرابلسية، الذي يذكرنا بعهد الدكتيلو.. وأساليبه.. وأحلامه..!؟..»