لم يُنزل الملف النفطي عن الرف تجاوبا مع النصائح الغربية العديدة التي أُسديت في هذا الشأن الى المسؤولين اللبنانيين، فحسب، بل إن “الاستفاقة” الداخلية حياله في هذا التوقيت بالذات، متصلة في شكل وثيق بحسابات سياسية داخلية وفق ما تؤكد مصادر متابعة للملف لـ”المركزية”.
وفي معرض تثبيتها لنظريتها هذه، تكشف المصادر أن “حزب الله” يقف في الاساس خلف عملية إنعاش الملف. كيف؟ توضح المصادر أن الحزب اتفق مع حليفه الدائم رئيس مجلس النواب نبيه بري على ضرورة نفض الغبار عن الملف وتزخيمه في المرحلة المقبلة، قبل ان يلتفت نحو رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون، طالبا منه، عبر اتصالات دارت بين الرابية وحارة حريك بعيدا من الاضواء، تسهيل مسألة ايجاد أرضية تفاهم بين التيار الوطني الحر وحركة أمل- المختلفين في قراءة الكتاب النفطي ومسألة تلزيم البلوكات الجنوبية في شكل خاص- مقابل تعهّد من “الحزب” بمضاعفة جهوده لتعزيز موقع العماد عون في السباق الرئاسي. وعليه، لم تخذل عين التينة والرابية، حليفهما، فأبصر الاتفاق النفطي النور، وترافق مع تمنيات أطلقها جانباه بأن يتوسّع التفاهم ليصبح سياسيا أيضا، في حين تردد أن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اجتمع بناء على طلب منه، برئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيه في الضاحية الأسبوع الماضي، محاولا اقناعه بالانسحاب من الحلبة الرئاسية لصالح العماد عون، ما يحشر موقف “تيار المستقبل” وربما يدفعه الى الانتقال الى ضفة مؤيدي العماد عون، الا ان مسعاه يبدو اصطدم بتمسّك رئيس المردة بترشيحه، وقد أبلغ فرنجية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في خلوتهما أمس بنتائج زيارة الضاحية.
لكن لماذا يريد “حزب الله” اليوم إحياء ملف النفط؟ تشرح المصادر أن قانون العقوبات الاميركي لتجفيف منابع تمويل “حزب الله” مساهم كبير في قرار الحزب هذا. فتدريجيا، من المتوقّع أن تتضاعف تأثيرات هذه العقوبات في جسم “الحزب” ووقعُها سيكون ثقيلا عليه حيث سيشعر مع مرور الوقت، بحصار مالي يخنقه. انطلاقا من هنا، يسعى الحزب الى دفع القطار النفطي قدما، علّه يؤمن له، متى انطلقت عجلة التنقيب، موارد مادية ومالية تعوّض له الخسائر التي سيُمنى بها بسبب العقوبات الاميركية.
وفي قراءة لمصادر قيادية في قوى “14 آذار” أن حسابات الحزب لا تتوقف هنا، فهو يحاول ايجاد وظيفة جديدة تؤمن استمرارية سلاحه على المدى البعيد. فبعد أن بات الاخير موضع مساءلة محلية واسعة بعد حوادث 7 أيار وانتقال “حزب الله” الى القتال في سوريا وسواها من الميادين العربية، وبات محط انتقادات عربية وخليجية وغربية، يسعى حزب الله، أمام فقدانه الغطاء اللبناني والخارجي، الى خلق مظلة جديدة تحمي سلاحه عنوانها حماية الثروة النفطية من الاطماع الاسرائيلية، علما ان نصرالله ومسؤولي الحزب أثاروا هذه القضية مرارا في أكثر من مناسبة، مؤكدين ان المياه الاقليمية جزء من الدولة اللبنانية وعلينا حماية سيادتها وصد أي اعتداء عليها.
واذ ترى أن السهر على الثروة النفطية سيضاف الى مهمة محاربة الارهاب كذريعة اضافية لابقاء الحزب على سلاحه، تؤكد المصادر عبر “المركزية” انها ستتصدى لمحاولات حزب الله هذه ولن تنفك تطالب بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، رافضة وجود مكون داخلي يمتلك امتيازات تجعله متفوقا على الدولة وقادرا على فرض سياساته وقرارته على “شركائه” في الوطن، مشيرة الى ان القوى الامنية الشرعية وحدها منوطة بها مهمة حماية السيادة اللبنانية.