كتبت ريتا شرارة في صحيفة “المستقبل”:
كان يعتقد، للوهلة الاولى، أن نصاب الجلسة المشتركة للجان المال والموازنة، والادارة والعدل، والداخلية والامن والبلديات والاعلام والاتصالات لن يكتمل لمتابعة البحث في اقتراح قانون تعديل قانون الانتخاب بناء على صيغة النظام المختلط بين النسبي والاكثري، فكادت مهلة النصف ساعة الاضافية المخصصة لانتصار اكتمال النصاب تشارف الانقضاء الى أن أطلّ نواب من هنا وهناك وأكملوا العدد المطلوب للجلسة. فدخل المصورون الصحافيون الى القاعة العامة عند الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة، وأخذوا الصور اللازمة مطلقين صفارة انطلاق النواب في رحلة الالف ميل الانتخابية.
ولم يطل الانتظار أكثر من 20 دقيقة حتى بدأ النواب بالرحيل. فخرج النائب جمال الجراح مسرعاً ومنادياً أن “هناك نصاباً ولا تزال المناقشة مستمرة”. وتلاه النائب محمد قباني الذي أنبأ بـ”قرب الانتهاء انما بلا نتيجة”، ثم النائب علي بزي الذي أعلن بمرارة: “كله حكي”، فالنائب هاني قبيسي الذي لخص الاجتماع بأنه “استمرار في المناقشة”، في حين أن النائب أنطوان زهرا كان واضحاً في اجابته عن سؤال “المستقبل” له حول أجواء الاجتماع: “اسألي المهتمين”. في هذا الوقت، توجه النائب مروان فارس الى غرفة الصحافة ليدلي بتصريح يذكر فيه بضرورة تطبيق المادة 95 من الدستور (الغاء الطائفية السياسية). وقال: “منذ العام 1989، لم تشكل اللجنة ولم تلغ الطائفية السياسية التي لا يمكن الغاؤها بموجب الحال التي نحن فيها أي بموجب قوانين الانتخاب القائمة”. وبرأيه أن الغاء الطائفية يكون بـ”اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة وباعتماد النسبية مبدأ يفسح في المجال امام الجميع ليكونوا ممثلين في المجلس”. وأوضح أن كتلة الحزب “السوري القومي الاجتماعي” ستصوّت في الهيئة العامة على النسبية المطلقة والدائرة الانتخابية الواحدة “لأن في ذلك مصلحة للبنان للخروج من الازمة الطائفية”.
في هذا الوقت، ترك نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري القاعة العامة مغادراً المجلس، وأولى أمين سر اللجان النائب روبير غانم مهمة الادارة. وما هي الا دقائق معدودة حتى خرج الاخير عند الساعة الثانية عشرة والنصف متجهاً الى غرفة الصحافة، محاطاً بالنائبين أحمد فتفت وسيرج طورسركيسيان. وتلا بياناً مكتوباً ومقتضباً أوضح فيه أن الدعوة الى الاجتماع كانت وجهت الى اللجان النيابية على أساس “مناقشة اقتراح قانون تعديل قانون الانتخاب المعتمد على صيغة النظام المختلط بين الاكثري والنسبي”. وأفاد بأن اللجان النيابية “قررت ضرورة وضع نظام انتخاب جديد ومناقشة النظام المختلط لأنه يشكل أكبر مساحة مشتركة بين مختلف الكتل النيابية والتي يمكن أن تؤدي الى تفاهم لاحقاً على هذا القانون المختلط”.
أضاف: “حتى الآن لم تتوصل الى أي قرار نهائي، ولكن البحث سيستمر في الجلسات المقبلة”. وعندما سئل عن موعد تلك الجلسات اللاحقة، أجاب بأن هذا الامر “من مهمات” مكاري بالاتفاق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري: “ولذلك، نترك لهما أن يوجها الدعوة”. وعما اذا كانوا ينتظرون نتائج الحوار المقبل، أجاب: “الحقيقة لا أعرف، وهذا يعود الى دولة الرئيس بري”.
كان يفترض أن تنحصر التصريحات الرسمية بغانم، على ما اتفق عليه في الجلسة، الا أن تصريح فارس أثار حفيظة عدد من النواب الذين رغبوا في أن تبقى المواقف الرسمية محصورة بهذا البيان المقتضب بعدما أجمعوا عليه في الداخل. لذا، لم تكن كثيرة التسريبات التي خرج بها النواب من القاعة العامة، وجل ما ورد منها الى الصحافيين يتمحور حول اقتراح النائب جورج عدوان التصويت على “صيغة المختلط” المقترحة حتى تسير عجلة المناقشة. الا أن الاعتراض الاول جاء من نواب تكتل “التغيير والاصلاح” الذين رفضوا التصويت على الاقتراح على أساس أن من شأن البت بالصيغة المختلطة أن “ينسف” اقتراح الارثوذكسي الذي صوّتوا عليه سابقاً وأحيل على الهيئة العامة للمجلس. ولم يكن الرفض من هؤلاء انما من ممثلي كتلة “الكتائب اللبنانية” الرافضة الصيغ المقترحة كلها جملة وتفصيلاً، على ما سيق الى “المستقبل”، ومن كتلة “الوفاء للمقاومة” المتمسكة بالنسبية الكاملة، ومن كتلة “التنمية والتحرير” التي طالب نوابها بالتوافق والتصويت لاحقاً، في وقت كرر نواب كتلة “المستقبل” موقفهم من النسبية. من هنا، كان مسعى للنائب ابراهيم كنعان الى طرح فكرة “مناقشة” النظام المختلط بديلاً من “التصويت” عليه درءاً لانقسام اللجان النيابية وحرصاً على أن تكون الرسالة ايجابية الى طاولة الحوار في عين التينة الاسبوع المقبل ومحورها أن النواب “متوافقون” على الصيغة المختلطة لقانون الانتخاب.
ازاء ذلك، اعتبر نواب أن من شأن التمسك بصيغة “الارثوذكسي” أن ينسف أي امكان للبحث في أي صيغة قانونية اخرى، لافتين الى أن الانتخابات النيابية المقبلة “لا بد حاصلة انطلاقاً من قانون الستين”. وهذا الاستنتاج الذي ذكر بما قالته سفيرة الاتحاد الاوروبي كريستينا لاسن في مكتبة المجلس عشية اجتماع اللجان النيابية: “ان الفشل في التوافق على تعديل قانون الانتخاب الراهن ليس عذراً للفشل في اجراء الانتخابات النيابية دورياً كما هو منصوص عليه قانوناً”. وسألت “المستقبل” النائب علي فياض رأيه، فأجاب بأن هذه الفكرة “تنسجم مع الرأي اللبناني العام لأن معظم القوى تقول ان التمديد انتهى”. واعتبر أن “قانون الستين يطرح اشكالية عند المسيحيين أولاً”.
وعلى السؤال نفسه، رد عدوان أن ما تقصده لاسن أنه “لا يمكن التحجج بقانون الانتخاب حتى لا تجري الانتخابات النيابية”. واعتبر أن “الابقاء على قانون الدوحة تمديد مبطن لأنه سيعيد انتاج الطبقة السياسية نفسها التي أظهرت فشلها في الشأن العام وفي بناء المؤسسات بما يتعلق بالمراقبة الحقيقية ومكافحة الفساد”.
وعما اذا كان المسيحيون يرون في قانون الستين مشكلة، أجاب: “ان هذه المشكلة هي عند اللبنانيين كلهم لأن هذا القانون لا يعكس التمثيل الصحيح للمجتمع. فجزء كبير منه لا يشعر بأن رأيه مسموع. والامر لا يتعلق تالياً بمكون واحد من المكونات اللبنانية”. وفسر اقتراحه التصويت على صغية المختلط بالقول: “ليس الهدف التصويت انما محاولة للقول ان المساحة المشتركة الوحيدة هي المختلط الذي يمكن الوصول اليه بطريقين: اما التصويت او الحوار”. وأكد أنه لا يزال يصر على التصويت انما في الهيئة العامة للمجلس، رافضاً التفكير في ما سيحصل على طاولة الحوار في عين التينة: “دستورياً، انا أفكر في ما أفعل في القاعة العامة”.