تخوض “جبهة النصرة” حربًا نفسية وإعلامية مع “حزب الله”، تضاف إلى الحرب العسكرية الدائرة بينهما على مساحة الأرض السورية، وتتمثّل في التسجيلات التي تبثّها بين الحين والآخر لأسرى الحزب لديها، مع ما تحمله من رسائل موجهة ليس للحزب فحسب، إنما للطائفة الشيعية بشكلٍ عام ولبيئته بشكل خاص.
وآخر فصول هذه الحرب النفسية، تتمثل في التسجيل الذي بثّته “النصرة” بالصوت والصورة، لأحد أسرى الحزب لديها حسن نزيه طه، الذي يوجه فيه رسالة إلى قيادة الحزب يدعوها فيها إلى “الكفّ عن قتل الأطفال والنساء في سوريا، واتخاذهم دروعًا بشرية، لحماية نفسه ومقاتليه في ريف دمشق”. وبهذا يرتفع عدد أسرى الحزب لدى الجبهة إلى أربعة، بعد أسرها ثلاثة في ريف حلب العام الماضي، لم يعرف مصيرهم حتى الآن. وقال الأسير طه لمسؤولي الحزب: “جئتم بنا لندافع عن المقدسات وعن الإسلام، فإذا بنا نهجّر الأطفال والنساء عن بيوتهم، ونلقي بهم في الشوارع، واليوم المهزلة نفسها والقصّة نفسها تتكرر في وادي بردى والزبداني ووادي هريرة”. وسأل “أين القضية التي ندافع عنها؟، وهل طريق فلسطين يمرّ بهذه المناطق؟، حتى الأخلاق والجرأة لم تعد موجودة عندنا”.
وتوجّه إلى أمين عام الحزب قائلاً: “أين الأخلاق التي علمتمونا إياها يا سيد المقاومة؟ أين الشرف؟ أين الأخلاق التي علمتمونا إياها بأن لا نأخذ المدنيين دروعًا بشرية؟”. وتابع: “صرنا نستقوي على المدنيين ونضعهم أمام الدبابات، ونجعل منهم سواتر وحواجز حتى ندخل إلى المناطق، لم يعد لدينا قدرة على المواجهة فأصبحنا نحتمي بالأطفال والنساء”.
أضاف الأسير طه: “يا عيب الشوم إلى أين وصلنا من الكذب والنفاق؟”. وأردف قائلا: “نريد أن نعيش بسلام، اتركونا، كفاكم تمثيلاً علينا، وكفى أخذ المنطقة والشعب رهينة لأطماع ومخططات لا علاقة لنا بها، أناشد العقلاء الوقوف بوجه هذا الإجرام، وأن يقولوا كلمة حق، كفانا السير وراء إيران وحلفاء إيران، من دون تفكير ونحن نبيع عقولنا وديننا وضميرنا”. وختم طه: “أناشد أهلي وأهالي كلّ الأسرى أن يقفوا موقفًا قويًا، وأن يجدوا حلاً لقضيتنا بأسرع وقت، وإلّا تكونوا ألقيتم بنا في المجهول، وضحيتم بنا بأبخس الأثمان”.
الكاتب والباحث السياسي الدكتور حارث سليمان، رأى أن الأسير لا يعوّل عليه، وأكد أنه “بحسب اتفاقيات جنيف الأسير لا يعرض على التلفزيونات، ولا يؤخذ بتصريحه، لأن الرهينة بطبيعة الحال تتعاطف مع قضية الخاطفين”.
وبغض النظر عن تأثيرات كلام الأسير حسن طه في الوسط الشيعي أو عدمها، أوضح سليمان (وهو شيعي معارض لسياسة “حزب الله”) في تصريح لصحيفة ”الشرق الأوسط”، أن “هناك اتجاهًا داخل الطائفة الشيعية غير راضٍ عن سياسة (حزب الله)”، لافتًا إلى أن “الانتخابات البلدية كانت أفضل من أظهر هذا التوجه من الاعتراض الشيعي”. وقال: “الحالة الاعتراضية تتنامى بشكل كبير في الملفات السياسية والخدماتية، لكن الجزء الأكبر منها مرتبط بانخراط الحزب في الحرب السورية، وارتداداتها السلبية على الداخل اللبناني”.
وإذا كان هذا التسجيل الذي عُرض للأسير طه وقبله للأسرى الثلاثة في حلب، أثار نقمة الحزب واستياءه من توظيف ورقة الأسرى في الحرب القائمة في سوريا، ذكّر سليمان بأن “هذه الممارسات ارتكبها (حزب الله) واستثمرها عبر أسرى لديه، كما ارتكبتها أحزاب لبنانية أثناء مرحلة الوصاية السورية”. وتوقع أن يستخدم الحزب “أوراق ضغط موجودة إما لديه وإما لدى حلفائه مثل النظام السوري، لإبرام صفقة تبادل مع (جبهة النصرة) كما حصل سابقًا”. وأعطى مثالاً على ذلك “إحدى الصفقات التي كان (حزب الله) شريكًا فيها وتضمنت الإفراج عن زوجة أبو بكر البغدادي”.
مصدر مطلع على موقف ما يسمّى “حزب الله”، وضع بثّ هذا التسجيل في إطار “الحرب النفسية بين الحزب والمجموعات المسلحة في سوريا”، معتبرًا أن “جبهة النصرة تحاول استخدام ورقة الأسرى، للضغط على عائلات هؤلاء وعلى بيئة الحزب لتغيير قناعاتها وتأييدها لسياساته”.
المصدر الذي رفض ذكر اسمه استبعد في تصريح لـ”الشرق الأوسط”، أن “يبدّل هذا التسجيل شيئا في قناعات الحزب وخياراته العسكرية في سوريا”. وقال: “الأمور أكبر بكثير مما يتوقع البعض، هذه حرب مكلفة والحزب يعرف مسبقًا أنه سيقدم فيها تضحيات، وبالتالي وإن كانت قضية الأسرى تعنيه، لكنها لن تغير حرفًا في قناعاته”.
وبعيدًا عن لغة التهديد، أوضح المصدر أن “حزب الله” معني بتحرير أسراه، وربما لديه أوراق ضغط أو مساومة، إما من خلال أسرى لديه من الجماعات المسلحة، وإما عبر وساطات تتولاها لجان أو وجهاء بلدات سورية أو زعماء عشائر للوصول إلى عملية تبادل، مذكرًا بـ”حالات مماثلة حصلت عند تحرير مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا ومبادلة أسرى من الطرفين”.