Site icon IMLebanon

“الفرمانات الداعشية” تصدم الجنوب

jebchit 11

كتبت أسرار شبارو صحيفة “الراي” الكويتية:

موجة قرارات “أخلاقية” تضرب القرى الجنوبية اللبنانية، وصفها البعض بـ “الداعشية” كونها تمنع الاختلاط بين الذكور والإناث وتفرض إغلاق المحلات وقت الصلاة.

… من جبشيت، الى عيترون، فالخيام، تقف البلديات خلف “الفرمانات” الصادمة، التي أثارت انتقادات عارمة في مجتمعٍ اعتاد الانفتاح، ما طرح تساؤلات عن قانونية هكذا قرارات وخلفيتها وتوقيتها ولا سيما انها صدرت من مجالس بلدية محسوبة على “حزب الله”.

وحضرتْ هذه القرارات بقوّة في وسائل الإعلام اللبنانية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وسط “رفع صوتٍ” ضدّ ما اعتبره كثيرون “استحضاراً لنمطٍ ظننا انه لن يأتينا من الرقة او الموصل”، معربين عن الخشية من ان يكون هذا الأمر “الذي يتعارض مع الحريات الفردية” مقدّمة لنهج جديد “ينهش ميزة لبنان الانفتاح والتنوع لمصلحة تزمّتٍ يستفيد من سطوة أحزاب سياسية”.

في جبشيت، أصدرت البلدية في التاسع من الجاري قراراً يتعلق بمحلات “التسلية والانترنت” من سبعة نقاط، يمنع الاختلاط بين الجنسين والسهر بعد الثانية عشر ليلاً كما يفرض الاغلاق وقت الصلاة. وقد استند رئيس البلدية محمد جعفر فحص في تبريره القرار الى الفساد الاخلاقي المنتشر في شكل غير طبيعي والأفلام الإباحية التي باتت على الهواتف، و”كون مجتمع جبشيت محافظ كان لا بد من وضع هكذا ضوابط”.

ولم يكد الجنوبيون يتلقون صدمة “الفرمان” الأول حتى أصدرت بلدية عيترون “فرماناً” ألصقته في 20 يوليو على المسبح العام يوضح الدوامات المعتمدة حيث فصلت خلالها بين دوام الذكور والاناث. وبرّر رئيس البلدية سليم مراد الأمر بأن المسبح في الأساس مخصص للرجال، ووجود النساء ضمن دوام الأطفال لا يعني السماح لهن بالسباحة وان بامكانهن السباحة في المسابح الموجودة في المناطق المجاورة.

ولم تسترح موجة المنع اذ أطلت “الخيام” وتصدّرت المشهد في اليومين الماضييْن بعد الخبر الذي تم تداوُله في كبرى الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي عن منع رئيس البلدية علي عبدالله نساء البلدة من المشاركة بسباق حرمون يوم الأحد الماضي تحت اسم البلدية، مع السماح للشبان فقط بالمشاركة.

وأوضح عبد الله لـ “الراي” أن ما يتم تداوله ليس له أساس وقال: “لم أمنع أحداً من الذهاب الى السباق، ولم أرفض تسجيل أحد في البلدية، لكن قلت ان الشباب يُنقلون على حساب البلدية أما الفتيات فلا أتحمل مسؤولية نقلهن، ولم أحاول إقناع انسان بعدم المشاركة”، وأضاف: “نحن نحضر لماراتون مشترك بين الشباب والاناث الشهر المقبل في بلدتنا بمناسبة ذكرى الانتصار على العدو الاسرائيلي”.

وعن عدم تسجيل الفتيات اذاً في ماراتون حرمون؟ قال: “هذا الكلام غير صحيح سُجلت الفتيات في البلدية، ومن اصل مدينة تعجّ بسكانها خلال الصيف تَسجّل اربعة فتيات ورجلان فقط، ما يعني ان البلدة غير حاضرة للسباق”، مضيفاً: “المجلس البلدي ليست له علاقة بالقرار الذي اتخذتُه بمفردي وأتحمل مسؤوليته وأنا مقتنع به ولو عاد الزمن بي سأتخذه لأنني أحترم بيئتي المحافظة”.

لكن ماذا عن الماراتون المختلط اذا كانت البيئة محافظة؟ أجاب: “ماراتون مختلط بالمعايير الأخلاقية الموجودة في بلدتي وديانتي” مع رفْضه توضيح هذه المعايير.

السباق الذي اتخذ مكاناً له سوق الخان في بلدة حرمون بين بلدتيْ حاصبيا ومرجعيون شارك فيه نحو 10 آلآف شخص من كل المناطق اللبنانية بالاضافة الى عناصر من “اليونيفيل”. وقد أوضحت مؤسِّسة ورئيسة جمعية ماراثون حرمون عايدة جمعة لـ “الراي” أنه “للسنة الثالثة على التوالي يتم السباق في حرمون وهذا العام قررنا فتح قنوات مع البلديات ومنهم بلدية الخيام التي أبدى رئيس بلديتها حماسته وتشجيعه لنا واعداً بتأمين تنقلات للمشاركين، اضافة الى تعاوننا المعتاد مع جمعية سيدات الخيام، لكن للأسف تفاجأنا بالعدد القليل الذي شارك من تلك البلدة هذا العام، اذ لم يحضر سوى 12 فتاة ورجلان من قبل الجمعية في حين شارك العام الماضي 60 شخصاً بين الذكور والاناث”، مضيفة: “أصغر قرية مثل كفر حمام شارك منها 150 شخصاً فكيف ببلدة كبيرة كالخيام؟ كنت أتوقع ان يحضر نحو الف شخص”.

من جانبها أكدت رئيسة جمعية سيدات الخيام صباح ابو عباس لـ “الراي” ان البلدية لم تتخذ قراراً بالحظر وإن لم تقبل بتسجيل الإناث لديها للمشاركة بالسباق، مضيفة:”تَفاجأنا بالاجراء الذي اتخذه عبد الله لا سيما واننا بلدة منفتحة، معروفة بتنوعها الثقافي والحضاري والديني، فسكانها من عدة طوائف، بالاضافة الى التنوع السياسي اذ تضمّ من اليسار واليمين”.

وعما اذا كانت تخشى من ان يكون قرار رئيس البلدية مقدمة لقرارات مشابهة اتخذت في البلدات الأخرى، اجابت:”لا نعلم اذا كان الأمر سيقتصر على ذلك، بعد رد فعل الاهالي، فقد أحدث الإجراء بلبلة وردة فعل كبيرة رافضة وإن كانت هناك اقلية مؤيدة. والقرارت التي اتُخذت في بعض قرى الجنوب جديدة على مجتمعنا ونسيجه ولا أتصوّر ان تمرّ في منطقتنا.

البلديات الثلاث التي اتخذت القرارات الصادمة تتبع لحزب الله، لكن الصحافي علي الأمين لا يميل في حديث لـ”الراي”للقول إن” هذه القرارات اتُخذت بقرار قيادي من حزب الله بل هي نتاج حالة ساهم في بنائها الحزب وادت الى هذه التداعيات”، وقال:”انها المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذه القرارات في بلديات لبنان عموماً وفي البلديات التي يتولاها حزب الله خصوصاً والتي هي في جزء كبير منها تابعة له منذ 18 عاماً، ما يعني أنها غير مسبوقة بمضمونها ولها علاقة بالبُعد الاجتماعي والحرية الشخصية التي يحكمها القانون اللبناني”.

وعن خلفية هذه القرارات اوضح الامين”سببان قد يقفان وراء اتخاذها، واحد استجدّ خلال الأعوام الأخيرة وهو بروز العصبية المذهبية والتعبئة التي شهدناها من خلال تشجيع حزب الله لمناصريه على القتال في سورية، وهذا أتى في سياق انقسام وشرخ مذهبي في المنطقة وعلى مستوى لبنان. وبخلاف المرات السابقة التي كان فيها حزب الله يقاتل اسرائيل حيث كان قادراً أن يعطي بُعداً إسلامياً أو وطنياً لهذه المعركة، فلأول مرة نجد ان للبُعد المذهبي حضوراً بارزاً في البيئة الشيعية عموماً وتحديداً في القرى والبلدات التي تكون بعيدة عن المركز حيث يكون هناك قابلية أكثر لمثل تلك القرارات”.

أما السبب الثاني بحسب الأمين، فيتصل بالبُعد التنموي” فمعركة البلديات الأخيرة لم تكن كسابقاتها، اذ للمرة الأولى نشهد نوعاً من التململ زائد عن السابق وقد عُبّر عنه بالاشكالات التي حصلت سواء داخل حزب الله كما في بلدية جبشيت مثلاً حيث قيل انها فازت بالتزكية لكن الحقيقة انه خيضت في تلك البلدية معركة بين لائحتين تنتميان الى حزب الله. ايضاً كنا نرى حالات اعتراض على تحالف حزب الله وحركة امل وتململ داخل الحركة، وهذا البُعد كان لا بد ان تكون له نتائج بعد الانتخابات، وفي تقديري ان هذا أحد وسائل دفع الأمور باتجاهات أخرى، اي بدل ان يكون سجال الناس حول البعد التنموي وانجازات البلدية فُتح نقاش عبثي يتعلق بهكذا أمور التي حكماً نرى اشخاصاً يؤيدونها وآخرين يعترضون عليها، لكن أنا أعتقد ان غالبية الناس معترضون عليها”.

وعما اذا كان يتوقع ان نشهد في الايام المقبلة مجموعة جديدة من القرارات تفاجئ اللبنانيين اجاب:”لا شك اننا نلحظ المزيد من الانغلاق والتطرف الديني الذي ليس حكراً على هذه الفئة او تلك بل هو ظاهرة موجودة سنياً وشيعياً يعبّر عنها كل طرف بأشكال مختلفة. وما دامت الامور في المنطقة مستمرة على هذا النحو وما دام خطاب العزلة يتسيّد الواجهة الثقافية والاجتماعية والسياسية أكثر من خطابات الانفتاح، فمن المتوقع ان نشهد أشكالاً جديدة من القرارات وقد لا تكون في نفس الصيغة”.

وعما إذا كانت الإجراءات التي اتخذتها البلديات المعنية قانونية، لفت المحامي انطوان زخيا صفير لـ”الراي”ان”لا شيء يمنع البلديات من اتخاذ هكذا قرارات، اذ في المبدأ هي قوانين مدنية”، لافتاً الى ان”كل بلدية تقيّم طبيعة تكوينها الثقافي والديني وتتخذ الاجراء الذي تراه مناسباً الذي يكون عرضة للطعن أمام مجلس شورى الدولة باعتباره قراراً خاضعاً لرقابته”، واضاف:”أي مواطن له مصلحة او صفة يحق له الطعن أمام مجلس شورى الدولة الذي يحق له ان يوقف تنفيذ الإجراء إما بشكل تام، اذا رأى أنه يتعارض مع القوانين مرعية الاجراء، أو بشكل نسبي أي نسبة لأشخاص معينين او حي معين”.