Site icon IMLebanon

الجيش بين آب 2014 وآب 2016: إستعادة المبادرة

lebanese-army1

 

 

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

ممّا لا شك فيه أنّ الانتصار في الحرب على الإرهاب في الداخل اللبناني أو على الحدود يتطلّب توفّر المبيدات الضرورية لهذه الجرثومة المميتة، وعلى الجبهتين السياسية والأمنية.سياسياً، لا يعني الاكتفاءُ بكلامٍ حماسي وبياناتِ شعر وعواطف، على ما هو حاصل في كثير من الأحيان والمناسبات، بل إنّ الشرط الأساس لفعالية المبيد السياسي، هو توفر الإرادة الجدّية والصادقة لدى مختلف المكوّنات السياسية والطائفية، في مقاربة هذا الإرهاب، بكلِّ ألوانه، كما هو خطر يهدّد الجميع ومواجهته تبعاً لذلك.

وأما أمنياً، فيبدو أنّ المبيدات في هذا الجانب تتراكم، ويقوم الجيش ومعه سائر الأجهزة الأمنية، بما تقتضيه الحربُ على الإرهاب من جهوزيّةٍ عالية، وإنجازات نوعية بقدرات وإمكانات متواضعة. رغم حال التطوّر الهائل في قدرات الإرهاب والأساليب التي يستخدمها، ومكّنته من اختراق عمق أوروبا.

هنا، يستطيع الجيش، ومعه الأجهزة الأمنية، ومن خلفهما كلّ اللبنانيين، أن يفاخروا بأنّ أمن لبنان، رغم جبهة الإرهاب النازفة من السلسلة الشرقية، يكاد يعادل، أو ربما يزيد، عن الأمن الراسخ في أية دولة عظمى، أو بعيدة من الخطر الإرهابي المباشر، والكلام هنا لمرجع كبير، لم يتردّد في القول «العالمُ كلّه على فوهة بركان الإرهاب، كلّ الدول تجهّز نفسَها لمواجهته، وباتت مقتنعةً أنّ سياسة الاستثمار على الإرهاب ارتدت عكسية، وما كان الإرهابُ ليصل الى ما وصل اليه في أوروبا دون سياسة دفن الرؤوس في الرمال، وبالتالي أمام هذا الواقع لا بدّ من انعطافة الى حربٍ على الإرهاب أكثر فعالية، وتطال قبل كلّ شيء منابعَه والمصانع التكفيرية التي تنتجه والمعروفة مواقعها من كلّ أجهزة المخابرات».

الأكيد في هذه الصورة، كما يقول المرجع الكبير هو أنّ أمننا لا يقلّ رسوخاً عن الأمن في فرنسا وألمانيا على سبيل المثال، ولكنّ هناك فارقاً كبيراً هو أنّ حالَ الهلع التي يعيشها الفرنسيون تحديداً، لا يعيشها اللبنانيون».

هذه الصورة الأمنية، التي يرسمها المرجع الكبير، هي نتاجٌ طبيعيّ للجهد الأمني المشترك بين مختلف الأجهزة، وكذلك للتطوّر الكبير الذي تدرّجت فيه المؤسسة العسكرية خلال السنتين الأخيرتين إن من حيث الأداء أو الخبرات أو الفعالية.

ارتكازاً الى مجموعة أسس:

– أوّلها، أنه على رغم كلّ ما تعرّض له من «تصنيفات» ومحاولات لضربه والنيل منه، ظلّ فارضاً نفسه في ذهن اللبنانيين بأنّ الجيش اللبناني كان وما يزال يشكل آخرَ معلم من معالم الحفاظ على الدولة وهيبتها.

– ثانيها، أنّ الجيش رأس منظومة الأمن والأمان للبنان واللبنانيين، بالفعل الأمني اليومي الذي هو خليّة لا تهدأ يتقدّم فيها الجيش ومخابراته سائرَ الأجهزة الأمنية، حتى بات يشكل الرافعة الحقيقية التي تحمي هذا الوطن من الإرهاب.

– ثالثها، النجاح في تجاوز «قطوع» الثاني من آب 2014، الذي تمثل آنذاك بهجوم الإرهابيين على مواقع الجيش في بلدة عرسال وخطف العسكريين.

فما بين العيد الحزين في آب 2014 وعيد الجيش هذا العام، أخذت المؤسسة العسكرية كلَّ العبر واستفادت من التجربة، وحققت نقلة نوعيّة كبيرة راكمت من خلالها كمّاً هائلاً من المعنويات وأعادت ترسيخَ الهيبة العسكرية وتفعيلها بالتوازي مع زرع الثقة المتبادلة بينها وبين المواطن اللبناني، وتعويض غياب الدولة ومؤسساتها الرسمية عن الحضور المؤثر والمساند للجيش خارج بيانات الشعر والكلام المنمَّق وبيع العواطف.

فما بين العيدين، أثبت الجيش أنه تجاوز سريعاً ما حصل في 2 آب في عرسال، وكم من الدروس والعِبر التي استخلصها، وكم من الرؤوس الكبيرة من «داعش» و»جبهة النصرة» قد دحرجها وقضى عليها، أو أنها أصبحت في قبضته.

ما بين العيدين، نجح الجيش في أن يتطوّر وضعُه وحضورُه الميداني المكثّف واليومي والفاعل في مواجهة الإرهاب بصوره الداعشية والنصراوية وكلّ ما يرتبط بهما أو يتفرّع عنهما، ومنع سقوط لبنان في إمارات الإرهاب والتخلّف، وأحبط الكثيرَ من عمليات القتل التي نجا منها لبنان في أكثر من محطة ومنطقة وجنّب من خلال ذلك الكثير من الدماء.

ما بين العيدين، ظلّ الجيش يحمل معموديّة النار دفاعاً عن لبنان ولمنع سقوطه، وثبت وحيداً على الجبهات، مستنداً الى ترابطٍ فعّال بين قائده وقيادته وضباطه وأفراده، حتى استعاد المبادرة وانتقل من موقع الدفاع الى موقع الهجوم وملاحقة الإرهابيين في مواقعهم ومخابئهم، وكاد في لحظة معيّنة أن يطيح بأمير «جبهة النصرة» في القلمون الغربي أبو مالك التلي.

هنا يروي مرجعٌ عسكري أنه بعدما حدّد الرصدُ العسكري موقعه في مكانٍ ما في القلمون، تمّ استهداف السيارة (مرسيدس بيضاء) التي كان يستقلّها مع ثلاثة آخرين، وذلك بطائرة من دون طيار أطلقت في اتجاهها صاروخاً مباشراً، ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان، إذ صادف أن ظهرت فجأة سيارة ثانية خرجت من طريق فرعي ودخلت الطريق الذي يسلكه التلي، ما جعل سيارته تنحرف قليلاً، وفي لحظة الإنحراف سقط الصاروخ أمام مقدمة المرسيدس. فيما لاذ مَن في داخلها بالفرار.

ما بين العيدين، استطاع الجيش أن يُثبت للعالم بأنه رأس الحربة في محاربة الارهاب، وأنه سبق الكثير من جيوش العالم في المواجهة المباشرة أو في الحرب الأمنية وتفكيك الخلايا أو في ابتداع أفكارٍ جديدة وسبلٍ تخدم الحرب على هذا الإرهاب.

ما بين العيدين استطاع الجيش أن يُثبت للعالم أنه قادرٌ على تحقيق الإنجازات الكبيرة، حتى بإمكانات متواضعة. وهنا لا بدّ من الإشارة الى أنّ الجيش تلقّى أكثر من مرة التهاني من قادة جيوش غربية، وعلى وجه الخصوص، من جنرالاتٍ كبار في الجيش الأميركي الذين نقلوا الى قيادة الجيش تقديراً بأنّ الجيش اللبناني قد يكون من بين قلةٍ تتقن استخدامَ السلاح الأميركي كما يجب أن يُستخدَم.

ما بين العيدين، استطاع الجيش أن يفرض نفسَه محطَّ رعاية الخارج، بوصفه الجهة الوحيدة القادرة على صيانة الاستقرار في لبنان وحماية حدوده وأمنه الداخلي.