كتبت باسمة عطوي في صحيفة “المستقبل”:
للسنة الثالثة على التوالي يمر الاول من آب كأي يوم عادي، وتغيب عنه الإحتفالات بالذكرى الواحدة والسبعين لتأسيس الجيش اللبناني نتيجة الفراغ الساكن في قصر بعبدا، والذي يبدو أن البلاد لن تستسلم لمفاعيله تماما نتيجة حرص المؤسسة العسكرية على الاستقرار الامني في البلاد من خلال تفرغها لمواجهة الارهاب، وهي تعبر عن ذلك بوضوح من خلال شعار الجيش للإحتفال بالعيد هذا العام “24/24 على10452 “، ومن خلال شريط مصور أطلقته للمناسبة تخبر فيه عن بعض المهام التي يقوم بها الجيش لحفظ الامن ومحاربة الارهاب، من حماية الحدود ضد أي عدوان إسرائيلي أو إرهابي في عرسال، إلى مهام حفظ الامن في الداخل، مستندة بذلك إلى أن خلاف السياسيين على إسم رئيس الجمهورية، لم يمنعهم من إعطاء الغطاء السياسي اللازم لتأدية الجيش واجبه في حفظ الأمن على مساحة الوطن، علما أن الاحتفال كان مناسبة سنوية لتظهير هيكلية الدولة بدءا من الرأس أي رئيس الجمهورية -القائد الأعلى للقوات المسلحة، وممثلي السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والاعتراف الدولي والشعبي بها من خلال الحضور الدبلوماسي والشعبي في الاحتفال.
وبالرغم من غياب هذه المشهدية هذا العام، بدا وكأن شعار “24/24 على10452 “ تعويض المؤسسة العسكرية لهذا النقص، ولتعلم الجميع من خلال شعارها بأن محاربة الارهاب قرار إستراتيجي، سواء أكان هذا الارهاب في الداخل أم على الحدود لمنع أي خرق أمني، وهذا أمر ليس ببسيط في ظل الهجمة الارهابية التي تشهدها دول العالم .
إذن يمر العيد الواحد والسبعون على ثكنة شكري غانم في الفياضية خافتا كما في العامين الماضيين، وخاليا من حماسة الاحتفال واليافطات والضيوف الوافدين للحضور والتهاني، فعلى بعد مئات الامتار من الثكنة يقبع قصر بعبدا خاليا من رئيس يقام الاحتفال تحت رعايته وبحضوره تقلد السيوف للخريجين، وعلى شرفه تُرفع الانخاب والتمنيات بتكرار المناسبة سنويا، وبسبب الشغور فقيادة الجيش ارتأت عدم إقامة احتفال رسمي موسّع واختصاره بحفل مقتضب بعيد الجيش وتخريج الضباط الجدد، يتولى خلاله قائد الجيش العماد جان قهوجي تسليمهم شهادات التخرج بدل السيوف، التي درجت العادة أن يقوم رئيس الجمهورية بتسليمهم إياها بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة.
قد تكون ميزة الإحتفال بعيد الجيش أنها من المناسبات القليلة التي تجتمع فيها، كل مكونات الدولة جيشاً وشعباً ومؤسسات، فمنصة الحضور في ثكنة شكري غانم، والتي كان يمر من أمامها الضباط الخريجون ووحدات الجيش الاخرى، كانت تستضيف الرؤساء الثلاثة ووزير الدفاع وخلفهم رؤساء الحكومات السابقون، ثم ممثلو السلك الدبلوماسي في لبنان ويليهم النواب والوزراء وقائد الجيش، وكبار الضباط ورؤساء الأجهزة الامنية والعسكرية ثم ممثلو الطوائف والمذاهب، وضيوف من المجتمع المدني وأهالي الضباط الذين كانوا يتبارون وديا في ما بينهم في التصفيق والزغردة لأبنائهم أثناء تسلمهم السيوف، ثم ينفجرون تصفيقا في نهاية الاحتفال، حين يمر رئيس الجمهورية لتحيتهم والى جانبه الضباط الخريجون، هذا المشهد الذي سيغيب للعام الثالث على التوالي تحاول قيادة الجيش والبلديات وهيئات المجتمع المدني إستحضاره من خلال لوحات إعلانية ضخمة ترفع لتوجيه التحية إلى الجيش وتضحياته إلى جانب شعار الجيش شرف- تضحية وفاء.
في السنوات السابقة تنوعت الشعارات لمناسبة العيد لتتماهى مع السجالات الداخلية وتدلها على المخرج المناسب، ففي الوقت الذي كان السجال محتدما حول السلاح، أطل عيد الجيش بشعار “الجيش – السترة الواقية”، وقد ترجم الشعار برجل مدني يلبس السترة المرقطة فوق ثيابه المدنية، وتلاها في السنة التالية شعار “وعدي إلك وحدك” مع صورة لعناصر الجيش وفوقهم العلم اللبناني، فاللبنانيون مهما اختلفت مشاربهم السياسية، يبقى للجيش اللبناني حيز عميق في وجدانهم يترجم باليافطات التي ترفع والاحتفالات التي تعم المناطق احتفالا بعيد الجيش، وهذا العام وبسبب موجة الارهاب التي تحاول اجتياح لبنان والعالم كان شعار “/ على “ وفي خلفية الشعار ثلة من الجنود في أعلى الدبابة مستعدون لقصف العدو الارهابي.
قد لا تكون المرة الاولى التي تجد قيادة الجيش نفسها مضطرة لإلغاء الاحتفال بالعيد، ففي سنوات الحرب غابت الاحتفالات الكبيرة في سنوات عديدة بسبب الاوضاع الامنية، ففي السنوات الممتدة بين العام 1975 والعام 1985 كان يستعاض عن الإحتفال المركزي بإحتفال صغير في الثكنات، لكن دورات تطويع الضباط توقفت نهائيا بعد العام 1986 وحتى العام 1992 بسبب الانقسام السياسي والمناطقي الذي كانت تعيشه البلاد، ففي العام 1986 كان الرئيس أمين الجميل هو من قلد الضباط السيوف، لكن للمفارقة، ففي السنوات اللاحقة لم يكن توقف التطويع بسبب الشغور الرئاسي، بل بسبب إنقسام البلاد بين “شرقية” و”غربية” و”جبل”. وقد بقي الوضع على هذه الحال إلى حين تطبيق اتفاق الطائف وحلول العام 1992 حيث انتظم عمل الكلية الحربية على غرار باقي مؤسسات الدولة، وبات مجلس الوزراء يجيز لقيادة الجيش بتنظيم دورات تطويع تلامذة ضباط، وأول احتفال بعيد الجيش وتخريج ضباط بعد الحرب تم في العام 1994 في عهد الرئيس الراحل إلياس الهراوي، لتكر بعدها سبحة دورات التطويع والتخريج والاحتفالات بعيد الجيش، (فترة الشغور الرئاسي بعد إنتهاء ولاية الرئيس إميل لحود كانت من أيلول 2007 وحتى أيار 2008)، ولم يصادف حينها توقيت عيد الجيش، لتكون نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان هي المرة الاولى التي يغيب فيها الاحتفال بعيد الجيش وتخريج الضباط بسبب الشغور الرئاسي.