كشفت مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاعان أجواء التوتر التي قاد اليها الحصار الذي ضربه الجيش السوري وحلفاؤه على حلب لم تعد محصورة بالأطراف العربية والخليجية والتركية التي كانت ترسم الخطوط الحمر حولها بل تعدتها الى أطراف الحلف الدولي المعلن على داعش واخواتها الموضوعة على لائحة الإرهاب من جهة والقيادة الروسية وحلفائها في سوريا وطهران والضاحية الجنوبية من جهة أخرى.
وقالت المصادر لـ”المركزية”، ان ما زاد الطين بلة يكمن في الإعلان اليمني عن تشكيل “المجلس السياسي الأعلى في اليمن” بين قيادة الحوثيين الموالين لإيران والرئيس السابق علي عبد الله صالح لحكم البلاد انطلاقا من عاصمتها صنعاء التي ما زالوا يسيطرون عليها ويتخذونها مركزا لقيادتهم. والأخطر ان المجلس الجديد اعلن على اساس تقسيمي في مواجهة الحلف العربي – الإسلامي الذي تقوده السعودية بدعمهم المباشر للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تحت شعار “مواجهة العدوان وإدارة البلاد ورسم السياسة العامة للدولة وفقا للدستور”. وهو ما سيقود حتما الى تسعير المواجهة العسكرية من جديد باعتبار ان الحلف العربي – الإسلامي الذي يقود “عاصفة الحزم” في اليمن اعتبر ما حصل يشكل انقلابا موصوفا على كل المساعي الدولية التي ترعى “تفاهمات الكويت” لحل الأزمة سلميا في اليمن ووقف كل الخيارات العسكرية كما تأمل الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين. وأضافت المصادر “طالما ان المتقاتلين في اليمن وسوريا هم انفسهم تقريبا بفارق الأدوار التي تلعبها بعض الدول الكبرى فقد اعتبرت المواجهة الجارية في اليمن معركة واحدة لا يمكن تجزئتها او فصلها مع تلك الجارية في سوريا لما من عناصر مشتركة تقود الى التوتر او الاسترخاء في البلدين بشكل متزامن الى حد بعيد وهو امر لم يعد خافيا على المراقبين للتطورات بدقة”.
وعليه كشف العائدون من طهران في الأيام القليلة الماضية لـ “المركزية” عن شعور قادة الحرس الثوري الإيراني بالنشوة وبالكثير من الإرتياح لمجريات الإنتصارات التي تقودها قيادته – رغم نفيها الرسمي العلني – سواء مباشرة كما يجري في سوريا ومحيط حلب تحديدا او بالواسطة كتلك الجارية في اليمن وهو ما يؤدي حتما الى مزيد من التوتر والحدة في العمليات العسكرية المتوقعة طالما ان الجهة الأخرى المدعومة من الحلفين العربي والدولي ترفض ما جرى في الدولتين وتسعى الى اعادة الوضع الى ما كان عليه باي ثمن عسكري او مادي او سياسي او دبلوماسي. ويقول زوار العاصمة الإيرانية ان التهديدات الدولية والتحذيرات التي اطلقها وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا وبعدهما الإدارة الأميركية في لقائهما الخميس الماضي في باريس للقيادة السورية وحلفائها الإيرانيين و”حزب الله” بشان فك الحصار عن حلب والمدنيين المتبقين فيها، لا تعنيهم. فهم من رعاة القوى التي خسرت المعركة في حلب وريفها الشمالي ومعهم شركاؤهم الأتراك والسعوديون والقطريون ومن الطبيعي ان تكون لهم ردة الفعل هذه لكنها لن تقدم ولن تؤخر في خيارات القيادة الإيرانية وحلفائها. واضاف الزوار ان الإيرانيين لا يرون في ما يقومون به عيبا او خروجا على المفاهيم الدولية فهم يقدمون العون للشرعية السورية وبناء لطلب رسمي وموثق دبلوماسيا وعسكريا من القيادة السورية لمواجهة الإرهابيين الذين يشكلون خطرا على المؤسسات الدستورية في البلاد وهم الى جانب القيادة الروسية وعلى تفاهم معها في كل ما يجري على الأرض فالروس شركاء حقيقيين في المواجهة. ولفت الزوار الى ان من ينتصر على الأرض سينتصر في المفاوضات المقبلة سواء تلك الجارية على اكثر من مستوى او بشكل مباشر بين واشنطن وموسكو بعلم القيادة الإيرانية التي تنسق خطواتها مع القيادة الروسية في سوريا كما في الإتصالات الدبلوماسية المفتوحة بين طهران وموسكو والتي تواكب التطورات الميدانية لحظة بلحظة بالتنسيق مع القيادة العسكرية للجيش السوري. ولذلك فهم يعتقدون انه سيكون سهلا ترجمة الإنتصارات المحققة في حلب في المفاوضات الجارية عبر الوسيط الدولي موفد الأمين العام الى سوريا السيد ستيفان دوميستورا متى تمكن من إحياء مفاوضات جنيف المفتوحة على سلسلة من الإتصالات لا بد لها ان تؤدي الى احيائها في وقت قريب وربما في نهاية آب المقبل كما اعلن وتمنى دوميستورا شخصيا.
وبناء على ما تقدم، فهم المراقبون خلفيات المواقف التي اعلنها الأمين العالم لحزب الله السيد حسن نصرالله امس على انه ترجمة دقيقة للتوجهات الإيرانية ورؤيتها لما يجري في سوريا واليمن والبحرين. هذه المواقف التي جدد نصرالله فيها كما في محطات سابقة هجومه العنيف على الممكلة العربية السعودية محملا اياها مسؤولية استمرار العمليات العسكرية في اليمن وسوريا كما بالنسبة الى ما تشهده البحرين فوضع جميع هذه الأحداث في سلة القيادة السعودية. واللافت ان نصرالله ايضا حمل الرياض المسؤولية عن العمليات الإرهابية التي شهدتها العواصم الأوروبية ولا سيما تلك التي شهدتها فرنسا من “إجتياح نيس” الى “كنيسة روان” وتلك التي شهدتها ألمانيا وبروكسيل وغيرها من العواصم الأوروبية المستهدفة باعتبارها من الأحداث التي تخدم توجهات هذه القوى في الحرب السورية.