تقرير رولان خاطر
لا تزال طبول الحرب تسمع في سوريا، بانتظار جرس التسوية السياسية التي تنتظر بدورها أن تتبلور صورة التقسيمات “الجيوسياسية” والعسكرية داخل هذا البلد، وانتهاء عملية التوافق على المحاصصة الدولية والاقليمية فيه.
خطوة “جبهة النصرة” تغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام” وفك ارتباطها بتنظيم “القاعدة”، حدث له أهميته في المشهد السوري، ردّه العديد من المحللين إلى تطورات الحرب في حلب، والاتفاق الروسي – الأميركي لضرب الجماعات الارهابية في سوريا، في ظل انشغال تركيا بأمورها الداخلية.
هل هو تفكير “براغماتي” تنطلق منه “الجبهة” لإحداث خرق ما عسكرياً وسياسياً وديبلوماسياً؟
سؤال أول من ضمن الكثير من الأسئلة التي تُطرح بشأن أسباب هذه الخطوة، خصوصاً أن عملية الإعلان عن “فك الارتباط” جاءت بمباركة من “القاعدة” نفسها، على لسان النائب العام لأيمن الظواهري أحمد حسن أبو الخير، الذي دعا في تسجيل صوتي “جبهة النصرة” إلى المضي قدما بما يحفظ مصلحة الإسلام والمسلمين، مضيفاً: “نحثهم على اتخاذ الخطوات المناسبة تجاه هذا الأمر”، في إشارة إلى انفصال التنظيمين عن بعضهما.
وقال أبو الخير حرفياً: “إن قرار الانفصال جاء بعد دراسة وضع “الساحة الشامية” عسكرياً وسياسياً، وما فيه من تحديات ومعاناة يعيشها المدنيون قتلاً وقصفاً وتشريداً، موضحاً أنه تقرّر بذل الأسباب الممكنة للحفاظ على “الجهاد الشامي” راشداً قوياً، وسحب “الذرائع الواهية التي يضعها العدو لفصل المجاهدين عن حاضنتهم”، في إشارة إلى الشعب السوري.
ورأى نائب زعيم تنظيم القاعدة أن “المرحلة الحالية شهدت انتشار الجهاد وانتقاله من مفهوم “جهاد نخبة” إلى “جهاد أمة”، وهو ما يعني أنه لا ينبغي أن يقاد بعقلية الجماعة والتنظيم، بل يجب أن تكون التنظيمات عامل حشد لا تفريق”.
عملية “فك الارتباط” بالشكل والمضمون
بداية، في متابعة حثيثة لمعظم المحللين الغربيين والاسلاميين، فإنّ تغيير اسم “جبهة النصرة”، هو تغيير في الشكل فقط، ولن يتناول استراتيجية هذه الجماعة ولا أفكارها او اهدافها أو حتى طريقة عملها.
السبب الأول، في الشكل: حيث أنّ إطلالة أبو محمد الجولاني وهي الأولى على العلن، وهو يرتدي الزيّ العسكري نفسه الذي كان يرتديه أسامة بن لادن، تؤشر إلى استمرار مبدأ الالتزام بخطى “القاعدة” في المضمون.
السبب الثاني، في المضمون: أولا: “إذ كيف يمكن الحديث عن “فك ارتباط” و”القاعدة” تعلن مسبقاً أنّ قرار الانفصال جاء بعد دراسة وضع “الساحة الشامية” عسكرياً وسياسياً، ما يعني أن خطوة أبو محمد الجولاني كانت منسّقة مسبقاً مع قيادة “القاعدة”، التي تحدثت أيضاً عن سحب “الذرائع التي يضعها العدو لفصل المجاهدين عن حاضنتهم”… ثم الحديث عن الجهاد الذي لا يجب ان يقاد بعقلية الجماعة والتنظيم وفق ما تفرضه متطلّبات المرحلة.
ثانياً: إعلان الجولاني المؤلف من خمس بنود، والذي يشدد على إقامة دين الله والتوحد مع الفصائل المعارضة وحماية الجهاد الشامي.
هذا الأمر جعل واشنطن وروسيا والأمم المتحدة يعون مبادرة “جبهة النصرة”، ومن ورائها داعموها سياسياً ومادياً وعسكرياً، معتبرين أن لا شيء سيتغير بالتعاطي معها.
أما الواقع، فيفرض بنا العودة إلى الجذور، جذور نشأة “جبهة النصرة”، وتكوينها عقائدياً، وعسكرياً.
في النشأة والتكوين
ظهرت “جبهة النصرة” للمرة الأولى في كانون الثاني 2012، حيث تم تشكيلها أواخر سنة 2011 خلال الحرب الأهلية السورية، وهي منظمة تنتمي للفكر السلفي الجهادي، أعلنت مبايعتها تنظيم “القاعدة”، ويتزعمها أبو محمد الجولاني.
سرعان ما نمت قدراتها التنظيمية والقتالية، لتصبح أقوى التنظيمات على الأرض في سوريا بعد تنظيم “الدولة الإسلامية” في مواجهة النظام السوري. وهي التي دعت في بيانها الأول الذي أصدرته في 24 كانون الثاني 2012 السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري.
في أيلول 2012، صنفتها الولايات المتحدة “منظمة ارهابية”.
وفي العام 2013 قرّر مجلس الأمن إضافتها إلى لائحة العقوبات للكيانات والأفراد التابعة لتنظيم “القاعدة”.
في 28 تموز 2016، أعلنت الجبهة على لسان زعيمها فك ارتباطها بتنظيم “القاعدة”، معلنا أن الاسم الجديد لجماعته سيكون “جبهة فتح الشام”.
وفي اعلان الجولاني فإنّ هذه الخطوة تسعى لتحقيق خمسة أهداف، هي:
العمل على إقامة دين الله وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين كل الناس.
التوحد مع الفصائل المعارضة لرصّ صفوف المجاهدين وتحرير أرض الشام والقضاء على النظام وأعوانه.
حماية الجهاد الشامي والاستمرار فيه واعتماد كافة الوسائل الشرعية المعينة على ذلك.
السعي لخدمة المسلمين والوقوف على شؤونهم وتخفيف معاناتهم.
تحقيق الأمن والأمان والاستقرار والحياة الكريمة لعامة الناس.
السؤال الثاني من ضمن الكثير من الأسئلة التي تُطرح، هل ستفتح هذه الخطوة الباب امام “جبهة فتح الشام” للجلوس على طاولة الحلّ في سوريا؟
تشير العديد من التحليلات أن إعلان “فك الارتباط” له أسباب عدة:
إدراك القوى الاقليمية التي تتبنّى “جبهة النصرة” لاقتراب العملية السياسية وبالتالي التحضير للدخول فيها بقوة، من هنا، رغبتها بإبعاد صبغة الارهاب عنها، وتهمة دعم مجموعات مرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا.
بعد سيطرة تنظيم “داعش” على معظم مشهدية الحرب في سوريا والعراق وصولاً إلى ليبيا وأوروبا والولايات الممتحدة، وتراجع قدرة “الجيش السوري الحرّ” كتنظيم معتدل نشأ في وجه النظام السوري، كان لابدّ من تنظيم “نظيف” من أيّ تهمة، أكانت إرهابية أو عقائدية، يُمنح “حرية الحركة” على جبهات القتال في سوريا، ومستقبلاً على جبهات الحلول الديبلوماسية والتسويات السياسية، على ضوء الحلّ الذي تحدث عنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والذي لم يعد بعيداً إذا صدقت الخارجية الأميركية. (“جبهة النصرة” انضمت سابقا إلى الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض ثم تراجع الجولاني في اللحظة الأخيرة).
في ظل التجاذب الروسي – الأميركي بشأن إصرار موسكو تحديد المعارضة المعتدلة في سوريا من قبل الأميركيين، جاء تغيير اسم “جبهة النصرة” لينزع عن هذه الجماعة الصفة الارهابية، وبالتالي، وجودها في الميدان السوري، وجود مقاوم وحماية للشعب السوري.
جبهة فتح الشام” اسم يبرّئ الجماعة من كل العمليات التي تعتبرها بعض القوى الدولية والاقليمية “إرهابية”، وبالتالي، محاولة جيدة لإسقاط هذه التهمة عنها من اجندة موسكو وواشنطن، وإيذاناً بفتح صفحة جديدة معها.
مع التطور الحاصل على “جبهة حلب”، شكلت خطوة “النصرة” رسالة إلى كل من موسكو وواشنطن أن تخليها عن تنظيم “القاعدة” يجعلها في مصاف “الجيش السوري الحرّ”، وبالتالي، ضرورة عدم استهدافها عسكرياً، وإبعاد قذائف مقاتلات التحالف الدولي عنها، ومحو اسمها عن اجندة التنسيق الروسي – الأميركي.
هذه البانوراما السياسية تذهب إلى تساؤلات، لابدّ ان تتظهّر في المرحلة المقبلة، هل ستكون “جبهة النصرة” لاعباً أساسياً على طاولة مفاوضات الحلّ السوري؟ هل سيكون لها دور سياسي في تشكيل النظام المقبل في سوريا؟ عل فعلا قطر والسعودية هما وراء خطوة “النصرة”؟ وفي ظل التفاهم الأميركي – الروسي، هل سيكون آب فعلاً شهر التسويات في سوريا؟.