من أين لك هذا؟
قانون سُنَّ منذ أواخر التسعينات تحت اسم «قانون الاثراء غير المشروع» مجدِداً لقانون سابق كان «أكل الدهر عليه وشرب» لم يعرف التنفيذ يوماً، وأريد منه وقف الهدر في المال العام والسطو عليه، ووضع حدٍّ للفساد المستشري، ومحاسبة كل مَن تبيّن «النعمة» عليه اثناء توليه الوظيفة العامة أو الموقع الرئاسي أو الوزاري او النيابي او الإداري او… او… وبعد خروجه منها.
هذا القانون سُنّ للأسف «بعد اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب»، فكأنه محا كل السرقات الموصوفة وغير الموصوفة التي حصلت في ما قبله، لتبدأ المحاسبة «عالقرش» بعده «لكل من تُسوّل له نفسه» مدّ يده على المال العام.
سُنّ هذا القانون عندما التفت وتنبّه المعنيون بعد تناس أو تغاضٍ لدى ظهور «النِعَم» فجأة على هذا أو ذاك ممَّن دخلوا «جنّة» السلطة، او الإدارة، الى درجة أنّ اللبنانيين صاروا يلاحظون كيف أنّ مَن كان «كحياناً» في الامس بات ثرياً فجأة في اليوم التالي او بعد حين، منازل وعقارات ومصالح وسيارات فارهة و… و… من دون ان يسأله أحد «من أين لك هذا»؟
اصحاب «النعم» تكاثروا ويتكاثرون اكثر مما كانوا قبل صدور قانون الاثراء غير المشروع، فإذا بهذا القانون يصبح مقلوباً، ليُصبح «قانون الاثراء المشروع» فمن بات ثرياً هو موظف في هذا المرفق او ذاك، وأساليب «كسب» المال متنوّعة وحسب نوعية المرفق والوظيفة… ولا من حسيب هنا او رقيب…
لم يشهد اللبنانيون منذ صدور القانون أنّ أحداً خرج من وظيفة وخضع لمساءلة عمّا هو عليه من «نعمة»… ولكن حتى الآن يتسابق مَن يُعيّنون في منصب او في موقع إداري الى تقديم تصاريح عن ممتلكاتهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة الى الإدارة المختصّة، وفي الوقت نفسه خرج كثيرون من الوظيفة الى التقاعد، والى «المعاش» (حسب تعبير الأشقاء المصريين)، ولم تبادر هذه الإدارة المولجة بتنفيذ قانون الاثراء غير المشروع الى الطلب منهم تقديم تصاريح جديدة بممتلكاتهم لمقارنتها بتصاريحهم الأولى التي قدموها عند توليهم الوظيفة، حتى يبنى على الشيء مقتضاه تنويهاً او حساباً.
إن الله يرزق مَن يشاء بغير حساب، ولكنه بالتأكيد يرزق الحلال، ولكن من سوّلت له نفسه السطو على المال العام هو في العرف الوضعي والشرعي لصّ سطا على «مال وقفي» لأنه مال مُلكُ الجماعة وليس مُلك شخص بعينه.
معروفة هي مقادير أجور الموظفين في الدولة من أعلى الوظائف الى أصغرها، وهي في ظل الحال اليوم بالكاد تسد الرمق، فمن اين جاءت لبعض الموظفين الحاليين او السابقين، الصغار منهم او الكبار، تلك النِعم، أمن شحٍّ؟ أم من حرام؟ وهل من جهة سألت أياً منهم من اين له هذا؟
كثيرون كانوا معروفين بمستواهم المادي المتدني تولوا مناصب او وظائف في الفئة الاولى او ما دون، خصوصاً في «الإدارات الدسمة»، وخرجوا منها وهم فقيري الحال، ويندر أيضاً أن مقاولاً نفذ مشروعاً انمائياً للدولة وقبل بـ»عدل الله» أجراً، بل لزّمه باطناً وخارجاً ومن هالك الى مالك ليرسو في النهاية على سعر ادنى بكثير من السعر الذي التزمه على أساسه المتعهد الاول.
ففي هذه الحال «كلّو بيوكل» (وفق لهجة بعض الأخوة الفلسطينيين)، ولكن لا يأكلها في النهاية إلّا خزينة الدولة التي ينبغي أن تلزم هذا المشروع وفق كلفته الفعلية لا الكلمة المضخمة، وذلك بفعل تزوير هنا وتواطؤ بعض الموظفين هناك، «ومرقو المشروع يا شباب وحصتكم محفوظة»، وبعدها يأكلها المكلف اللبناني مزيداً من الضرائب والرسوم، فيما حجم الدين وخدمته يتعاظمان والحبل على الجرار، ويُخشى أن يكون الدين قد بدأ يقترب من عتبة المئة مليار دولار…
وبعد… يسألون من أين للبنان هذا؟ وهل من يستعيد له ماله المسروق بسؤال السارقين: من أين لهم هذا؟