كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
أيّاً كانت النتائج التي انتهى إليها لقاء رئيس مجلس النواب نبيه برّي والرئيس سعد الحريري، فقد بات ثابتاً أنّ الحلم بمقاربة جديدة للإستحقاق الرئاسي قد سقط من لائحة إنجازات «ثلاثية الحوار». فكلّ التطوّرات الداخلية تُعزّز هذا التوجّه، فكيف إذا أضيفت إليها التردّدات السلبية التي أنتجتها التطوّرات من سوريا الى اليمن وصولاً الى موسكو وواشنطن. وإن غابت الرئاسة، بماذا سيملأ برّي الأيام الثلاثة؟قد تكون المرّة الأولى التي لم يُقدّم فيها أحد من القادة والأقطاب اللبنانيين المدعوّين الى سلسلة جلسات الحوار أيَّ مسعى أو يقود تحرّكاً بحجم الرهان الذي بنيَ عليها. ولم يَظهر أنّ أيّاً من المدعوّين قد أعدّ العدة لحدثٍ إستثنائي على رغم تحديد صاحب الدعوة في سلّته المقترحة جدول أعمالها بما يملأ الوقت بأيامها الثلاثة.
لقد كان برّي واضحاً عندما حدَّد جدولَ الأعمال بسلّة كاملة ومتكاملة تُعقد حولها تسوية واحدة لا تتجزّأ. وإن أقرّ برّي في غير مناسبة أنّ أولى الخطوات التنفيذية ستكون بإنتخاب رئيس الجمهورية لكنّه أبقاها مشروطة بالتفاهم المسبَق على كامل بنود السلة التي تضمّ الرئيس وقانوناً جديداً للإنتخاب وهوية رئيس الحكومة والتركيبة الحكومية وبيانها الوزاري بعناوينه الكبرى وصولاً الى التعيينات في المواقع الرئيسة والى ما هنالك من مستلزمات إعادة بناء الدولة المهدّدة بالسقوط وإحياء المؤسسات لتنتظم العلاقات وفق الأسس القانونية والدستورية.
وعلى عكس ما كان منتظراً عند توجيه الدعوة، لم يُظهِر المدعوّون أيّ إشارة أو مبادرة تبشر بإمكان التفاهم على أيٍّ من بنود السلة المقترَحة. بل على العكس فقد تواصلت بياناتُ النعي وترجمَتها المواقف والتطورات التي تُوحي بأنّ «ثلاثية الحوار» ستكون محطة عابرة في مسلسل مشاريع الحلول من دون أن تترك أثراً يوحي بإمكان تحقيق أيّ تفاهم على خريطة طريق تخرِج البلد من المآزق التي يعيشها على أكثر من مستوى.
وما عزَّز فقدان الأمل بأيّ مبادرة إيجابية، يكمن في توجيه المرشح الرئاسي رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية قبل أيام رسالة واضحة الى المتحاورين أكد فيها بكلّ ثقة أنه باقٍ في حلبة السباق الرئاسي ما لم يتمّ التوافق على رئيسٍ تجمع عليه أكثرية اللبنانيين رغم معرفته باستحالة الوصول الى هذه المرحلة.
وفي الوقت الذي كان بعض الأطراف يناقش خلفيات موقف فرنجية واختياره مقرّ جلسات الحوار، أي عين التينة، لتوجيه الرسالة والبحث عن موقف ودور صاحب البيت، جاء خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي خصَّصه للقضايا الإقليمية والصراع في اليمن وسوريا من دون أن يقارب الإستحقاق الرئاسي ولو بكلمة واحدة، ليزيد الطين بلة.
واكتمل المشهدُ المتوتر بردّ الحريري عليه، لذلك لم يعد سهلاً ترقب أيّ خطوة جديدة ما لم يكن لدى برّي جديد يضيفه على دعوته السابقة، فيخرِج الجلسات المرتقبة من دائرة الفشل قبل الدخول اليها.
وأمام هذا الواقع الصعب، يعترف المراقبون بصعوبة موقع برّي وموقفه، ويتساءلون من أين سيأتي بـ«أرنب الحلّ». فالظروف الإقليمية تزيد من صعوبة ترقّب أيّ إنجاز، لا بل تعوقه وتُهدّد بالعكس تماماً.
فكلّ التقارير الواردة من العواصم المؤثرة في الإستحقاق الرئاسي تعبق بالسلبية، فما تركته العمليات العسكرية في حلب وريفها وصولاً الى الحصار المفروض عليها من ردات فعل تُنذر بالأسوأ وصولاً الى بدايات التوتر بين العاصمتين الروسية والأميركية اللتين ترعيان مشاريع الحلول السلمية في سوريا.
وهو ما إنعكس في الوقت عينه على بقية الأطراف المتورطين في الأزمة السورية بمزيدٍ من التهديدات المتبادَلة، وهو ما عكسته المواقف المحتدمة في بيروت وتحديداً بين الضاحية الجنوبية و«بيت الوسط» على وقع الحديث المتنامي عن توتّر شديد قد يفضي الى سقوط التفاهمات السابقة التي صاغها مهندسا الحلول الوزيران سيرغي لافروف وجون كيري، عدا عمّا هو منتظر من مواقف سعودية وإيرانية لا تقف عند حدود الأزمة السورية بل تتعداها الى أحداث اليمن والبحرين.
وبناءً على ما تقدم، لم تعد الأوساط السياسية التي تراقب المواقف وتدرك حجم خطورتها ودقتها تستغرب أن تُصاب ثلاثية الحوار بعطب كبير. وفي مثل هذه الأجواء قد لا يتمكن برّي من إطلاق الحوار وفق بنود جدول الأعمال الأساسي وقد يلجأ الى جدول جديد بالقضايا التي يمكن طرحها على المتحاورين، كأن يعطي الأولوية لبعض الملفات الداخلية الآنية لملء الوقت الضائع.
وعليه، تخشى الأوساط من الوصول الى سيناريو دراماتيكي بدأت طلائعه تظهر بوضوح، يُنهي مسلسل الخلوات كما رُسم لها قبل بدئها. ويعتقد أصحاب هذا السيناريو أنه لم يعد أمام برّي بدّاً من اللجوء الى مخرج يقضي بتجاوز مضمون السلّة طالما أنّ مقاربة ملفَي انتخاب الرئيس وقانون الإنتخاب صعبة ومستحيلة، فيدعو الى إعطاء الجهود المبذولة مزيداً من الوقت لمقاربتهما.
ويدعو عندها المتحاورين الى التواضع والبحث في بعض الخطوات والقرارات المطلوبة من الحكم والحكومة، فيطرح مقاربة جديدة لإحياء العمل الحكومي من خلال التفاهم على مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2017 والتعيينات العسكرية على أنها من الإستحقاقات الداخلية المهمة للحفاظ على ما تبقّى من مؤسسات في ظلّ الفشل في مقاربة الملفات الأخرى.