كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
طيف التفاؤل لا يغيب عن سماء الرابية وربما هذا ما يفسّر الصمت المدوّي لميشال عون.
وحين تحضر الايجابيات في الرابية تغيب السلبيات الى حدّ قراءة الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله بكثير من «الارتياح»، والرهان على ان الرئاسة باتت أقرب من أي وقت كان الى درجة تصبح فيه جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الرقم 35 في الثامن من آب المقبل محطة لتفاؤل أكبر برؤية ميشال عون في قصر بعبدا!
خلافا لـ «الشائع» فإن المسار الرئاسي، بمفهوم الرابية، منفصل عن الخلوة الحوارية، وإن كان هناك ترابط بالمضمون، إذ إن القوى السياسية المتحلقة من حول طاولة الحوار هي نفسها المؤثّرة في الملف الرئاسي.
بتقدير عون، فان الخلوة، بأيامها الثلاثة وسلتها المتكاملة، تمّت الدعوة اليها لتبرير الفراغ الحواري طوال شهر تموز. خلال هذه المهلة الفاصلة عن آب، حصلت «تطورات سياسية نوعية»، رأى البعض انها قد تنضج خلال «ثلاثية الحوار».
أما الموقف العوني فواضح: الرابية في أجواء جدول أعمال الخلوة وما يمكن أن يطرأ من خارجه، بعكس الرئيس فؤاد السنيورة الذي أوحى انه لم يعرف بالضبط ما هو جدول الاعمال!
الخلوة يمكن أن تصل الى نتيجة ما في الشأن الرئاسي ويمكن ان تفشل، لكن المعيار ليس الرابع من آب تاريخ انتهاء جلسات الحوار، اذا لم تختصر، إنما الفترة الفاصلة عن الترجمة الفعلية لما تصفه الرابية «بالحلحلة وليس الحل».
الحلحلة المقصودة تشير اليها أوساط وثيقة الصلة بعون بالآتي: الانفتاح السعودي على عون، الاتفاق النفطي والغازي مع الرئيس نبيه بري، التقدّم في موقف وليد جنبلاط المؤيد لترشيح عون، انتقال النقاش الرئاسي الى داخل «تيار المستقبل»، ووضع بعض الافرقاء السياسيين منهم الرئيس سعد الحريري ونهاد المشنوق مهلا زمنية لانتخاب رئيس الجمهورية… كل ذلك من دون رهان على تطورات الخارج «التي يتكئ عليها خصومنا وليس فريقنا، ولأن الهامش اللبناني الداخلي كاف لاتمام الاستحقاقات الداهمة».
ولا يبدو، وفق أوساط الرابية، ان كلام السيد حسن نصرالله الاخير، والذي اتخذ منحى انتقاديا حادا بوجه السعودية، قد يعرقل تفاهمات الداخل، او قد يُعَرِّض «تيار المستقبل» الى ضغط يعيد الامور الى نقطة الصفر.
تقول الأوساط عينها: «لا علاقة لهذا التصعيد بملف الرئاسة إلا إذا كان ثمّة من يعتبر ان «المستقبل» صنيعة سعودية خالصة تأتمر مباشرة بأوامر المملكة، وهذا الاتهام لا يرتضيه أصلا سعد الحريري».
أكثر من ذلك، تابعت الرابية، في الماضي أكثر من جولة توتر بين الحزب و «المملكة»، «لكن أحيانا في النهار نفسه كنا نرى «المستقبل» و «حزب الله» يواصلان جولات الحوار الثنائي من دون أي مؤثرات سلبية ضاغطة. كما ان هذا التصعيد قد يكون مفيدا لتظهير خطورة المرحلة في حال لم يقتنع أولياء الازمة بالحل الرئاسي المطروح».
والقراءة لدى «الجنرال» تجنح أكثر باتجاه التركيز على المتطلّبات الحياتية والمعيشية التي أثارها السيد نصرالله في خطابه «فيما البعض لم يدرك مغزى هذه الرسائل التي تعني ان هذه السلطة لم تعد قابلة للاستمرار و «حزب الله»، بما يمثل، على وشك الانتقال من الحيادية في القضايا المطلبية الى الانخراط فيها، ما يعني الانغماس أكثر في مشروع تغيير السلطة انطلاقا من المسائل المطلبية، وهذا يصبّ في إطار اقناع من لم يقتنع بعد بأن انتخاب الرئيس بات حاجة أكثر من ملحة».
أكثر من ذلك، تشير الأوساط الى تطرّق نصرالله، من ضمن قراءته لاعادة بناء الدولة، الى عدم موافقته «على زيادة قرش واحد على الضريبة على القيمة المضافة، مهما كانت المبررات والاعذار والأسباب»، وهذا ما يعتبر «رسالة مرمّزة ترتبط مباشرة بموضوع الترشيحات الرئاسية»، لأنه معروفٌ اي فريق يتبنّى زيادة الضريبة ومن هو المرشح الرئاسي لهذا الفريق!
حتى ان استعجال الرئيس بري استقبال سليمان فرنجية بعد عودته من الخارج وإصرار الاخير على تمسّكه بترشيحه من عين التينة لا يُقرأ في الرابية إلا بمنحاه الايجابي: «كل هذا المشهد تمهيد لانضاج الاستحقاقات. نحن نعرف كيف نقرأ الكلام ونعرف الاشخاص؛ وحين يقول فرنجية ان الحريري لن يغير رأيه من دون استشارة من تفاهم معهم، فهذا كلام ايجابي ويتلاقى حتى مع كلام بري حين علّق فور عودته من الخارج قائلا: «ظننت ان عون صار رئيسا وفعلوها في غيابي»، وهذا ما يطمئننا إلى ان هذا الاستحقاق لا يتمّ إلا بعد الاتفاق مع بري والمعنيين»!.
وفق قناعات الرابية يستحيل الوصول الى ربيع 2017 من دون حسم الاستحقاقات: إما الرئاسة وإما قانون الانتخاب. عدم حصول الامرَين لا يعني سوى الدخول في الفوضى.
وإذا ما وضعنا الانتخابات النيابية ربيع العام المقبل (تاريخ انتهاء ولاية مجلس النواب الممدّدة في 20 حزيران 2017) كمحطة فاصلة يستحيل تجاوزها، لوضع قانون انتخابي جديد يحيل «الستين» الى «مزبلة التاريخ»، فإن محيط عون يستعجل تنبيه المعنيين الى المهل الضاغطة التي تسبق هذا التاريخ.
رمضان العام المقبل سيحلّ باكرا، وهذا ما سيدفع باتجاه تقديم موعد الانتخابات النيابية أقلّه نحو 20 يوما بحيث يمكن ان تجرى في أواخر نيسان. ودعوة الهيئات الناخبة يجب ان تحصل قبل 90 يوما من موعد فتح الصناديق. وإذا ما تمّ التسليم بأن العقد الاستثنائي لمجلس النواب سيفتح في كانون الثاني من العام المقبل خصيصا للموازنة العامة، فهذا يعني ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية او إقرار قانون الانتخاب في العقد العادي (يبدأ منتصف آذار) وهذا يعني بعد أسابيع قليلة.
برأي الرابية، باتت الاستحقاقات ملحّة وضاغطة، ومنطق تطوّر الأحداث هو الذي يفرض المهل، والرؤية واضحة: إذا لم يتمّ انتخاب رئيس الجمهورية، واسمه ميشال عون، في القريب العاجل، وإذا أعلن الفشل في إقرار قانون الانتخاب، فان الذهاب صار حتميا نحو المجهول.
وبوصلة رئيس مجلس النواب تشكّل خير دليل على كلام أهل الرابية. «فالرئيس نبيه، الاكثر حرصا على الصيغة والنظام، يبشّر بثورة شعبية في حال الابقاء على قانون الستين، ورفضُ السلّة برأيه هو دفعٌ باتجاه المؤتمر التأسيسي».