كتبت آمال خليل في صحيفة “الأخبار”:
آخر الوعود لمستشفى صيدا الحكومي، أمس، أن وزارة الصحة ستحول في الأيام المقبلة نحو 570 مليون ليرة لدفع جزء من الرواتب المتأخرة منذ ثمانية أشهر. لا خبر عن تحويل المساهمات التشغيلية الشهرية لمستشفى الفقراء. كل الأخبار لدى المستشفى التركي الذي سعى عرّابه، تيار المستقبل، لتحويله إلى مستشفى شامل تابع لبلدية صيدا.
قبل أيام، استقبل الرئيس فؤاد السنيورة مدير مستشفى صيدا الحكومي أحمد الصمدي، الذي عرض له الأزمة المالية التي يعاني منها المستشفى، منذ أن أوقفت وزارة الصحة قبل ثمانية أشهر تحويل رواتب الموظفين والعمال ومساهماتها التشغيلية الشهرية.
بعد ذلك، زار الصمدي وزير الصحة وائل أبو فاعور للغرض ذاته، ووعد الأخير بتحويل 570 مليون ليرة بخلال أيام لدفع رواتب 300 موظف وعامل. إلا أن رئيس لجنة موظفي وعمال المستشفى خليل كاعين، أكّد لـ”الأخبار” أن المبلغ يكفي لدفع أجور شهر ونصف شهر.
ليس موظفو صيدا الحكومي وحدهم تتأخر رواتبهم منذ أشهر. في بعض مستشفيات الشمال لم يقبضوا منذ ثمانية أشهر، وفي بعبدا منذ خمسة أشهر، وفي حاصبيا منذ ثلاثة أشهر. لكن ما يزيد الطين بلة في صيدا أن المساهمة التشغيلية محجوبة عنه منذ ثمانية أشهر أيضاً، فيما تتلقى مستشفيات أخرى حقوقها التشغيلية (حوّل الشهر الماضي إلى بيروت الحكومي عشرة مليارات ليرة، وإلى حاصبيا الحكومي 500 مليون، علماً بأن “صيدا الحكومي” هو الثالث في لبنان بعد مستشفيي بيروت وطرابلس الحكوميين لناحية الحجم والاستيعاب.
بحسب مصادر متابعة، “القصة عالقة بين وزارتي الصحة والمال”. لكن السائد في صيدا أن المستشفى مغيّب عن الخريطة الصحية منذ افتتاحه عام 2006 بسبب حسبانه على فريق سياسي. فبعد عام من خسارة تيار المستقبل وحلفائه بلدية صيدا أمام التنظيم الشعبي الناصري وحلفائه، تلقى ضربته الثانية بتعيين علي عبد الجواد رئيساً لمجلس إدارة المستشفى الذي أنجز تشييده عام 1998 ولم يشغّل. وزير الصحة الأسبق محمد جواد خليفة، حدد السقف المالي الشهري للمساهمة التشغيلية بـ79 مليون ليرة. ورغم ارتفاع عدد الأسرّة إلى 150، لم يرتفع السقف كثيراً، ما أدى إلى تراكم الديون حتى وصلت أخيراً إلى نحو 13 مليار ليرة. وأشار كاعين إلى أن أي تحويل مالي تحسم منه الوزارة 20 في المئة لتسديد تلك الديون.
انتقال وصاية الصحة من حركة أمل (خليفة ثم علي حسن خليل) إلى الحزب التقدمي الاشتراكي (أبو فاعور)، لم يبدّل أحواله. فالضغوط السياسية والحصار المالي طوّقا مجلس الإدارة خصوصاً بعد استعادة “المستقبل” البلدية. الضغوط أدت إلى استقالة المجلس لتنتقل إدارة المستشفى إلى الانتداب الحريري. بإشراف النائبة بهية الحريري، تشكلت لجنة إدارة إنقاذية سداسية برئاسة هشام قدورة وعضوية مستقبليين آخرين واثنين يمثلان حركة أمل وسادس يمثل المسيحيين. وعود الحريري بضم المستشفى إلى الخريطة الصحية وتحويل مبلغ ستة مليارات ليرة له لم تتحقق. أشهر مرت من دون تحويل المساهمة والرواتب، ما دفع قدورة إلى الاستقالة. ومنذ تسلُّم الصمدي خلفاً له قبل أربعة أشهر، بقي الوضع على حاله.
سياسة تفريغ “صيدا الحكومي” ودفعه إلى الانهيار البطيء، تقابله جهود متسارعة لافتتاح المستشفى التركي. قبل شهر، التقى أبو فاعور والسنيورة والحريري والسفير التركي أرجياس تشاغاتي في المستشفى لبحث سبل تشغيله قريباً. رئيس بلدية صيدا ورئيس اللجنة المشرفة على المستشفى حتى افتتاحه محمد السعودي، أوضح لـ”الأخبار” أن وزير الصحة وعد بإرسال فريق من الوزارة للكشف على أقسام المستشفى وتجهيزاته ووضع خطة تقريبية لحجم المبالغ المالية التي يحتاجها للبدء بالتشغيل والاستمرار. واستناداً إلى دراسة أجرتها الجامعة الأميركية بتكليف من البلدية، طلب السعودي تحويل سبعة ملايين دولار للبدء بالتشغيل. إلا أن أبو فاعور حدد قدرة الوزارة المالية في الوقت الراهن بمليوني دولار، يحوّل نصفها فوراً والنصف الثاني نهاية العام الجاري.
حالياً، تقف العقبة المالية أمام تشغيل “التركي”. في السابق، كان الخلاف بين البلدية والصحة على مرجعيته. وبحسب موقع السنيورة الإلكتروني، فإن الهبة التي قدمتها حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان لبناء مستشفى تخصصي للحروق والصدمات في صيدا، “جاءت بجهود حثيثة وشخصية منه طوال سنتين، إلى أن وُضع الحجر الأساس في 2009”. العقار الذي شيد فوقه تبرعت به بلدية عبد الرحمن البزري. من هنا، طالب “المستقبل” عبر البلدية بأن يكون “التركي” تابعاً لها، على أن “يصار إلى الاتفاق مع مؤسسة جامعية متخصصة تتولى إدارته” كما جاء في بيان السنيورة. لكن كان للوزيرين خليفة وخليل رأي آخر، في ظل الخلاف الذي استعر بين الرئيس نبيه بري والمستقبل، ولا سيما مع السنيورة. أصرت البلدية على إعلان استقلال “التركي” عن الصحة، في مقابل إصرار الوزيرين على عدم منحها الإذن. بعد انتقال وزارة الصحة إلى “الاشتراكي”، تغيرت الحال. أظهرت البلدية ليونة في أن يتبع “التركي” للصحة. بدأت المشاورات بين أبو فاعور والحريري والسنيورة على الدعم المالي، في إطار أن المستشفى تابع للوزارة ويتلقى تمويله منها. “أمل” لم تستغنِ عن حصتها. في اللجنة المشرفة عليه حالياً، حجزت مقعدين مثلها فيهما خليفة والنائب ميشال موسى في مقابل أربعة أعضاء للمستقبل، منهم مدير المستشفى غسان دغمان. فرج “التركي” بات قريباً. دراسة “الأميركية” أوصت بتحويله إلى مستشفى طبي شامل (لا متخصص بالحروق والصدمات وحسب)، وزيادة عدد الأسرّة. اللجنة المشرفة عليه افتتحت حساباً باسمه في مصرف لبنان. أما الفقراء فما عليهم إلا الصبر حتى “تُفرج” على مستشفاهم.