شدد الرئيس ميشال سليمان على “ضرورة فصل الرئاسة عن سائر الملفات المطروحة أيا كانت أهميتها، كون رئاسة الجمهورية هي أولوية الأولويات وتحتاج إلى بذل كل الجهود لإنقاذها بعيدا من أي تعطيل أو التفاف بالتذاكي عليها”، مؤكدا ان “مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس منذ العام 2004 على قاعدة “أنا أو الفراغ” ليست حقا دستوريا، بقدر ما هي “المسمار الاخير” في نعش الدستور، ومسؤولية وطنية سيذكرها التاريخ كما ذكر سابقاتها”.
سليمان، وبعد اجتماع “لقاء الجمهورية”، اعتبر ان “الوقت حان لكي يعلم القاصي والداني ان من ينتهك الدستور ويخالف الاصول الديمقراطية، لا يمكنه بناء دولة ولا القيام بإصلاحات”، سائلا “كيف يمكن لمن لا يطبق القوانين ويحترم الدستور، سن قوانين جديدة؟”.
وأكد اللقاء ان “انتخاب رئيس الجمهورية تحت قبة البرلمان هو المعبر الميثاقي الآمن لاتمام التعيينات المطلوبة، كما الاصلاحات واستكمال تطبيق الطائف وإقرار قانون الانتخاب وإنشاء مجلس الشيوخ، ومن بين كل هذه الملفات الشائكة، لا يزال النزول إلى المجلس والاحتكام إلى ديمقراطية “الرابح والخاسر” أسهل بكثير من إقرار أي من الملفات الأخرى”.
وتقدم “لقاء الجمهورية” من “النواب الكرام والرأي العام باقتراح قانون انتخابي يعتمد المحافظة والنسبية المطلقة والصوت التفضيلي ضمن الدائرة”، آملا “مناقشته وإقراره بعد انتخاب رئيس الجمهورية في حال توافقت عليه القوى السياسية”.
نص المشروع
وجاء في مشروع القانون الإنتخابي الذي يعتمد المحافظة والنسبية المطلقة:
“الكلام على الانتخابات النيابية، يعني حصرا النظام الديمقراطي الذي يقوم على مبدأ سيادة الأمة وعلى اختيار الشعب حكامه بنفسه.
والقول بالنظام الديمقراطي، يستوجب تبيان أهم أركان هذا النظام وهي:
سيادة الشعب، العدل والمساواة، الحرية الفردية والكرامة الإنسانية.
وهي أركان لا تتأمن إلا بالانتخابات الحرة، إي بالتعبير التجسيدي الصادق لإرادة الشعب على أنها مصدر السلطة الحاكمة، وقد نصت الدساتير التي اعتمدت الأنظمة الديمقراطية على أن “السلطة لا تكون شرعية إلا إذا كانت وليدة الإرادة العامة”، مثلما لحظت مقدمة الدستور اللبناني في الفقرة “د”، “أن الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية”.
وإذا كان لكل مجتمع طبيعة وصفات وخصائص، فمن المحتم أن يكون نظامه العام متآلفا مع خصائصه، وإلا فقد يصبح مجتمعا معرضا للهزات والانتفاضات، أو راضخا تحت هيمنة الحاكم الجائر.
ولبنان الذي يتميز بصيغة فريدة تقوم على التوازن والتنوع الحضاري، فإن النظام الديمقراطي المنزه عن الشوائب والتشويه، هو الذي يحقق فيه العدالة والمساواة بين سائر الفئات، ويشكل صمام أمان للعيش المشترك، ويحصن الاستقرار الأمني والمناخ السياسي، كما تقول الفقرة “ي” من مقدمة الدستور “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”.
لقد أدى اختلال القوانين الانتخابية التي وضعت لدورات ما بعد الطائف الى إطاحة القواعد الإنتخابية وأهدافها، من سيادة الشعب، الى التنوع والتوازن والعدالة والمساواة، وسددت الى العيش المشترك وهو غير معافى، إصابات، وفي هبوط السلطة الإشتراعية على سلطة الشعب بإرادة فوقية ضاغطة، وبما هو أشبه بالتعيين الإنتخابي.
ان الدورات الانتخابية المتلاحقة التي جرت بعد اتفاق الطائف دلت التجربة فيها على انها تؤدي الى:
أ – نقيض ما تتوخاه الديمقراطية من الانتخابات، وهو حكم جمهور الشعب دون تمييز، بل بدت وتبدو كأن قسما من الشعب يحكم قسما آخر.
ب – قانون قهري، تخضع الحرية فيه الى تحكم الضرورة، فيحل محل “الانتخاب الإرادي”، ما يعرف “بالانتخاب الطبيعي” الذي يحافظ على بقاء سيطرة النفوذ وسطوة الهيمنة.
ج – الحؤول دون وصول جيل واعد يشكل طبقة سياسية متجددة تؤمن تداول السلطة الذي هو أساس الممارسة الديمقراطية.
ه – توراث الفساد السياسي والإداري عبر استمرار الطبقة السياسية نفسها، واستبعاد أصحاب الأهلية والكفاية: “وإن أثقل مصائب الناس أن يقصى فضلاؤهم عن الأحكام”، كما يقول أفلاطون في كتاب جمهوريته.
الدائرة الكبرى والدائرة القضاء والقضائين
في استفحال الأحزاب الطائفية، ومع استبعاد الدائرة الفردية التي تحد من نطاق المشاركة، فإن الدائرة الكبرى على أساس لبنان دائرة إنتخابية واحدة من شأنها أن تحدث خللا في التوازنات، ما يعزز ضرورة اعتماد النظام النسبي على ان تعتمد الدائرة الفردية أو ما عرف بالقانون الأرثوذوكسي لإنشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية بالتساوي، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار تطبيق اللامركزية الادارية الموسعة التي تنتخب فيها مجالس الأقضية من قبل ناخبي الدائرة.
الدائرة القضاء أو القضاءان
أما ما سمي بقانون القضاء، مع ما رافقه من إشكالية حول ما هو قضاء إداري وما هو دائرة إنتخابية تضم قضائين على غرار (بعلبك – الهرمل) مثلا، فإن هو حقق بعض الفرص من حيث التمثيل، إلا أنه يباعد بين فرص المساواة المدنية بين المرشحين والمقترعين، بسبب التباين الفادح أحيانا بين قضاء وآخر لجهة عدد الناخبين وعدد المرشحين على السواء.
والمساواة المدنية التي تستند الى القانون الطبيعي والى العقد الاجتماعي هي التي تساوي بين جميع الأفراد في تمتعهم بالحقوق والتزامهم بالواجبات.
ومقدمة الدستور اللبناني الفقرة “ج” تؤكد على “العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دونما تمايز أو تفضيل”.
فالقضاء كدائرة انتخابية لا يحقق الشروط الكاملة للمساواة في الدوائر، كما في الحقوق والواجبات لا بين المرشحين ولا بين الناخبين. كما أن المجلس الدستوري اللبناني كان قرر “أن قانون الانتخاب يجب أن يكون واحدا لجميع المواطنين انطلاقا من مبدأ إعطاء كل صوت القيمة الاقتراعية عينها في مختلف الدوائر الانتخابية ومن خلال المساواة في تقسيم هذه الدوائر”.
الدائرة المحافظة
يستخلص مما تقدم أن المحافظة مع النسبية هي الدائرة الانتخابية الأفضل في المرحلة الراهنة التي تراعي خصائص لبنان وتحقق الغاية الانتخابية والشراكة الوطنية انسجاما مع اتفاق الطائف، وهي تتميز بأنها:
1-تؤمن تمثيلا نيابيا متكافئا، وتتيح التفاعل الديمقراطي في معزل عن الضغوط والمؤثرات.
2-تحقق المساواة في الحقوق والواجبات وتراعي موجبات الدستور في إعطاء كل صوت القيمة الاقتراعية عينها في الدوائر الانتخابية المتساوية، على قاعدة تتيح للمقترع ان يختار لائحة مقفلة ويمنح صوته التفضيلي حصرا لمرشح من دائرته (القضاء الاداري).
3-تفسح المجال واسعا أمام تمثيل سائر التيارات والتوجهات السياسية وتخلق تنوعا نيابيا تنبثق منه إئتلافات وتكتلات برلمانية متحررة (قرار المجلس الدستوري بالإجماع الرقم: 4/96/ تاريخ 7/8/1996) ومتحركة تطلق عجلة المجلس النيابي عند الإنكماش التشريعي أو الالتباس الدستوري.
4-تجعل المجلس النيابي أكثر انسجاما مع التطلعات الشعبية والتوجهات الوطنية من خلال تنوع الأكثرية والأقلية، وتحقق المراقبة والمحاسبة والقدر المقبول من الإنتاجية.
خلاصة
لأن المشاريع الانتخابية المطروحة بدت كأن كلا منها يستهدف مأربا خاصا، أو مراعاة خصوصية فريق على حساب فريق. ولأن بعضا منها راح يلجأ الى اجتهادات للتوفيق في الحصص بين القانون النسبي والقانون الأكثري بما يشكل مراوحة مع كل ما يحمل القانون المختلط من تعقيدات في الاستيعاب والتطبيق. وفي ظل الخلاف على تقسيمات الدوائر الواردة في مشروع القانون النسبي الذي رفعته الحكومة (13 دائرة).
ولأن تعذر الإتفاق على أيٍ من هذه المشاريع المتضاربة بات يشكل عقدة محورية في الانشقاق السياسي وينذر بتكرار التمديد للمجلس النيابي أو باللجوء الى قانون 1960 المعمول به.
ولأن قانون الانتخابات الذي يجسد إرادة الشعب ويتنزه عن العيوب، هو الذي ينتج سلطة اشتراعية مسؤولة تدرأ عن لبنان دوامة الأزمات الدستورية والوطنية، وتنقذه من خطر تحويل الصراع “من صراع في النظام الى صراع على النظام”، وتنتشل المصير الغارق في المعاناة الى منفسح المعافاة.
لذلك، وبوحي من ضرورة وطنية حتمية نرى أن تنصهر الخصوصيات الانتخابية الذاتية في إطار الخصوصية الوطنية العامة عبر قانون يحقق القدر الممكن من إعطاء كل صوت القيمة الإقتراعية نفسها في اعتماد:
أ – المحافظة دائرة انتخابية واحدة (يفضل اعتماد المحافظات التقليدية أو دراسة تقسيم جديد للمحافظات وفقا لما ورد في وثيقة الوفاق الوطني).
ب – تطبيق النسبية المطلقة في كل من المحافظات الدوائر.
ج – الابقاء على توزيع المقاعد كما هي عليه في القانون الحالي بحسب الدوائر المعتمدة.
د – اعتماد اللائحة المقفلة والمكتملة على ان لا يتدنى عدد المرشحين من أحد الجنسين نسبة ال%20.
ه – إعطاء المقترع حق تفضيل مرشح واحد من اللائحة التي يختارها، من ضمن دارته الانتخابية (القضاء الإداري).
و – إعتماد سن الـ18 للانتخاب ودراسة تخفيض سن الترشح في الدوارات اللاحقة.
ز – تخصيص دائرة للانتشار اللبناني قوامها ستة مقاعد على أساس المناصفة الطائفية غير المذهبية، ليصبح عدد النواب الاجمالي 134 نائبا.
من الممكن اعتماد الاصلاحات والتقنيات الواردة في مشروع القانون الإنتخابي الموجه الى المجلس النيابي من حكومة دولة الرئيس نجيب ميقاتي في عهد الرئيس ميشال سليمان، والتي تتوافق معها الإصلاحات الواردة في مشروع الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب لجهة الآلية الإنتخابية ونظام الإقتراع”.