كتب عمار نعمة في صحيفة “السفير”:
ربما تكون واحدة من أكثر المراحل دقة في تاريخ «الحزب السوري القومي الاجتماعي».
يعود ذلك إلى تحدي معركة الوجود التي يخوضها القوميون الى جانب النظام في سوريا المهددة بوحدتها في ظل أزمتها المفتوحة منذ خمس سنوات ونيف. يعتبر القوميون معركة سوريا «مصيرية للمنطقة كلها»، وبالتالي، أي استهداف للنظام سيرتد سلبا على القوميين في سوريا ولبنان وباقي الدول التي يتواجدون فيها في المنطقة.
وقد ألقت معركة سوريا طيفها على الاستحقاق الداخلي للحزب المتمثل في انتخاباته الرئاسية التي سيجريها المجلس الأعلى اليوم.
حاولت القيادة المنتهية ولايتها، التمديد لنفسها بمبررات عدة، بينها تحديات المعركة السورية، الأمر الذي أثار معارضة داخلية فرضت بقرار قضائي داخلي، إبطال انتخاب أسعد حردان رئيسا وإلزام المجلس الأعلى بانتخابات رئاسية جديدة.
انشقاقات.. ومراجعة
منذ استشهاد المؤسس أنطون سعادة في العام 1949، واجه الحزب سلسلة من المصاعب الداخلية التي ألقت بظلالها على مسيرته منذ ذلك الحين.
ويشير قيادي حزبي شارك في مراحل مختلفة من تاريخ الحزب منذ السبعينيات، الى أن الصراعات الداخلية هي نتاج طبيعي لتباين وجهات النظر داخل أي حزب، لكن تأطيرها كان غائبا، بمعنى آخر، ان حلها في إطار الديموقراطية الداخلية كان هو الغائب، وهي سمة عامة في الأحزاب اللبنانية والعربية.
اتخذت الخلافات في الحزب بعد غياب سعادة منحى صدامياً، خصوصاً بين القياديين التاريخيين جورج عبد المسيح وعصام المحايري، «وقد تمكن عبد المسيح من السيطرة على الحزب بعد فترة من الصراع مع المحايري، وأدى ذلك الى انفراده بالسلطة» على حد تعبير القيادي التاريخي..
في العام 1955، بعد اغتيال معاون رئيس الأركان السوري عدنان المالكي، تعرّض «القومي» لهجوم شرس من قبل مناوئيه، بالتزامن مع حملة حزبية داخلية اتهمت عبد المسيح بالتورط في عملية اغتيال المالكي.
هنا، حلّت الكارثة الثانية على الحزب. وقد تلت الأولى إعدام سعادة حين تعرض الحزب، الذي انتفض لذلك، الى حملة كبيرة من قبل السلطات اللبنانية. وكان من نتيجة الكارثة الثانية أن انشق عبد المسيح بعد محاكمته في العام 1955، ليستمر الحزب المنشق الذي أقامه حتى اليوم في سوريا ولبنان..
في تلك المرحلة، انحاز الحزب بقيادة المحايري الى المشروع الأميركي في المنطقة في وجه المشروع الاشتراكي والعروبي، وأصبح جزءا من اليمين في وجه اليسار. أما في لبنان، فقد عقد حلفاً مع كميل شمعون، وخاض معاركه في أحداث أو ثورة العام 1958 بوجه كمال جنبلاط وحلفائه.
وقد شهدت تلك المرحلة صعوبات للحزب في المنطقة، توّجت بمحاولة الانقلاب التي قام بها تحت ولاية عبد الله سعادة، ضد حكم الرئيس فؤاد شهاب ليلة رأس السنة في العام 1962. حينها، حلت أكبر الكوارث على الحزب في لبنان وقد تعرض لحملة شاملة من الاعتقالات وزُجّت قياداته في السجون، في الوقت الذي عانى فيه صعوبات مشابهة في سوريا، ولم تقم له قائمة قبل إجرائه المراجعة التاريخية في مؤتمر ملكارت في العام 1969.
في ذلك المؤتمر الذي تلى نكسة حزيران في العام 1967، أعلن الحزب جهارا توجهه نحو اليسار وإيمانه بالكفاح المسلح دعما لقضية فلسطين، وتمت معاقبة منفذي محاولة الانقلاب الفاشلة.
وبعد سنوات قليلة، بدأ العامل السوري يفعل فعله، بعدما استتبت الأمور في سوريا للرئيس حافظ الأسد الذي تولى السلطة فعليا اثر الحركة التصحيحية التي قادها في العام 1970. بدأ النفوذ السوري يتغلغل الى الحزب في لبنان الذي تنازعه تياران، سوري وفلسطيني. ويقول القيادي «القومي» التاريخي إن أسعد حردان كان من القياديين الذين انحازوا الى دمشق منذ بداية السبعينيات، وقد احتفظ بثقة القيادة السورية منذ ذلك الحين.
في السبعينيات، انشق الحزب القومي الى حزبين، قيادة «الطوارئ» برئاسة المحايري، وقيادة «المجلس الاعلى» برئاسة إنعام رعد، قبل أن يتوحد الحزب برئاسة عبد الله سعادة في أواخر السبعينيات.
وكان واضحا أن مجموعة المحايري قد انحازت الى سوريا في وجه مجموعة رعد «الفلسطينية». لكن سوريا، التي باتت تحظى بقوة لا يستهان بها في لبنان بعد تدخلها العسكري في العام 1976، ضغطت على الحزب ليتوحد..
وقد استفاد الحزب من وحدته في فترة الثمانينيات عبر عمله المقاوم البطولي في وجه الاحتلال الإسرائيلي.. لكن الخلافات سرعان ما دبّت من جديد في الحزب مع مقتل عميد الدفاع محمد سليم الذي تلته حالة بلبلة وانقسام بين «الطوارئ» و«المجلس الأعلى»..
هكذا كان ديدن تاريخ الحزب الحافل بالصراعات، كغيره من الأحزاب العربية، وقد كان من قوة سوريا في لبنان أن فرضت الوحدة من جديد، والمستمرة حتى اليوم، في العام 1998، حين توحد جناحا «الطوارئ» و «المجلس الأعلى» «طوعياً»، تحت رئاسة علي قانصو.
من هنا، كان من الواضح أن سوريا كانت اللاعب الأساس في تشكيل تاريخ الحزب، وكان جلياً أنه منذ استتباب وحدة الحزب، أصبح حردان «الرجل القوي» فيه والرجل الأكثر قرباً من سوريا.
الانتخابات.. والوحدة
بينما تتكاثر اليوم وعود المرشحين القوميين للرئاسة بتوحيد الحزب، تبدو هذه الآمال بعيدة عن الواقع. لكن، ينقل قوميون مقربون من سوريا أن مسألة الوحدة هي أمر مطلوب داخليا وخارجيا. وقد أكد الرئيس السوري بشار الأسد، قبل مدة، ذلك في لقاء له مع قيادة الحزب، متمنيا على القوميين أن يوحدوا أجنحتهم في سوريا ولبنان تحت قيادة واحدة.
وقد شدد الأسد على أهمية الدور الذي يضطلع به القوميون في سوريا ضد القوى التكفيرية، الأمر الذي أكسبهم شعبية متزايدة في كل من سوريا ولبنان والأردن والعراق.
وفي جديد استحقاق الانتخابات، أعلن نائب رئيس الحزب توفيق مهنا انسحابه من السباق، وقال في كتاب وجهه الى المجلس الأعلى إن هذه الخطوة جاءت بعد عدم لمسه تقبلاً او تجاوباً مع أساس الفكرة التي بنى عليها ترشيحه وهي فكرة الرئاسة الجامعة. ويعني هذا الأمر ان الرئيس السابق للحزب علي قانصو، الذي لم يقدم ترشيحه حتى يوم أمس، سيكون الأوفر حظاً للرئاسة، بعد أن همس البعض بأن قيادة الحزب سترشحه ليكون وزيرا في الحكومة المقبلة التي ستشكل بعد انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.
وعلى صعيد المرشحين، يشير البعض باستحسان الى ترشح أحمد اصفهاني ومفيد القنطار، وهو أحد أبرز القادة العسكرييين في الحزب خلال فترة الحرب الأهلية، وهو من مؤسسي فصيل «نسور الزوبعة» الى جانب حردان، ومن المعارضين لنهجه منذ عقدين من الزمن.
كما يشير بعض القوميين الى اتصالات يجريها عدد من المسؤولين والأمناء في الحزب بقيادات تحظى باحترام الصف الحزبي وتقديره لإقناعها بالترشح ومنها الرئيس الأسبق للحزب مسعد حجل وحافظ الصايغ.
ثمة محاولة لتفادي معركة انتخابية اليوم، حتى ان المجلس الأعلى الذي ينتخب الرئيس سيقوم بغربلة الأسماء ساعة الانتخاب. وبمراجعة تاريخ انتخاب رؤساء الحزب، يتبين أن الغالبية منهم فازت بالتزكية.
ويتفق الجميع على أن هوية الرئيس المقبل ستأتي وفقاً لتطورات المرحلة، اذ يتم اختيار الشخص الأكثر قدرة للتعامل مع متطلباتها.
ويقول قيادي سابق في الحزب إنه ليس في الحزب معارضة «بل حقوق وواجبات وصلاحيات، والاعتراض على القرارات الحزبية كفلها دستور الحزب وحدد آلياتها». ويصف المعترضين بأنهم «أولاد الحزب»، وأن تحركهم «نابع من قلقهم على حزبهم الذي يكاد يكون الحزب الوحيد في الدول العربية الذي يتم فيه تداول السلطة تداولاً دورياً ومنتظماً، ولكنهم أخطأوا في طريقة تعبيرهم، وأضرّوا بسمعة الحزب».
«الثامن من تموز» لتسلم المحكمة قيادة الحزب
أعلنت «حركة الثامن من تموز»، بعد اجتماع لها، أن استمرار المجلس الأعلى «الفاقد الأهلية»، في السير بعملية انتخاب رئيس للحزب، هو عمل يهدم المؤسسات.
واعتبرت أن جميع المرشحين لمنصب رئاسة الحزب يعملون من حيث يدرون أو لا يدرون، على إضفاء الشرعية على المجلس الأعلى، الذي سقط في امتحان الأهلية، منذ إقدامه على التعديل اللادستوري الذي أبطلته المحكمة الحزبية.
وطالبت بتسلم المحكمة «قيادة الحزب لفترة انتقالية تقوم خلالها بالدعوة إلى مؤتمر دراسي فعلي من أجل تحديد أسباب تعثر الحزب وأزماته والوصول إلى حزب سوري قومي اجتماعي واحد موحد».