أصدر “مركز مساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية والجسدية في جمعية نساء ضد العنف” التقرير النصف سنوي لعام 2016، وهو مستقى اعتمادًا على توجهات لنساء وفتيات قررن الحد من العنف الموجه ضدهن، وبالتالي قمن برفع سماعة الهاتف والاتصال بالمركز والبوح بما يشعرن به وتلقي المساعدة المرجوة.
ووجب التنويه، قبل استعراض البيانات الآتية ذكرها، أنّ هذه المعطيات هي انعكاس لقضايا سلبية ومؤلمة، تعاني منها النساء فقط بكونهن نساء، من قبل المفاهيم الذكورية التي يرضعها مجتمعنا لأبنائه الذكور منذ ولادتهم، مما يؤثر على تنشئتهم الاجتماعية فيما بعد، ومنها تقسم الأدوار الاجتماعية النمطية التي تشكل جزءا اساسيا في تجذير العنف والتمييز ضد النساء.
وجاء في التقرير: “الاحصائيات العامة في الدولة، بحسب “اتحاد مراكز مساعدة ضحايا العنف الجنسي”، تقر بأنّ امرأة من بين كل 3 نساء، تتعرض لتحرش جنسي لمرة واحدة على الأقل في حياتها، وامرأة من بين كل 7 نساء تتعرض للاغتصاب. لا شك أنّ جو العنف السائد في مجتمعنا لا يقتصر فقط على التوجهات التي وصلت الى مركزنا، وإنما يعكس خصوصية مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، حيث وصل الى مركز المساعدة 338 توجها ما بين شهر كانون الثاني ولغاية شهر حزيران من هذا العام.
الاعتداءات الجنسية داخل العائلة شكلت 73% من مجمل الاعتداءات التي وصلت الى المركز من ضمنها كانت نسبة 38% من قبل الزوج و35% من قبل الاب والاخ والعم وابن العم والخال والجد، حيث ان الاعتداءات الجنسية من قبل الزوج في البيت ارتفعت بنسبة 10% عن العام الماضي التي كانت نسبته 28%، فمن جهة هذا يدل على رفع الوعي والمعرفة عند النساء بشأن حقوقهن الانسانية الأساسية كالاختيار والعيش بحرية وكرامة، ومن جهة أخرى يعكس فرض سيطرة الرجل وتخويل الصلاحيات له بفرض السلطة الابوية الذكورية بالقمع وانتهاك جسد زوجته كالسلعة واستباحته.
كما أظهرت النتائج ارتفاعا بنسبة الاعتداءات الجنسية داخل العائلة إلى 35%، مقارنة بالعام الماضي التي كانت نسبته 25% وهذا انعكاس لهيمنة وسيطرة المفاهيم الذكورية وفرض القوة والتصرفات الجنسية من قبل الأخ، الأب، العم ، ابن العم، الخال والجد، حتى تغدو الفتاة ضحية لجرائم جنسية بها قمع وذل واستغلال، لتهدد كيانها ووجودها وثقتها في منظومة العائلة، المنظومة التي من المفترض ان تشكل لها الأمان، الدفء، والاحتواء، ناهيك عن أنه في كثير من الأحيان يرافق الفتاة شعور بخيبة الأمل والذنب نتيجة تكتم اشخاص مقربين لها عن ما تتعرض له من اعتداءات داخل العائلة، ومن ناحية أخرى تثبت التوجهات التي وصلت الى المركز، وخاصة توجهات اعتداء الزوج، إلى أن قسم من النساء تلقين الدعم والتوجيه والمرافقة في المسار من قبل الاهل، وهذا يعكس فئة أخرى تستطيع الدعم والاحتواء ولديها الوعي بحق المرأة الابنة بالحياة الكريمة العادلة.
وتشير توجهات العنف الجنسي التي وصلت إلى المركز إلى أنّ 45% من مجمل العنف الجنسي كان اغتصاب، أي إجبار المرأة أو الفتاة أو الطفلة على القيام بعملية جنسية كاملة، وقد يرافقها استعمال القوة الفعلية أو التهديد أو التلويح بالقوة. وهي جريمة تنبع من الرغبة بالتسلط أو إيذاء الغير وليست تعبيرًا عن رغبة جنسية كما يعتقد غالبية أفراد مجتمعنا.
بالإضافة الى أنّ نسبة 39% من العنف الجنسي هو تحرشات جنسية، وهي عبارة عن سلوك ذات طابع جنسي من خلاله ينتهك الشخص جسد، خصوصية، أو مشاعر الطرف الآخر مما يجعله يشعر بعدم الارتياح، التهديد، الخوف، الاهانة، الاساءة والترهيب. وخلصت التوجهات إلى أنّ نسبة التحرشات الجنسية داخل العمل وصلت إلى 25% حيث عبرت النساء عن تلميحات وابتزازات ذات طابع جنسي من قبل المشغلين او المسؤولين في العمل، مثلا: عرض صور جنسية أثناء العمل، الإلحاح على دعوة للعشاء، طلب إقامة علاقة جنسية أكثر من مرة، اللمس، التحسس، الاقتراب بشكل كبير دون موافقة او رغبة المرأة العاملة في ذلك، وبالتالي تهديد كيانهن ووظائفهن وحياتهن الشخصية، وتحد من جودة عملهن، فهنالك من قررن الهجوم ووقف هذا الاستغلال الطبقي الرأسمالي الذكوري، وأخريات قررن الاستسلام للحفاظ على “سمعة حسنة” ومعاش شهري ثابت خوفا من “الفضيحة” التي يمكن أن يسببها صاحب العمل للمرأة العاملة، كل ذلك لأنه “ذكر” ويملك النفوذ والقوة والهيمنة الذكورية.
نسبة الاعتداءات الجنسية التي وصلت الى المركز وكانت مستمرة عند التوجه إلينا هي 45% من مجمل التوجهات، مما يعكس زيادة في المتابعات والمرافقات للنساء لأجل نيل حقوقهن والشعور بالأمن والراحة والكرامة، من خلال مرافقة النساء في الشرطة والنيابة العامة والمحاكم حسب مشروع “مرافقة الضحايا في المسار القانوني”، الهادف أساسًا إلى خلق إطار داعم للمعتدى عليها من أجل مساعدتها على التأقلم مع متطلبات الجهاز القضائي ومرافقتها في المسار الجنائي، في محاولة منا لملائمة الجهاز القضائي لتجربة الضحية ولاحتياجاتها الخاصة، خاصة أن النساء يعانين أحيانا من زخم وثقل التحقيقات، أولا من حيث أسئلة المحققة العميقة التي تجبرها إلى التطرق لأدق التفاصيل، وبالتالي تتكرّر مشاهد الاعتداء في ذهنها ممّا يؤدي الى إعادة الشعور بالألم التي مرّت به من قبل المعتدي، وثانيا اللغة العبرية التي تشكل عائقا أمام غالبية النساء العربيات، فهنالك نقص بعدد المحققات العربيات في الجهاز القضائي مما يتحتم وجود مترجم/ة، وعادة لا تتوفر هذه الإمكانية أثناء الجلسات، بالإضافة الى التعابير والمصطلحات غير الدقيقة التي من الممكن ان تستعملها النساء نتيجة التربية وتعامل المجتمع مع موضوع الجنس “كطابو”، خاصة في مجتمعنا العربي.
وقد عبرت النساء بعد مرافقتهن عن الدعم والاحتواء والمساندة التي توفرت لهن، وأكّدن على أهمية وجود جسم لديه المعرفة والمعلومات للدعم اثناء الجلسات.
نلحظ من خلال مقارنة هذا العام بالعام الماضي، أنّ هنالك تقلص في الفترة الزمنية التي تستغرقها الفتاة/ المرأة للبوح بعد تعرضها للعنف الجنسي، بنسبة 19%، وهي نسبة النساء والفتيات اللواتي توجهن للمركز، ضمن فترة تمتد من يوم الى سنة بعد التعرض للاعتداء، وبالتالي كانت هنالك مرافقة ودعم بطريقة مباشرة في الشرطة والمستشفيات.
نرى في الآونة الأخيرة ازدياد حدة العنف الجسدي والنفسي في الحيز العام بمجتمعنا الفلسطيني في الداخل، كاستخدام السلاح، القتل، والتجارة بالمخدرات وبذلك نرى انعكاس هذه الآفات على وضع النساء في المجتمع العربي، من حيث تفاقم أنواع العنف الموجه ضدهن لأنهن نساء أولا، ومن ثم كأقلية فلسطينية تعاني من تمييز ثلاثي الأبعاد ثانيا، فأكثر من 30% من التوجهات التي وصلت المركز، عبرت النساء خلالها عن خوفهن من القتل بسبب انتشار السلاح في أرجاء المحيط القريب خاصة من قبل الزوج في البيت، بالإضافة إلى بعض التوجهات التي كشفت عن العنف النفسي الذي تتعرض له المتوجهات النساء من قبل عائلة الزوج وعائلتها، فالعنف النفسي معاناة تتعرض له كل امرأة في مجتمعنا لأنها انثى، من خلال تمييز وعنصرية واستضعاف لقدراتها وانتهاك حقها بالعيش حياة كريمة، ليخدم مصالح الذكورية ويحافظ على الثبات القمعي بين الفئات المختلفة في مجتمعنا، لذلك علينا كأفراد أخذ مسؤولية للحد من هذه الظواهر والبدء من نقطة الانطلاق وهي ذاتنا وتغيير تلك الآراء المسبقة التي تهيمن عليها آراء خاطئة، مزيفة، وغير عادلة.
وفي الختام، شكر التقرير طاقم المتطوعات القديرات، اللواتي يواصلن الليل بالنهار عملا من أجل خدمة النساء، بإنسانية ومهنية وعدالة لزرع روح الامان والاحتواء لهن ومساعدتهن للخروج من قوقعة الظلام أو محاولة التكيف معها.
إشارة الى أنّ ظاهرة العنف ضد النساء هي ظاهرة منتشرة وما زالت مستمرة، آخذة بالازدياد في كافة المجتمعات، وللحد من هذه الظاهرة علينا كأفراد في المجتمع ان نؤمن بالعدالة والانسانية والحياة الكريمة وأخذ المسؤولية وجزء من التغيير الذي يبدأ بكسر الآراء المسبقة تجاه المعتدى عليهن.