كتبت غراسيا بيطار الرستم في صحيفة “السفير”:
تحت سقف قصر المختارة، تحتشد اليوم المعاني والرسائل. والمفارقة أن المساحة الأقل ستكون للسياسة. فالذكرى الخامسة عشرة لـ “مصالحة الجبل” تحلّ في توقيت سياسي أقل ما يقال فيه أنه خارج الزمن. تحل في “الوقت الضائع” الذي يراكم الملفات العالقة في البلد وغداة “ثلاثية حوارية” ضاعت بدورها بين “نقاش ممجوج” و “نوستالجيا الطائف” القديمة الجديدة.
ربما من هذه الزاوية المظلمة في المشهد السياسي العام، يمكن تسرّب صورة أكثر تفاؤلاً قد ينجح زعيم المختارة وليد جنبلاط والبطريرك الماروني بشارة الراعي في تظهيرها اليوم.
الذكرى عزيزة على قلوب أهالي الجبل وكل اللبنانيين كونها تكفّلت بطي صفحة أليمة، وإن بقيت بعض فصول “العودة” في الجبل لم تكتمل بعد. هذا البعد “الوجودي” يطغى بامتياز على زيارة “تهدف إلى إعطاء دفع جديد لتلاقٍ متجدّد مارونيّ درزيّ علّه ينتقل الى كل مكونات الشعب اللبناني”، بحسب أوساط كنسية ماروينة متابعة.
بطبيعة الحال، لا تجوز المقارنة بين مشهد اليوم ونهار الثالث من آب 2001. حينها، كان الحدث “تاريخياً” بكل ما للكلمة من معنى وحمل أبعاداً سياسية وكيانية واجتماعية وانمائية. البطريرك نصرالله بطرس صفير أتى حينها على ذكر الجدة نظيرة (جنبلاط) و “حنكتها السياسية” وتحدث أيضاً عن “الغيوم الدكناء” التي لبدّت العلاقة المارونية – الدرزية والتي اختفت على قاعدة “سامح الله ما كان السبب”.
الحرص الجنبلاطي اليوم على استعادة رسم مشابه ما هو إلا “تأكيد على خيار المصالحة ورسالة مباشرة برغم كل التعثّر الدستوري بأنه خيار استراتيجي لا عودة عنه”، بحسب مفوض الإعلام في “الحزب التقدمي الاشتراكي” رامي الريس.
وربما هذا ما سعى الى ترجمته “البيك” أيضاً في اتصاله بالكاردينال صفير، أمس، وقوله له: “بكرا نهارك. انت فتحت الطريق سنة 2001 للمصالحة في الجبل ولبنان وكان الجبل ولبنان بحمايتك. وبكرا رح يكون الجبل ولبنان بحمايتك ورح تكون حاضرا بيننا مثلما كنت حاضرا معنا من أول الطريق”.
“ملائكة” البطريرك صفير ستكون حاضرة بالفعل اليوم في المختارة ومعاني الاتصال يمكن أن تتمحور بين نقيضين: إما هو اتصال لياقة لرجل جليل صار بطريركا “متقاعدا” أو اتصال “غمز سياسي” من قناة “الحنين” الى النهج البطريركي لصفير المختلف في الكثير من مفاصله مع نهج الراعي.
تقول أوساط كنسية في هذا الصدد إن “البطريركية استمرارية كعمل كنسي ومن دون شك ان البطريرك صفير وضع المدماك الاول في هذه الروحية الجامعة بين الموارنة والدروز والبطريرك الراعي يستكمل الخط نفسه”.
خَلَق جنبلاط “صدفة” تزامن إعادة تدشين كنيسة المختارة التي بناها بشير جنبلاط عام 1860 وحلول الذكرى الخامسة عشرة لمصالحة الجبل. يكرّم اليوم زعيم المختارة الزعيم الروحي للموارنة في حفل استقبال رسمي يضم نحو ألف شخص بين فعاليات سياسية وحزبية وأمنية وديبلوماسية وبلدية.
وللزيارة أصداء طيبة عند “الأرثوذكس”. “ابن الجبل”، الامين العام لـ”اللقاء الارثوذكسي” مروان أبو فاضل يثمّن “هذا النهار الوطني الجامع انطلاقا من تأييدنا لأي تقارب بين العائلات الروحية في الجبل والمطلوب ان يترجم عمليا وبشكل تكاملي من خلال التوصل الى التوافق على القانون الانتخابي الذي يحمي جميع المكونات في لبنان وهو قانون اللقاء الارثوذكسي فنصبح عندها في اعراس وطنية على امتداد المناطق اللبنانية”.
في المقابل، لا يبدو ان صاحب القصر يريد تحميل عرس اليوم أكثر مما يحتمل. يقول الريس: “موقفنا ثابت في الطائف ومسألة المناصفة لأن هذه الزيارة تسمو فوق كل التجاذبات السياسية والملفات اليومية. لها طابع ميثاقي وليست وظيفتها ان تطرح حلولا للملفات الاخرى”.
من هنا ستأتي كلمة جنبلاط لتؤكد على “اهمية المصالحة بين كل اللبنانيين وطي صفحة الماضي والتأكيد على العيش المشترك”.
وفي البرنامج المقرر، يتوجه البطريرك الماروني والوفد المرافق مباشرة الى كنيسة المختارة للاحتفال بتدشين اختتام أعمال الترميم فيها حيث يترأس الذبيحة الإلهية في تمام الساعة 11 صباحا. وسيكون للبطريرك كلمتان: الأولى خلال العظة والثانية في قصر المختارة.
وبحسب أوساطه، سيُشدّد البطريرك في كلامه على “أهمية المصالحة وترسيخها واستكمالها والسعي الى تعزيز العلاقة المتماسكة واللحمة الوطنية بين الدروز والموارنة في الجبل فتكون لبنة للمصالحات على صعيد الوطن ككل”. ومن دون إغفال هاجس بكركي الأول، سيكرر مناشدته القوى السياسية الاسراع اليوم قبل الغد في انتخاب رئيس للجمهورية.
لماذا قرر جنبلاط تحويل الاحتفال الذي كان مقررا أن يكون متواضعا وصغيرا وحميما الى احتفالية سياسية وشعبية كبيرة؟
الجواب عند سيد المختارة.