كتب جوزيف طوق في صحيفة “الجمهورية”:
بعتِذر وعّيتكن، بَعرف إنكُن نايمين مِتل عادتكم على جميع المشاكل البيئية والصحية والاجتماعية التي تدمّر حياتنا وتهدّد مناخنا وتمصّ الحياة من مستقبل أولادنا… أنا صراحةً لا أعرف من أين نستمدّ وقاحتنا حتى نستمرّ في نشر إعلانات عن لبنان الأخضر وبلد الضيافة والاستجمام والإشتاء والاصطياف ومراكز الكبّة بالصينية، فيما نواصل تقديم فروض الطاعة والانبطاح لزعمائنا المبجّلين ونغفر لهم تجاوزاتهم القانونية والتشريعية والمنطقية التي حرَقت سِلّاف البلد وبيئته.
بعتِذر وعّيتكن، بَس حبّيت ذكّركُن إنّو مشكلة النفايات في لبنان لم يجد لها السياسيون الطوباويون حلولاً بعد، وهي راجعة بإذن الله إلى شوارعنا وأحيائنا وعتبات منازلنا… راجعة الزبالة، زَلغطي يا خالتي، راجعة الحنونة التي اعتَدنا عليها وخاوَيناها 8 أشهر وأصبح بيننا وبينها وحدة حال، ولم نَشتكِ منها ولم نثُر عليها ولم نُطِح الزعران الذين طمرونا بها طوال فترة نومِها تحت شبابيكنا… الزبالة راجعة، وعندها لا أعرف إلى أين يمكن أن نَهشل، وأين يمكن أن نطمر أنوفَنا أو نخَبّي صحّة أولادنا منها.
بربّكم، حاوِلوا إطالة سهرتكم شي ليلة واذهبوا إلى مطار بيروت كزدورة بعد منتصف الليل، يِعني عندما يخفّ عبق دخان السيارات والشاحنات…
قودوا على مهل وافتحوا شبابيكَكم واستمتعوا برحيق نفايات مكبّ الكوستابرافا، واختبِروا مع السيّاح القادمين من كلّ أنحاء العالم إلى ربوع لبنان الأخضر حفاوةَ الاستقبال… ومَن قال إنّنا شعب لم يتطوّر، بالعكس، لقد استبدَلنا رشَّ الأرزّ والورد والزهور برشِّ أكياس النفايات، وبدل أن ننحرَ خروفاً مثل عادة أجدادنا احتفاءً بالضيف، بِتنا الآن نمزّق له كيسَ زبالة أزرق ملموماً طازة من مطعم “شوّيلو وهوّيلو”.
نحن شعب بلا مخّ، ويمكن حتى أصلاً بلا رقبة يركَب عليها مخّ… لدينا أكبر ثروة حرجية في الشرق الأوسط وأكبر ثروة مائية، ولم يرفّ لنا جفن أثناء مرور الشاحنات لطمرِ النفايات على المرتفعات وقطعِ نسلِ هذه الثروات. لم نسأل يوماً عن الهواء الذي سيتنفّسه أولادنا بعد موتنا، أو المياه التي سيشربونها والشجرة التي سيجلسون تحتها.
المسؤولون في هذا البلد لا يرون أبعد من أنوفهم، ونتمنّى لو كانوا بطبيعتهم “بينُوكيو” الكذّاب، عسى أن يطول بُعد نظرِهم قليلاً وتقصُر أيديهم عن حقوقنا… النفايات ليست سوى حلقة واحدة في سلسال الفساد والإهمال وسوء الإدارة والاسترخاص ببيئتنا وصحّتنا…
نحن لسنا حيوانات أليفة، ونحن لنا الحقّ في أبسط الحلول، وهي معامل تدوير ومعالجة نفايات متطوّرة وبمواصفات عالمية، لأنّ مستقبل الشجرة الخضراء والمياه العذبة أهمّ بكثير من سيارة إبن المسؤول ومايّو إبنته التي يشتريها على حساب سعال أطفالنا والفيروسات التي تنهِك أجسادهم النحيلة.
النفايات لا تميّز بين شيعي وماروني والأوبئة لا ترحَم سنّي على حساب أورثوذكسي… والأدوية التي تستوردها المافيات لا تشفي الأمراض التي سبَّبتها مافيات النفايات… ليست طائفتي ولا مذهبك الضحية، اللبناني ككائن ومواطن وشقفة لحم ودم وشويّة أحلام هو الضحية الوحيدة.
ولا يهمّ لون كيس النفايات إذا كان أزرق أو أسود أو أصفر أو أيّ لون آخر، تماماً مثلما لا يهمّ لون الحزب أو التيار الذي تتبعه بلا تفكير، فكلّ الألوان في النهاية لا تحتوي إلّا على الأشياء التي لم نعُد بحاجة إليها.
مِش ضروري يتطابق لون كيس الزبالة مع لون عَلم حزبك أو تيارك، ومش ضروري يتطابق محتوى الكيس مع محتوى حديث الزعيم حتى تطالب بالحفاظ على النظافة… الضروري إنّو نتخلّص من الزبالة.