كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
ما زال الجرح السوري ينزف من “حلب” المدينة التي منها سوف يُحدد مستقبل سوريا وتحديداً مصير طاغية الشام بشار الأسد، الذي يواصل نظامه منذ أكثر من أسبوعين، تفريغ “براميل” حقده على رؤوس أهاليها بعد عجزه وحلفائه عن السيطرة الميدانية عليها، على الرغم من الإدعاءات وتباشير “النصر” التي هلّل لها حلف “المُمانعة” في المدينة على مدى الأسبوعين الماضيين وبأنه أصبح “على أبواب إعلان تحريرها”.
منذ فترة قريبة، غداة إعلان “حزب الله” عن انطلاق معركة حلب والسيطرة بداية على طريق “الكاستيلو”، أطل السيد حسن نصر الله في خطاب تلفزيوني ليقول: “خذوا العبرة من حلب والبوصلة بحلب والمزاج الدولي بحلب”، ليعود ويؤكد في خطاب آخر “أهميّة معركة حلب وبما تعنيه استعادتها”، لدرجة أنه وصفها بـ”المعركة الاستراتيجية الكبرى” وأنه وجب أن نكون في حلب فكنا فيها، وحيث وجب أن نبقى فيها سنبقى فيها. إن لمعركة حلب منزلة استراتيجية داخل كل معادلة الحرب والأزمة السورية”.
“انتصارات” حزب الله الوهمية التي يُشيع أجواءها داخل بيئته في كل وقت وحين، لم تعد تُجدي نفعاً ولم تعد تُفسح أيضاً في الطريق أمام جماعته لأخذهم حيث يُريد النظام الإيراني. انكسارات الحزب واضحة والخسائر لا يُمكن تعويضها بأي شكل من الأشكال خصوصاً أن العنصر الذي يُقتل اليوم في سوريا لا يُمكن تعويضه على الإطلاق في ظل الرفض التام الذي تُبديه معظم عائلات الجنوب والبقاع، لجهة “تجنيد” أبنائها للحرب في سوريا وتحديداً في “حلب” التي يبدو أنها تحوّلت إلى مستنقع جديد، تُضاف إلى خيبات الحزب التي كان قد تلقاها في “الزبداني” و”مضايا” أو “القلمون” بشكل عام. ويأتي رفض الأهالي هذا، غداة شيوع معلومات داخل أوساط الحزب خلال اليومين الماضيين، تُشير إلى ضرورة استحداث فصيل مُقاتل جديد على أن لا تتجاوز أعمار عناصره الخمسة والعشرين عاماً، وأن يجهز للقتال في سوريا خلال أقل من ثلاثة أشهر.
كما في السياسة كذلك في العسكر حيث يسعى “حزب الله” كعادته إلى التغطية عن عجزه بإلقاء اللوم على الآخرين، ومن هذه النافذة الضيّقة، تسّلل أمس النائب نوّاف الموسوي ليرمي عجز عناصر حزبه في السيطرة على “حلب”، على المملكة العربية السعودية وقادتها، فراح يدعي بأن “العدوان الذي وقع بالأمس على حلب هو عدوان سعودي يستهدف الشعب السوري وأنه يُريد تغيير التوازنات والمعطيات السوريّة”. وراح أيضاً يتحدث عن “بطولات” جيش النظام وحلفائه في الميدان الذي انقلبت رياحه في حقيقة الأمر، لصالح الفصائل المُقاتلة حيث كانت الأنباء من حلب، تتوالى تباعاً وتؤكد قدرة الفصائل على فك الحصار عن المدينة وسيطرتها بشكل كامل على الراموسة وعلى مبنى الضباط وكليتي “البيانات والتسليح” عند تخوم مدينة حلب من جهة الجنوب، والسيطرة على “مبنى الضباط” و”كليّة المدفعية” التي كان يُسيطر عليها “الحرس الثوري الإيراني” و”حزب الله” بالإضافة إلى قوّات من النظام السوري. ويأتي هذا التطوّر للفصائل، بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على إعلانهم بدء عملية “فك الحصار عن حلب” والتي دخلت يومها الرابع.
الخارطة العسكرية لوقائع المعارك في الميدان، توضح أن كلية المدفعية بالراموسة هي إحدى أكبر قلاع النظام بحلب والعائق الأكبر أمام الثوار لكسر الحصار عن مدينة حلب، ومع سقوطها أصبح فك الحصار شبه محسوم بسبب موقعها الاستراتيجي كونه أصبح البديل عن طريق “الكاستيلو”، وهم بذلك لم يتمكنوا من فك الحصار فقط، بل نجحوا بتطويق عناصر “حزب الله” في أكثر من مكان، ومن هنا تعمل قيادة الحزب العسكرية منذ ساعات فجر أول من أمس، على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل العملية. وفي المعلومات أن قيادة الحزب، زجّت بفرقة “المقداد” أمس في معارك “حلب” حيث يأمل من خلالها بتحقيق إنجازات نوعيّة.
الداخل إلى مدينة حلب أو الخارج منها اليوم، لا تشغله أصوات الرصاص ولا القذائف ولا حتّى هدير طائرات السوخوي والميغ والتي اختفت نوعاً ما عن سمائها بفعل ما قامت به “كتيبة الدفاع الجوي”، أي الأطفال، الذين حجبوا الرؤية عن الطائرات من خلال إشعالهم الإطارات، بقدر ما يشغله إحصاء عدد جثث المدنيين والأطفال الملقاة على جانبَي طرقاتها وأحيائها، الأمر الذي يدعو البعض إلى تشبيهها بمدينة ليننغراد الروسية التي حوصرت ذات يوم على يد جيش هتلر لمدة 872 يوماً، فأوقع فيها أكثر من 50000 قتيل مدني جُلّهم من الأطفال والنساء.
وسط الضياع الكامل الذي يُعاني منه “حزب الله” نظراً للموقعة التي أغرق نفسه بها في سوريا ككل وتحديداً في ظل ما يُعاني منه في حلب اليوم، ثمّة من في بيئته يتمنى لو يستعيد الحزب أمجاده السابقة وموقعه السابق والمكانة التي كان يحتلها لدى معظم الدول وشعوبها قبل تورطه في هذه الحرب. وفي البيئة نفسها، يوجد من يتمنى استعادة الثقة بالحزب مُجدّداً وينتظر من أمينه العام الظهور على الإعلام، ليقول “إن المفاجآت التي وعدتكم بها، سوف تبدأ من الآن”.