كتبت رولا حداد
من راقب الساحة السياسية والإعلامية في لبنان في الأسابيع الأخيرة، أدرك أن أطرافاً كثيرة كانت كالعادة تراهن على مجريات الأمور في الخارج لفرض معادلات في الداخل اللبناني. وأبرز موضوع شكّل مادة دسمة للرهانات الخاطئة، لا بل للمقامرات السياسية إن جاز التعبير، كان الرهان على نجاح التحالف الروسي- الإيراني- الحزب اللهي- الأسدي في إسقاط حلب، والذهاب بعدها الى جنيف في أواخر آب لفرض شروط ليس فقط على المعارضة السورية، بل على كل المناوئين لهذا المحور من الرياض الى بيروت!
لكن حسابات الحقل الإيراني- الروسي لم تنطبق على البيدر الحلبي، فكانت النتيجة معاكسة، وشنّت المعارضة السورية هجوماً معاكساً وجّهت فيه ضربة قاسية لبشار الأسد وحلفائه، ونجحت ليس فقط في كسر الحصار عن أحياء حلب الشرقية، بل باتت تهدد الأحياء الغربية من حلب التي كانت لا تزال تحت سيطرة النظام السوري وحلفائه!
ولكن يبقى السؤال: أي علاقة مباشرة لنا كلبنانيين في ما حدث ويحدث في حلب؟ الجواب هو لدى “حزب الله” وحلفائه في لبنان. فالسيد حسن نصرالله كان أطلّ على اللبنانيين في لحظة ذروة اعتقاده أن معركة حلب حُسمت لمصلحة محورهم، فظهّر الأهمية الاستراتيجية لمعركة حلب، وكان يمهّد لإعلان النصر المبين في معركة حلب في إطلالته المرتقبة في 13 آب للتذكير بنصره “الإلهي” في حرب تموز 2006.
وبناء على حسابات الأمين العام لـ”حزب الله”، راهن البعض في لبنان على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية خلال شهر آب، كأحد ثمار انتصار حلب الموعود. ولكن مرّة جديدة سقطت الرهانات وتلاشت الأوهام تحت وطأة الوقائع الميدانية الجديدة في حلب، لأن لا أحد يستطيع تكبير حجمه في صراع دولي وإقليمي يبقى أكبر من كل الأطراف اللبنانية مهما بلغ حجمها. ورهان “حزب الله” بأن يتحوّل قوة إقليمية هو رهان ساقط حكماً، لأن اللاعب الإقليمي هو إيران التي يتبع لها الحزب، وإيران ليست اللاعب الوحيد بل يواجهها مجموعة لاعبين لا يقلّون شأناً عنها، وثمة رعاة دوليون يعرفون كيف يحفظون التوازنات الدقيقة في المنطقة، وإلا لكان سقط بشار الأسد ونظامه منذ 5 أعوام!
كل ما تقدّم يظهر بما لا يقبل الشك أن أكبر خطيئة ترتكبها الأطراف السياسية في لبنان، في أي معسكر كانت، هي في الرهان على معطيات خارجية لفرض معادلات داخلية. وكأن اللبنانيين لم يتعظوا من دروس 15 عاماً من الحرب الأهلية اللبنانية، ودروس 25 عاماً تلتها من السلم المزعوم، حيث كانت تفشل رهانات مختلف الأطراف تباعاً. فإلى متى نستمر برهاناتنا الخاطئة؟ والى متى نستمر بمنطق المقامرة بمصيرنا وبمستقبل بلدنا؟
إن كل رهان على غير الدولة والدستور ومنطق المؤسسات في لبنان هو منطق ساقط حكماً، مهما توهّم البعض بفائض قوته. وكل اعتماد على قوى ذاتية في الداخل والخارج، وعلى التبعية لأي خارج، سيؤدي بصاحبه الى الهلاك المحتّم مهما طال الزمن. ولا يمكن لأي طرف داخلي أن يراهن على معطيات وتطورات إقليمية ليفرض منطق غلبة داخلية في لبنان، لأن “الدني دولاب” والمعادلات قد تتغيّر في أي لحظة تماماً كما حصل في حلب. والسؤال يبقى: متى يعود البعض الى رشدهم ويقتنعون أن منطق الدولة والدستور والمؤسسات وحده يحمي الجميع في لبنان، ويحمي لبنان الدولة من كل المغامرات الطائشة والكارثية على مستقبل هذا الكيان؟!