كتب وليد خدوري في صحيفة “الحياة”:
تتباين آراء المراقبين حول مسار أسعار النفط بسبب تخمة المخزون التجاري النفطي. فالأسعار انخفضت نحو 10 في المئة خلال الأسبوعين الماضيين إذ انخفض سعر نفط “برنت” من نحو 50 دولاراً للبرميل إلى نحو 40 دولاراً.
وثمة تخوف في الأسواق من زيادة عالية في الإنتاج. لكن هذا التخوف في غير محله، كما أشار تحليل لمصرف “ستاندرد تشارترد”، الذي استشهد بالإحصاءات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية. تشير معلومات هذين المصدرين ان انخفاضاً في الإمدادات حصل خلال الفصل الثاني من هذا العام، ويتوقع ان يستمر هذا الانخفاض خلال الفصل الثالث. وتشير توقعات وكالة الطاقة إلى ارتفاع الطلب على نفوط دول “أوبك” إلى نحو 33.4 مليون برميل يومياً، وهو رقم مرتفع نسبياً بالنسبة إلى إنتاج أقطار المنظمة.
ما هو السبب وراء المخاوف في الأسواق؟ هناك حذر واسع من عودة ارتفاع الإمدادات الأميركية، ما سيزيد من تخمة المخزون العالمي. يورد تقرير “ستاندرد تشارترد” ان هذه المخاوف غير دقيقة، فهناك نقص مستمر في الإنتاج الأميركي من الولايات الـ 48 خلال الأسابيع العشرين الماضية. لكن زيادة طفيفة حدثت أخيراً بسبب ازدياد الإنتاج من حقول ألاسكا بسبب انتهاء عمليات الصيانة التي تجري عادة في الصيف. وارتفع الإنتاج من حقول ألاسكا بعد فترة من الانخفاض، الأمر الذي أعطى انطباعات خاطئة عن عودة كبيرة للإنتاج الأميركي.
ويضيف التقرير ان الإنتاج الأميركي لا يزال في منحى انخفاضي، فهو الآن أقل بواقع 1.2 مليون برميل يومياً عن ذروة الإنتاج المحققة في نيسان (أبريل) 2015. ويتوقع “ستاندرد تشارترد” ان ينخفض الإنتاج 500 ألف برميل إضافي قبل ان يستقر معدل الإنتاج خلال الربع الأول من 2017. وعلى رغم المستوى القياسي الذي وصل إليه المخزون التجاري للمنتجات البترولية الأميركية، يتجه المخزون إلى الانخفاض منذ الفصل الثاني لهذا العام. ويستنتج معدو التقرير بالقول: “نحن نتوقع استمرار انخفاض مستوى مخزون المنتجات الأميركية الذي بدأ في نيسان (أبريل)، ونتوقع ان يستمر إلى آب (أغسطس). ولا نرى ان أسباب انخفاض الأسعار في تموز (يوليو) كافية لتفسير التصحيح في مسيرة الأسعار”. بمعنى آخر، لا يرى التقرير “عوامل أساسية تفسر الانخفاض الأخير في الأسعار”.
يذكر أن تقارير مصارف أخرى دعمت وجهة نظر “ستاندرد تشارترد”، إذ أشار تقرير لـ “سيتي بنك” ان “الأمر الأهم خلال السنة الماضية هو تمكن الدول المنتجة خارج أوبك من الحفاظ على معدلات إنتاجها، لكن معدل إنتاج هذه الدول انخفض، وحصل الانخفاض الفعلي للإنتاج في الولايات المتحدة والمكسيك إذ تراجع إنتاجهما نحو 400 ألف برميل يومياً بين تموز (يوليو) وكانون الأول (ديسمبر). أما في الفترة المقابلة من هذا العام، فالانخفاض من هاتين الدولتين بالذات يحدث بمعدلات أعلى تبلغ نحو 1.9 مليون برميل يومياً. لذلك هناك توازن أكثر في الأسواق بين العرض والطلب خلال هذا العام، بينما لم يكن هذا التوازن موجوداً خلال العام الماضي. فزيادة الطلب خلال النصف الأول من 2016 تقدر بنحو 1.4 مليون برميل يومياً، مقارنة بنحو 1.7 مليون برميل يومياً خلال النصف الثاني من 2015. وعلى رغم التباين، يعتبر النمو إيجابياً، فالطلب لا يزال يرتفع والإمدادات لا تزال تنخفض”.
وتوقع مصرف “باركليز” ارتفاع الأسعار في المدى المتوسط، مع بدء انخفاض الإمدادات. ورجح ارتفاع متوسط الأسعار إلى نحو 85 دولاراً عام 2019 لتنخفض إلى نحو 78 دولاراً في 2021. ولفت “باركليز” إلى ان تقلص الاستثمار في الحقول النفطية أو توقفه سرع انخفاض الإنتاج من الحقول المنتجة الحالية، لأن نسبة انخفاض الإنتاج الطبيعي للحقل تزداد مع تقليص عمليات الصيانة. وهذا يعني ان إنتاجية الحقول تنخفض أكثر من المعتاد مع تقليص الاستثمارات. ويؤكد “باركليز” ان “عملية انخفاض الإنتاجية للحقول قد بدأت فعلاً”.
يذكر أن وزراء نفط منظمة “أوبك” حذروا مراراً من تداعيات تدهور الأسعار لتأثيرها على معدلات الإنتاج المستقبلية. فانخفاض الأسعار يؤدي إلى شح الاستثمارات، ما سيقلص إنتاجية الحقول، ومن ثم يقلل العرض إزاء الطلب، الأمر الذي سيزيد الأسعار. السؤال هنا: متى ستبدأ هذه الدورة الجديدة في الصناعة النفطية تأخذ مفعولها، وما هي سرعتها.
تدل المعلومات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية في منتصف تموز (يوليو) على أن معدل المخزون التجاري النفطي لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الدول الصناعية) وصل إلى أكثر من ثلاثة بلايين برميل (ثلاثة آلاف و74 مليون برميل). يشكل هذا المستوى القياسي للمخزون خطراً داهماً على الأسعار، إذ من دون التخلص من هذا المحزون، ستبقى الأسعار تحت خطر الإشاعات السلبية والتفسيرات غير الدقيقة للأسواق.
واللافت ان الاضطرابات السياسية في الدول المنتجة أو دول العبور، لم تؤدِّ إلى زيادة الأسعار. فمحاولة الانقلاب في تركيا لم تؤثر في الأسعار، على رغم الدور الاستراتيجي المهم لتركيا التي تمر من خلالها أنابيب النفط والغاز لكل من العراق وروسيا وأذربيجان. واستطاعت تركيا احتواء المحاولة الانقلابية من دون أي تأثير يذكر على عمليات ترانزيت النفط عبر أراضيها. ومن نافل القول ان صناعة النفط العالمية استطاعت على رغم ازدياد العمليات الإرهابية وتفاقم أخطارها في العديد من الدول المنتجة في الشرق الأوسط، التأقلم مع الحرب الجديدة في المنطقة.