رأى أحد القادة السياسيين في لبنان في حديث لصحيفة “الراي” الكويتية إن فريق “8 آذار” وتحديداً “حزب الله” كان يراهن على ان يحقق والمحور الذي ينتمي اليه انتصاراً ميدانياً في حلب يوازيه انتصار سياسي في لبنان من خلال انتزاع حلٍّ رئاسي على قاعدة “السلّة الكاملة” التي تشمل الى الرئاسة، قانون الانتخاب والحكومة الجديدة رئيساً وتوازنات وبياناً وزارياً وبعض التعيينات الحساسة وضوابط لإدارة الحكم (عبر السلطة التنفيذية) في العهد الجديد، وذلك في سياق رغبةٍ ايرانية في “تثبيث الأقدام” بملاقاة الانتخابات الرئاسية الاميركية وما قد تؤسس له من تحولات في مقاربة أزمات المنطقة وتحديداً الحرب في سوريا، مهتبرا انه “كُسر الطوق عن حلب وطارت السلّة”.
واشار القيادي عبر “الراي” الى أنّ “رياح حلب جرتْ بعكس ما اشتهى” محور “الممانعة” فـ “طارت حلب” (انكسر الطوق) وفي الوقت نفسه “طارت سلّة الحلّ” في لبنان التي كان يراد منها الالتفاف على اتفاق الطائف وتحقيق مكاسب مطابقة تماماً وحتى تذهب أبعد مما انتزعه الحزب في ايار 2008 كمعبر لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً ولكن هذه المرة “على البارد” اي من دون تكرار تجربة 7 ايار اي العملية العسكرية في بيروت والجبل، والتي لم يعد ممكناً التفكير في ما يشبهها في ظلّ متغيرات في الواقع اللبناني، ودخول عوامل احتقان تصاعدي لدى خصوم “حزب الله” ووجود عامل النزوح السوري، وهو ما يجعل اي انزلاق الى “جراحة عسكرية” بمثابة عملية قد ترتدّ بالكامل على الحزب وتُفقده استقراراً يحتاج اليه لحماية ظهره والقاعدة التي ينطلق منها الى حروبه في المنطقة.
واذا كان نجاح المعارضة السورية في فك الحصار عن حلب أفقد “حزب الله” ومحوره ورقة ميدانية ومعنوية، فإن خصومه في لبنان تكفّلوا في “ثلاثية الحوار الوطني” (2 و 3 و 4 آب الجاري) بإجهاض طرْح السلّة الكاملة بـ “نسختيْها” المصغّرة (رئاسة، قانون انتخاب، حكومة …) والموسّعة (أُغرقت بطرح إصلاحات نص عليها الطائف مثل مجلس الشيوخ ومجلس نواب خارج القيد الطائفي)، معيدين تثبيت أولوية انتخاب الرئيس وربْط اي تطبيق كامل للطائف بسلاح “حزب الله” ووجوب حصْر كل سلاح بالشرعية وبسط الدولة سيادتها على كامل أراضيها وان يكون قرار الحرب والسلم بيدها.
ورغم كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق عن ان انتخاب رئيس الجمهورية سيتم قبل نهاية العام الحالي “وان التشاور الذي يحصل داخل تيار المستقبل هو تشاور حول الخيارات السياسية التي يجب ان يتبعها التيار لأننا تيار قرار سياسي وليس تيار انتظار سياسي”، فإن القيادي اللبناني عيْنه أعرب عبر صحيفة “الراي” عن اعتقاده ان الرئيس سعد الحريري الذي انتقل في الملف الرئاسي من دعم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الى استكشاف حظوظ الرئيس أمين الجميل وصولاً الى تبني ترشيح النائب سليمان فرنجية لم يعد بإمكانه ان يقدّم أيّ مبادرة جديدة في الملف الرئاسي في المدى المنظور ولا سيما ان دعم فرنجية كبّده خسائر بين جمهوره ظهرت خصوصاً في الانتخابات البلدية الأخيرة في طرابلس، وهي الخسائر التي يمكن ان تتضاعف وتكون “قاتلة” بحال اي خطوة تنازلية اضافية في اتجاه العماد ميشال عون، ولا سيما ان الانتخابات النيابية على الأبواب وظاهرة الوزير المستقيل اللواء أشرف ريفي قد تتمدّد أكثر من منطقة.
وانطلاقاً من هذا الواقع، يستبعد القيادي ان يتزحزح الحريري عن دعمه فرنجية لمصلحة عون وهو ما تبلّغه بري، ما يعني في ظلّ تَمسُك “حزب الله” بـ “عون او لا أحد” و”لا سلّة يعني لا رئيس”، ان الأفق الرئاسي مقفل حتى إشعار آخر وان جلسة الحوار المقبلة في 5 ايلول ستكون بلا اي نتائج تفضي الى اي اختراق. علماً ان إشارات أخرى برزت الى ان الملف اللبناني صار عالقاً كلياً “في فم” الازمات الاقليمية ولا سيما السورية واليمنية، اذ نقلت تقارير صحافية في بيروت مناخاً دولياً مفاده ان باريس تلقّت طلباً من جهات دولية لعدم التدخّل مجدداً في الملف الرئاسي اللبناني، تحت حجة ارتباط هذا الملف تحديداً بمجريات الحل السوري الذي تتولاه الولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى بتفويض مباشر من حلفائها.
وفي غمرة هذا المناخ القاتم، بدا من الصعب التكهن اذا كان انتخاب رئيس قبل نهاية السنة هو مصلحة “استراتيجية” لـ “حزب الله” وايران بمعزل عن مآل الملفات الساخنة في المنطقة، لأن الإجابة عن هذا السؤال يمكن ان تفتح، حسب أوساط سياسية، الباب أمام علامات استفهام جديدة حيال “خريطة الطريق” لاستيلاد الحلّ وفق شروط الحزب، ولا سيما ان معادلة “السلة على البارد او الحامي” التي ارتسمت في بعض وسائل إعلام “8 آذار” قبل فترة لا تزال ماثلة، وإن كانت “حدود التحمية” محكومة باعتبارات الاحتقان الداخلي بوجه الحزب وعامل النزوح، ما يُبقي الخوف قائماً من استغلال اي تطورات أمنية يمكن ان تشهدها البلاد مثل تجدُّد موجة التفجيرات او سواها لإحراج “ممانعي السلة”.