كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
قصة إبريق الزيت، هي قصة الخلافات بين أبناء لاسا والبطريركية المارونية. مشكلة عقارية تُهدّد وجود عدد من الناس وأملاكهم، تحولت إلى صراع طائفي.عنوان الخبر في وسائل الإعلام أصبح «لاسا تعتدي على أملاك البطريركية المارونية»، ولولا بعض من «العيب والحياء»، لكانت استُبدلت لاسا بـ»الشيعة».
وسائل الإعلام هذه والأطراف المعنيون الذين ساهموا في تظهير الموضوع وكأنه «فتح شيعي» لأملاك «المسيحيين»، أسدلوا ستائر ذاكراتهم على النزاع الدموي الذي يعود إلى عام 1914 بين الكنيسة المارونية وأهالي ميفوق (في قضاء جبيل والتي ينتمي أبناؤها إلى الطائفة المسيحية). منذ سنتين، لجأ الأهالي إلى القضاء الذي وقف في صف الكنيسة. من أصل 12 مليون متر مربع، استعاد «الميفوقيون»، نظرياً، مليوني متر مربع فقط من دون أن يُطبّق الاتفاق. الأمر نفسه، وإن تبدّلت تفاصيله، يتكرر في لاسا.
المشكلة في لاسا ليست آنية، بل تعود إلى عام 1939، تاريخ آخر عملية مسح قانونية حصلت في البلدة. البطريركية المارونية تقول إنها تملك صكوك ملكية رسمية ووثائق تاريخية تعود إلى عهد العثمانيين تؤكد ملكيتها للعقارات. في حين أن أهالي لاسا يرون أن مسح عام 1939 تمّ في زمن كان «المسيحيون» يملكون فيه نفوذاً، الأمر الذي أدّى الى أن تؤول الأملاك إلى الكنيسة. وهم يؤكدون أن خريطة المساحة لا تضم توقيع أصحاب العقارات، «وكأنه لا وجود لأحد منا»، كما يقول الشيخ محمد عيتاوي.
الفصل الجديد من القصة حصلت أحداثه منذ قرابة أسبوع. الرواية التي انتشرت تقول إنّ عيتاوي وعدداً من أبناء البلدة اعتدوا على المسّاح العقاري فادي عقيقي عندما كان يضع «شقلات» (علامات على عقار ممسوح) على العقار 399، الذي تعود ملكيته الى أبرشية جونية المارونية.
يبدأ الشيخ محمد عيتاوي حديثه بالتذكير بالاتفاق الذي وُقّع بين طرفي الصراع منذ سنة «بأن العقار 399 غير صالح ليكون مرجعاً للمسح بسبب عدد من الشوائب. والاتفاق محفوظ لدى المحافظ». الملاحظات على العقار المذكور أنه يقع على مقربة من «مسجدين وجبانة وبيوت سكنية. كذلك فإن مالكي قرابة 10 عقارات يعترضون عليه، وقد قُبل اعتراضهم من القاضي العقاري». ما حصل منذ أسبوع، أنّ «عقيقي والكاهن جورج عطاالله قالا لنا إنهما يضعان الشقلات قبل تشييد مبنى. ذكّرناهما بالاعتراض، وبأن الملف على طريق الحل (نتيجة اتصالات سابقة بين الكاردينال بشارة الراعي ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عبد الأمير قبلان)». يقول عيتاوي إنّ عطاالله وافق على كلامه «وعزمَني عا فنجان قهوة، بس ما كان وقتنا بيسمح». من أصرّ على إجراء أعمال المساحة هو عقيقي، استناداً إلى عيتاوي الذي فوجئ «بانتشار الخبر والزعم أنني هدّدت ومنعتهم بقوة السلاح».
لا يبدو محامي الوقف الماروني أندريه باسيل مُقتنعاً بهذا الكلام، «كانوا أكثر من ثلاثين شاباً». بالنسبة إليه «هناك قانون لا يُطبّق. نحن لا نأخذ الأمور إلى منحى طائفي. ولكن هو تعدّ على ملك. العقار 399 ممسوح، وما بيخلونا نفوت عليه». مساحة عقارات بكركي تبلغ 5 ملايين متر مربع «مقسمة على 90 عقاراً. قدمنا قرابة 47 شكوى جزائية، وُضعت على أثرها إشارات منع التعدي».
الحل الذي يُقدمه باسيل هو «السماح باستكمال أعمال المسح وليُقدم كل طرف مستنداته». وتتردد معلومات في بلاد جبيل أن «أبناء لاسا يرفضون تقديم المستندات التي تؤكد ملكيتهم للعقارات، وكأنهم يبنون مزاعمهم على خبريات قديمة». الردّ يأتي من عيتاوي الذي يضحك قبل أن يقول «آخدين 14 حكماً على مساحة الـ1939. يرجعوا يصحّحوها». ينفي عيتاوي وضع ما يقوم به أبناء لاسا في خانة التصعيد، «فهذا حقنا». يعتقد أن لدى «البطريرك الراعي اتجاهاً لحلّها، ولكن بعض المنتفعين على الأرض لا يريدون». من جهة الوقف الماروني، «في كل الحالات سنستعمل القانون. ليش بدها تصير كل هالأمور البشعة؟ خلينا نطبّق المسح»، يختم باسيل.