كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
إثنا عشر يوماً على معركة “حلب” والحالة على حالها بالنسبة إلى النظام السوري وحلفائه في “حزب الله” و”الحرس الثوري الإيراني” والميليشيات العراقية، إذ لا جديد على صعيد “المعركة الفاصلة” التي يتحدث عنها النظام وحلفاؤه، سوى الحشود المتزايدة، التي يبدو وكأن المعركة ستكون معركة “العمر” أو التي يُمكن أن تُحدد إمّا بقاء طاغية الشام أو الإستعداد للإنتقال إلى مرحلة مقبلة من المفاوضات، قد لا يكون طرفاً فيها. أمّا الأبرز في الموضوع، فهو إرتفاع أعداد القتلى في صفوف الحلف “المُمانع” وقد وصل عدد القتلى في صفوف ضبّاط النظام وحده، إلى ما يُقارب الخمسة والسبعين ضابطاً.
حتّى الساعة، لا وعود تحقّقت لجهة إستعادة زمام المبادرة في “حلب” على يد “الممانعة” على الرغم من أن الطيران الروسي، والسوري، لم يغب عن سماء المدينة ومناطق اخرى في “إدلب” و”حماه” و”حمص” و”الغوطة” الشرقيّة! بالإضافة إلى حملات الإعتقال الواسعة للذكور الذين تراوح اعمارهم بين الثامنة عشرة والأربعين، التي يقوم بها نظام الأسد بهدف التعويض عن الخسائر البشرية التي لحقت بقواته خلال الفترة الماضية. حتّى أن “تلّة المحروقات” الإستراتيجية التي قال إعلام النظام بأنه استردها، عادت المعارضة وأكدت أن النقطة المذكورة، “ما زالت تخضع لعمليات كرّ وفرّ بين الجهتين”. والمؤكد أن “الممانعة” التي عملت طيلة فترة عام وأكثر، للسيطرة على “الكاستيلو”، قد تمكنت فصائل المعارضة السورية المسلحة من تحريره خلال أقل من ثمان وأربعين ساعة، بالإضافة إلى أكبر وأهم نقطة عسكريّة لقوات النظام في “حلب” وهي “مدرسة المدفعية”.
وأبعد من عمليات الكرّ والفرّ، تلقّى النظام ضربة موجعة بعد خسارته ما لا يقل عن إثنين وسبعين ضابطاً قُتلوا خلال أقل من يومين في “حلب”، ومعظمهم من الطائفة العلوية، غالبيتهم الساحقة تنحدر من اللاذقية وطرطوس، وهي قائمة اعترف بها موالو النظام تباعاً بالأسماء والأرقام والوحدات العسكرية التي يخدمون فيها، بالإضافة إلى البلدات التي ينتمون اليها. وقد ذكر الإعلام السوري المعارض، أن مذهب هؤلاء الضباط القتلى، يؤكد المعيار الذي يتخذه النظام السوري في تعيين ضباطه والوحدات والمناطق التي يخدمون فيها.
وبما أن يوم غد السبت هو موعد إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله والذي سيتحدث فيها عن “إنتصارات” حرب الـ 33 يوماً في تموز 2006، بدأ “حزب الله” صباح الخميس 11 آب، بتكثيف قصفه على بلدة “داريّا” في الجنوب الغربي من مدينة دمشق محاولا التقدم بالعمق فيها، علّه يتمكن من تحقيق “إنجاز” نوعي قبيل الإطلالة “المنتظرة”، خصوصاً أن أمراً كهذا يُمكن أن يستغلّه نصرالله أمام جمهوره خلال الاطلالة، بعد “النكبة” التي أصيب بها الحزب في “حلب”، كما أوعز عناصر الحزب الى أهالي “داريّا” عبر مكبرات الصوت ليل الخميس 11 آب، بضرورة إخلاء منازلهم والتوجه إلى خارج البلدة، أطفالاً ونساء وشيوخاً.
من بين الجراح التي تُعاني منها بيئة “حزب الله”، والدماء التي تنزف من عناصره في سوريا، عاودت كتلة “الوفاء للمقاومة” إطلاق الإتهامات في كل الإتجاهات وتحريف الحقائق عن موضعها، ومُستعيدة “معادلات” لم توضع إلّا بهدف الحد من قدرة الجيش وإخضاع الشعب وتشريده، فراحت تتحدث عن بطولات وهميّة وسيادة وطنية لم يتوان الحزب عن إستباحتها حتّى اليوم، وعن حوارات تنصّل منها مرّات ومرّات، وعن فراغ رئاسي يملؤه بسلاحه وبتهديداته العلنية وبأسماء هو في الأصل لا يرتضيها. والمُضحك المُبكي في بيان كتلة الحزب، حديثها عن “الجديّة والصدقيّة المطلوبتان للتوصل الى تفاهم ينهي الشغور الرئاسي”، ودعوتها الى “النهوض بمؤسسات الدولة وأجهزتها”.
أن تتحدث كتلة “الوفاء للمقاومة” عن ملفات الهدر والمخالفات في قطاع الاتصالات والانترنت غير الشرعي”، لهو أمر يدعو إلى الإستنتاج بأن هؤلاء قد أهداهم الله إلى سبيل الحق، وقرّروا التخلّي عن إقامة مشروع دويلتهم الخاصة، وإقفال مؤسساتهم التي أقاموها على أنقاض الدولة، وإعلان حالة “الطوارئ” في صفوف حزبهم، للقبض على جميع المُرتكبين والمُهربين والسارقين والمطلوبين من تُجّار مخدرات ومُتهمين بجرائم قتل، وتسليمهم إلى القضاء المختص. ومُقابل كل هذا، لا بد للبناني أن يحمد الله على أن “الكتلة” “مرتاحة لأداء المؤسسات والأجهزة الامنية والعسكرية كافة وفي مقدمتها الجيش اللبناني ومخابراته خصوصاً في مجال ملاحقة الارهابيين التكفيريين وحماية الوطن والمواطنين من شرورهم وجرائمهم”، وإلا لكانت أيامهم كلها، “قُمصان سود”.
وكعادتها، لم تترك كتلة “حزب الله” في بياناتها مكاناً فارغاً، إلا واستغلته للتهجم على المملكة العربية السعودية واتهامها بـ”انتهاك سيادة اليمن وارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية وتعطيل عملية التفاوض بين اليمنيين”، وكأن وجوده هناك وتسليحه وتدريبه للجماعات المسلحة، أمر قد أقرته له “شرعة حقوق الإنسان” والمنظمات الدولية وعلى رأسها “الأمم المتحدة”. وعلى وقع “تباكي” الحزب على اليمن وشعبه، يُمكن رصد إمعانه وإستمراره في قتل الشعب السوري بالعين المُجرّدة، وتهجيره الأحياء منهم من أرضهم. وفي قراءة مُختصرة للدور الذي يقوم به “حزب الله”، يتبيّن أنه قنّاص فرص بإمتياز، فمرة يستغلّ قضيّة فلسطين ومرّات يُحرّض في البحرين ويزرع الشقاق المذهبي في العراق وسوريا وصولاً إلى اليمن. والأنكى، أنه في كل مرّة يُعلن “مظلوميته” ويتباكى على ما فاته من مغانم وتقاسم حصص سواء في السياسة أو العسكر.
تبرير قادة “حزب الله” لجمهورهم الضربة التي تلقاها الحزب في حلب، تحوّل بالنسبة اليهم إلى هاجس يُلاحقهم في خطاباتهم اليومية. بالأمس رأى رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” هاشم صفي الدين أن الجيش السوري وحلفاءه يمسكون بزمام الأمور في حلب بعد أن سدوا الثغرة البسيطة التي تمكن الإرهابيون من فتحها”، لافتاً إلى أن “الضجة الإعلامية التي رافقت معركة حلب كانت أكبر بكثير من الوقائع”. هذا الإستهتار بالجمهور وعدم احترام عقله ودموعه على فلذات أكباده، يدفع إلى السؤال عن هذه الثغرة التي أوقعت ما لا يقل عن ثلاثمئة قتيل في صفوف حلفه خلال أقل من اسبوع، وأدت إلى سقوط العديد من المراكز العسكرية والمواقع الإستراتيجية؟. أمّا الطامة الكبرى، فقد تمثلت بشرح لقيادي في الحزب حول معركة “حلب”، حيث شبّه الوضع بـ”دائرة كبيرة، تم اختراقها بدبّوس” صغير”، ثم خلص الى القول “هذا هو الوضع في حلب”.