كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
لم يعد الوقت يتسع لمفاجآت فيالتعيينات العسكرية التي آن أوانها. آخر محطاتها في أيلول ستكون على صورة محطتها الأولى الأسبوع المقبل. ما يقرره مجلس الوزراء في الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع يشقّ طريقه إلى قائد الجيش.
ليل السبت ــ الأحد المقبلين (20/21 آب) ينتهي تأجيل تسريح الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، ما يجعله برسم الإحالة على التقاعد ما لم يصر إلى تأجيل تسريح ثالث له.
يضيق الوقت، ولم يعد أمام مجلس الوزراء الذي يُفترض انعقاده الخميس 18 آب، سوى اتخاذه قراراً يبتّ مصير خير بتعيين خلف له، أو وضع المبادرة مجدداً بين يدي وزير الدفاع سمير مقبل.
رغم أن مقبل وقّع السنة الماضية، في موعد واحد هو 6 آب 2015، ثلاثة قرارات منفصلة بتأجيل تسريح خير وقائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان، إلا أنه ميّز تاريخ إحالة كل منهم على التقاعد، فجعل خير في 21 آب وقهوجي وسلمان في 30 أيلول. حينذاك أثار هذا الاختلاف علامة استفهام قبل أن يتضح مغزاه في الاستحقاق الحالي الوشيك، وهو الإيحاء بأن قرار خير مؤشر الى قرار قهوجي.
واقع الأمر أن ليس أمام مجلس الوزراء سوى الالتئام في الموعد اليتيم، الخميس المقبل، لتحديد خيارات التعيينات العسكرية بدءاً من أولها الحتمي: إما تعيين خلف لخير بثلثي أصوات مجلس الوزراء، أو تجاهل التعيين والتظاهر بالخلاف على اسم الخلف، ومن ثمّ تعريض المنصب إما للشغور أو وضع المبادرة بين يدي مقبل الذي يتحضّر، على ما يبدو، لقرار ثالث بتأجيل تسريح. إخفاق جلسة مجلس الوزراء الخميس يحمل الوزير على توقيع قرار تأجيل تسريح خير في خلال ساعات لا تتعدى ظهر السبت، موعد انتهاء الدوام الرسمي.
الاثنين الفائت، تبلغ مقبل من رئيس الحكومة تمام سلام تفضيله تأجيل تسريح الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع في الوقت الحاضر، وخصوصاً في ظل شغور رئاسة الجمهورية، ناهيك بربط تعيين الخلف بسلة تعيينات عسكرية سواه. مساء اليوم نفسه، سافر مقبل، على أن يعود غداً الأحد. من الاحتمالات المتداولة طرحه على مجلس الوزراء ثلاثة أسماء لاختيار أحدها يحلّ محلّ خير، من دون أن يؤول ذلك حتماً الى تعيين أحد، وإنما تكريس الخلاف لتبرير تأجيل التسريح.
لا تكمن المشكلة في منصب خير، ولا يفضي خلوّه ــ متى أخفق تعيين خلف له ــ الى فراغ في المجلس العسكري الذي صار الى ملء الشغور فيه، واكتمل في 28 كانون الثاني الفائت بتعيين ثلاثة من أعضائه. بل يُنظر الى بتّ مصير هذا المنصب ــ وخصوصاً عندما يُرتأى تأجيل تسريحه ــ على أنه مؤشر مباشر الى ما سيكون عليه قهوجي.
ما يجري الحديث عليه في الأروقة الضيقة أحد خيارين:
1 ــ سلة متكاملة، وإن تبعاً لمرجعي اختصاص مختلفين: تعيين مجلس الوزراء العميد حاتم ملاك رئيساً للأركان خلفاً لسلمان بثلثي أصوات مجلس الوزراء ــ وكان النائب وليد جنبلاط قد أبلغ الى الوزير وقيادة الجيش ترجيحه كفته ــ على أن يصير الى إصدار وزير الدفاع قرارين منفصلين بتأجيل تسريح خير وقهوجي في الساعات التالية، بذريعة أن مجلس الوزراء تخلّف عن أداء مسؤوليته في تعيين بديل منهما، وتفادياً لوقوع شغور، وخصوصاً على رأس قيادة الجيش.
2 ــ تقسيط التعيينات بأن تقرّ بالقطعة فحسب: يُبتّ تأجيل تسريح خير قبل الوصول الى ليل السبت، ويؤجل استحقاقا قائد الجيش ورئيس الأركان الى أوانهما، عشية 30 ايلول.
على أن ما ينتظر جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل بضع ملاحظات:
أولاها، أن تأجيلاً محتملاً لتسريح خير لن يُفسّر فحسب على أنه إشارة جدية الى الخطوة التالية التي هي تأجيل تسريح قهوجي، بل استفزاز الرئيس ميشال عون ما إن يتلقفه، واستعجال مواجهته حكومة سلام، من غير أن تتضح تماماً بعد أي خيارات سلبية بين يديه.
ثانيتها، وفقاً لمراجعة مواقف كتل مجلس الوزراء، يمتلك الفريق الذي يدعم تعيين خلف لرئيس الأركان ــ وليس ثمة خيار سواه تجنباً لفراغ المنصب رفضه جنبلاط سلفاً ــ أكثر من ثلثي الأصوات، بينما لا يتوافر للفريق الذي يدعم تعيين قائد للجيش الكمّ نفسه من الأصوات لفرضه. الأصح أن محور هذا الاشتباك هو تسعة وزراء يمثلون الثلث +1: التسعة القادرون على تعطيل تعيين رئيس للأركان ما لم يقترن بتعيين قائد للجيش. في المقابل، ثمة أكثر من تسعة وزراء، بل أكثر من الثلثين، لا يحبذون ــ كل لأسباب مغايرة ــ تعيين قائد جديد. الواقع أنه ليس في جعبة مؤيدي خيار تعيين خلف لقهوجي سوى صوتين، هما وزيرا التيار الوطني الحرّ، إذا كان لا بد من الأخذ في الحسبان فحوى البيان الأخير لنواب حزب الله الذي أطرى، في فقرة مستقلة، الجيش على إنجازاته في جبه الإرهاب، ما يجعل توقيت الفقرة هذه بالذات ــ بالتزامن مع أكثر من زيارة لحزب الله لليرزة ــ ذا مغزى.
ثالثتها، أن معظم كتل مجلس الوزراء تجزم بلا أدنى تردد بتأييد تأجيل تسريح قهوجي، وتفصل بينه وبين استحقاقَي رئيس الأركان وخير. أفصح رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما رئيس الحكومة تمام سلام، كما الرئيس ميشال سليمان والنائبان وليد جنبلاط وسليمان فرنجية، وتيار المستقبل ومَن تبقى من وزراء حزب الكتائب والوزراء المستقلين عن حجة مزدوجة يتسلح بها وزراؤهم: رفضهم شغور قيادة الجيش، وعدم صواب تعيين قائد قبل انتخاب رئيس للجمهورية المعني بدوره بهذا الاستحقاق وصاحبه.