كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
ينتظر العالم برمته الثلثاء الأول من تشرين الثاني المقبل لمعرفة سيد البيت الأبيض الجديد: هيلاري كلينتون أم دونالد ترامب.
هذه المرة تزداد الحماسة ويرتفع منسوب الترقّب لمعرفة من هو الرئيس الـ45 للدولة الأقوى في العالم، لسبب بسيط يرتبط بشخصية مرشح الحزب الجمهوري المثيرة للجدل والخارجة في الكثير من الأحيان عن اللياقات الديبلوماسية والخطابات التقليدية.
أضاف ترامب للاستحقاق الأميركي نكهة جديدة لم تكن حاضرة في السباقات الرئاسية، حيث نجح في جرّ دوائر القرار في العالم الى رسم كل السيناريوهات “الانقلابية” التي قد تصبح أمراً واقعاً في حال نجح الرجل في الوصول الى البيت الأبيض.
صحيح أنّ الولايات المتحدة دولة مؤسساتية تحكمها مراكز نفوذ تاريخية محددة، ولكن نظامها الرئاسي يترك للرئيس وشخصيته ومزاجيته هامشاً يتسع أو يضيق تبعا للصفات نفسها.
فالمرشحان استفاضا خلال حملاتهما الانتخابية في مقاربة ملفات الشرق الأوسط المعقدة، وتحديداً سوريا، حيث أبدى ترامب ميله الى مبدأ تقليص تدخل بلاده عسكرياً، فيما نحت كلينتون باتجاه المزيد من التدخل من خلال إقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا، وإرسال قوات أميركية خاصة بشكل فوري لدعم “المعارضة السورية المعتدلة” وتدريبها.. ومع ذلك، يقول أحد المحللين إنّ الحملات شيء والفعل من موقع الرئاسة شيء آخر.
بهذا المعنى، يعتبر ديبلوماسي لبناني سابق في واشنطن أن لهذه الدورة الرئاسية دلالات بسبب مواقف ترامب، حتى أنّ حلفاءه يبدون خشية علنية من وصوله الى رأس الهرم الأميركي، وكذلك موسكو غير القادرة على التنبؤ بتصرفاته، أسوة بالرياض التي تميل للاعتقاد بأنّ كلينتون سترفع مستوى الدعم للمعارضة السورية، ولكنها بطبيعة الحال لن تحرّك الأساطيل الأميركية لأجلها، وبالتالي، فإنّ السيناريو الليبي (التي كانت جزءاً منه) لن يتكرر وفق تقديرات الديبلوماسي نفسه، أي أن التدخل الأميركي في الملفات الخارجية سيكون محدودا بطبيعة الحال.
أما لبنان الذي لم يأت على ذكره المرشحان الجمهوري والديموقراطي، باستثناء مرة يتيمة أعلن فيها ترامب نيّته مساعدة المسيحيين فيه، فهو بنظر الديبلوماسي ذاته، غير موجود في أولويات سيد البيت الأبيض الجديد أياً تكن هويته. الثابت الوحيد في “أجندة” الفائز في الانتخابات هو الاستقرار في لبنان واستمرار دعم المؤسسة العسكرية اللبنانية، وهذا أمر لا خلاف عليه بين المرشحين الديموقراطي والجمهوري، خصوصاً وأنّ أولوية مكافحة الإرهاب في العالم تحتلّ جدول أعمال الرئيس من أي حزب أتى.
في السياق نفسه، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية د.هلال خشان أنّ أزمات منطقة الشرق الأوسط مترابطة بعضها ببعض، ولا ينفي أبداً أنّ الملف اللبناني سيتأثر حكماً بانطلاق قطار التسويات الكبيرة، كونه أحد تفرعاتها وليس بكونه ملفاً حيوياً قد يستدعي تدخلاً أميركياً مباشراً.
بنظر خشان، صار التفاهم الروسي – الأميركي شبه مكتمل وينتظر تسلّم الرئيس الجديد ليكمل مساره. بتقديره كلينتون هي التي ستكون خليفة باراك اوباما، لأنّ السلم العالمي لن يصمد أمام احتمال تربع ترامب على كرسي البيت الأبيض، كما عبّر أكثر من رئيس دولة، وبالتالي، فإن سيناريو انتخابه رئيساً ما زال ضعيفا جداً، مشيراً الى أنّ الرئيسة العتيدة لن تخالف مسار سلفها الداعم لها، لا بل ستعمل على استكماله، وان ببصماتها الخاصة.
هكذا يعتبر خشان أنّ حلّ الأزمة السورية ينتظر تسلّم كلينتون زمام الإدارة الأميركية، وقد يظهر أول مؤشراته مطلع العام المقبل، لأنّ خطوطه العريضة قد رسمت بالتفاهم مع المسؤولين الروس، ويفترض أن يصار الى تحديد كل معالمه مع انطلاق الإدارة الأميركية الجديدة. لهذا، يرى أنّ معركة حلب لن تنتهي بحسم وذلك من أجل الحفاظ على روح التوافق في التسوية الكبرى، التي ستكون على الطريقة اللبنانية: لا غالب ولا ومغلوب.
ويؤكد أنّ عِقد الملف اللبناني ستنفك تلقائياً مع بدء تنفيذ الاتفاق السوري والذي سيأخذ وقته طبعاً، مع أنّ الثابت الوحيد في السياسة الأميركية تجاه لبنان هو الحفاظ على استقراره.
واذا كان من غير المتوقع أن تشذّ كلينتون كثيراً عن الدرب الذي أرساه الرئيس الحالي باراك أوباما، فإنّ وصول ترامب، وخلافاً للتوقعات، الى سدّة الرئاسة، قد يعني اهتماماً أكبر من جانب الإدارة الأميركية، وفق خشان، وذلك بسبب أحد مستشاريه (وليد فارس) وهو لبناني الأصل، وذات سياسة يمينية متشددة، ما يعني مقاربة ملف “حزب الله” والعلاقة مع ايران بشكل متطرف أكثر، والعمل تالياً على عزل لبنان عن محيطه والدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية.