كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تخرق الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية المصري سامح شكري لبيروت بعد غد المشهد السياسي في لبنان الذي يراوح فوق “فوهة” استحقاقاتٍ دخلتْ في “سباقٍ مع الوقت” محكومٍ بمحطات داخلية مفصلية كالانتخابات النيابية في مايو 2017 وبمجريات الصراع الاقليمي اللاهب وتحولاته الاستراتيجية.
وتشكّل زيارة شكري التي تستمرّ 48 ساعة ويلتقي خلالها مروحة واسعة من الشخصيات الرسمية والسياسية أوّل إطلالة مباشرة على هذا المستوى لمصر على الأزمة اللبنانية التي يختصرها الفراغ في رئاسة الجمهورية المستمرّ منذ 25 مايو 2014 وما استولده من شللٍ مؤسساتي، وسط مخاوف من تداعيات إطالة عمر هذا الفراغ على مجمل الواقع اللبناني المثقل بأزمة نازحين سوريين باتوا يشكلون نحو نصف عدد سكانه المقيمين والذي يعيش هاجس المخاطر الأمنية التي ترتفع كلّما اشتدّ “عصْف” المواجهة بين قوى التأثير في المنطقة.
وفي موازاة أهمية المواكبة المصرية المباشرة للأزمة اللبنانية من زاوية ما تعبّر عنه من بقاء لبنان ضمن الأولويات العربية رغم التأزم الذي ساد علاقته مع “حضنه” العربي على خلفية تدهور العلاقات بين ايران ودول الخليج ولا سيما السعودية واعتبارها ان “إرداة لبنان مصادَرة من “حزب الله”، فإن مصادر سياسية في بيروت لا تعوّل الكثير على زيارة شكري لجهة إمكان ان تقدّم اي “إطار حلّ” للأزمة اللبنانية وإن كانت ستساهم في إعطاء دفْع معنوي للجهود الديبلوماسية الرامية الي إنهاء الفراغ الرئاسي.
واعتبرتْ المصادر عبر “الراي” ان شكري يزور لبنان بإيعازٍ من الرئيس عبد الفتاح السيسي وكترجمةٍ لاهتمام القاهرة بتوجيه رسالة “عدم يأس” من امكان اجتراح مخارج للمأزق اللبناني رغم ان شكري لا يحمل اي مبادرة جاهزة او خريطة طريق للحلّ لن تكون ممكنة أصلاً بلا أرضية خارجية ونقاط ارتكازٍ لا توفّرها الا قوى الثقل والنفوذ في لبنان.
وتابعت إن “محادثات شكري لن تخرج في حصيلتها عما خلصت اليه مهمة وزير الخارجية الفرنسي جان – مارك ايرولت قبل اسابيع لجهة تأكيد استمرار المعاينة الخارجية للوضع اللبناني ولكن من دون اي قدرة فعلية على كسْر المأزق رغم الكلام على ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي ودعوة اللبنانيين الى فكّ ارتباط هذا الملف بالتطورات الخارجية”.
وذكّرت بأنه قبل المحاولة الفرنسية التي جُمدت عملياً، كانت موسكو سعت مراراً مع طهران سواء من خلال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين او وزير الخارجية سيرغي لافروف او مسؤولين آخرين لسدّ الفراغ في الرئاسة اللبنانية فكان الجواب دائماً بأن “القرار عند اللبنانيين ولا نتدخّل في شؤون لبنان”، وصولاً الى ما نقلته صحيفة “المستقبل”، امس، عن تقارير ديبلوماسية من ان لافروف كان اقترح في لقائه قبل الأخير على نظيره الأميركي جون كيري تشكيل لجنة دولية لمعالجة الملف الرئاسي اللبناني على طريقة مجموعة “الخمسة زائد واحد” التي نجحت في الوصول الى اتفاق بين الغرب وإيران، أي إشراك الدول المعنية بالوضع اللبناني في هذه المجموعة وإطلاق دينامية ديبلوماسية يمكن أن تقود الى اختراق ملموس، لكن الوزير الأميركي اكتفى بالقول “لدينا أولويات أخرى” في اشارة الى الملف السوري وتعقيداته المتصلة بالمرحلة الانتقالية في سورية ودور الرئيس بشار الأسد فيها.
وتوقّفت المصادر عيْنها عند الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لتركيا في الساعات الماضية، لتشير الى ان طهران لن تكون في وارد إعطاء القاهرة اي تنازلات ذات صلة بالواقع اللبناني، هي التي سبق ان رفضت ان تمنح باريس مراراً وتكراراً اي “هدايا” سياسية في الملف اللبناني سواء ربطاً بموقف فرنسا المتشدد في مرحلة مفاوضات النووي، او لاقتناع ايران بان اي “deal” مع الغرب حول لبنان يكون مع واشنطن او من ضمن مقتضيات المواجهة مع السعودية في المنطقة.
ووفق المصادر، فانه في مرحلة محاولة التقارب الايراني – التركي وتطبيع العلاقات التركية – الروسية، فإن تأثير أنقرة كـ “حلقة وصْل” بين أطراف الصراع الخارجيين على لبنان قد يكون أقوى، رغم الاقتناع الراسخ أكثر فأكثر بأن أزمة رئاسة الجمهورية معلّقة أقله حتى آخر السنة او ربيع 2017 وانه بات من شبه الاستحالة فصْلها عن الاشتباك الكبير في المنطقة وعن الهدف الذي وضعتْه طهران لجهة تثبيت نفوذها في لبنان عبر تمكين حلفائها من جعل الاستحقاق الرئاسي مدخلاً لتسوية تشتمل على إعادة توزيع “كعكة السلطة” في البلاد وضمان موقع لبنان الاقليمي بما يخدم توجهاتها.
ومن هنا، فإن الأيام المقبلة في لبنان ورغم كل المحطات التي تزخر بها سواء لجهة زيارة وزير الخارجية المصري او جولة الحوار الوطني الجديدة في 5 سبتمبر لن تحمل اي اختراقات في جدار الأزمة بل ستشكل جولات جديدة في “شراء الوقت” الذي حكمته قوى “8 آذار” في لبنان بقيادة “حزب الله” بمواعيد مثل نهاية السنة لإنجاز تفاهُم على الرئاسة من ضمن السلة المتكاملة التي تشمل ايضاً قانون الانتخاب والحكومة الجديدة رئاسة وتوازنات وبياناً وزارياً وتعيينات حساسة وضوابط لإدارة السلطة في العهد الجديد وإلا تكون البلاد وُضعت، مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في ظلّ عدم التوافق على قانون جديد، على سكة ما اعتبره بري فراغاً يودي الى “حرب اهلية” او “الخراب” وصولاً الى إدخال مصطلح جديد امس على “الحرب النفسية” عنوانه … “جهنّم الحمرا”.