كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:
لعلّها المرّة الأولى التي ينتظر فيها «حزب الله» ردّاً سريعاً مِن سعد الحريري على ما طرحه السيّد حسن نصرالله في «خطاب الانتصار» في بنت جبيل. لكنّ الحريري لم يردّ، لا تلميحاً ولا تصريحاً ولا تغريداً، على جري العادة بعد كلّ خطاب.دخل السيّد نصرالله على خط الحوار الرئاسي بين الحريري والنائب ميشال عون، واضحٌ أنّه يؤازر حليفَه البرتقالي، لعلّه يمنحه قوّة دفعٍ إضافية، تساهم في فتحِ باب القصر الجمهوري أمامه.
ممّا لا شكّ فيه أنّ هذا التطوّر في موقف نصرالله، لناحية إمكان القبول بسعد الحريري رئيساً للحكومة، يَرفع من معنويات عون، وسيَرفع أيضاً منسوبَ التفاؤل في الرابية أكثر ممّا كان عليه في الأسبوعين الأخيرين، ذلك أنّ نصرالله قارَب «الإيجابية الحريرية» بإمكان تبنّي ترشيح عون، بوصفِها خطوةً، يمكن أن يُبنى عليها، إن كانت جدّية أو تستبطن عناصر إنجاحها، وقابلها بمرونة واضحة وبإعلان الاستعداد لإبداء الإيجابية والانفتاح على رئاسة الحكومة.
لم يسَمِّ الحريري بالاسم، ولكن ما بين سطور «إيجابية نصرالله»، إيحاء واضح بأن لا «فيتو» من حيث المبدأ على اسم الحريري لترؤسِ حكومة ما بَعد انتخاب عون.
من البديهي القول هنا إنّ «إيجابية نصرالله» لا تقدّم جواباً شافياً للحريري، على الأسئلة الكثيرة التي طرَحها ويريد أجوبةً واضحة عليها، ولا توفّر له شيئاً مِن «الضمانات» التي يطلبها، وتحديداً مِن «حزب الله»، بل هي تنقل الكرةَ سياسياً إلى ملعب رئيس تيار المستقبل. وهنا تنبري مجموعة من الأسئلة:
– هل إنّ «إيجابية نصرالله» تنطلق من فرضية أنّ عون بات محسوماً لرئاسة الجمهورية؟
هل هذه «الإيجابية» منسَّقة مع الحلفاء الأقربين لنصرالله، وعلى وجه الخصوص مع الرئيس نبيه برّي؟
– إذا كان الذهاب إلى انتخاب رئيس الجمهورية قد حسِم أولاً، فماذا عن سائر الأمور الأخرى، علماً أنّ برّي يؤكّد على أنّ الرئاسة ليست هي الحلّ بل هي جزء منه؟
– هل القصد مِن رمي الكرة في ملعب الحريري، هو وضعُه أمام امتحان إثبات صدقيته وإقران قوله بإمكان تبنّي ترشيح عون للرئاسة بالفعل وبإجراءات وخطوات ملموسة؟
– هل قصَد نصرالله توجيه رسالة مباشرة إلى الحريري «إن كنتَ تملك القدرة والقناعة والجراة والإرادة في أن تسير بميشال عون رئيساً للجمهورية نحن نقبل بك رئيساً للحكومة»؟
– هل قصد نصرالله القول للحريري إنّ وصولك إلى رئاسة الحكومة مرتبط بدفتر شروط، إنْ توفّرَت لديك عناصر وقدرة التجاوب معها، يمكن الجلوس على الطاولة لرسمِ خارطة الطريق وطرح كلّ التفاصيل والعناوين على بساط البحث والتفاهم عليها، بمعزل عن تطوّرات الإقليم، وبالتالي الترجمة الصادقة والسريعة لها».
– هل تستبطن «إيجابية نصرالله» الإيحاءَ بالاستعداد على الموافقة على تقديم تنازلات متبادلة، وما هو حجم التنازلات التي يمكن أن يقدّمها «حزب الله»، وأيّ الأمور والمواضيع التي يمكن أن يتنازل فيها؟
– أيّ ثمن يطلب نصرالله أن يدفعه الحريري، وهل يستطيع الحريري أصلاً أن يدفع الثمن، سواء في السياسة الحكومية، أو الأداء، أو كيفية إدارة الدولة، أو السلاح، أو مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية، أو المحكمة الدولية، أو العلاقات مع سوريا بين الدولتين وبين حكومتَي البلدين ومع نظام الرئيس بشّار الأسد.
وهل يمكن أن يتنازل الحريري انتخابياً ويساهم في إنتاج قانون انتخابي جديد على أساس النسبية، سواء بالنسبية الشاملة أو النسبية ضمن القانون الانتخابي المختلط؟
– هل هذه «الإيجابية» تخاطب، بشكل غير مباشر السعودية، بالقول إنّنا موافقون على سعد الحريري رئيساً للحكومة فوافِقوا أنتم على عون رئيساً للجمهورية؟
– هل يمكن أن تستجيب السعودية، وتوافِق على عون، أم أنّها ستعتبر أنّ إيجابية نصرالله ما هي إلّا ليونة ظاهرية لمحاولة تحقيق انتصار سياسي بإيصال عون إلى رئاسة الجمهورية؟
– هل تستطيع السعودية أن تمنح «حزب الله» هذه « الهبة الكبرى» وتوافق على عون، بل هل تستطيع أن توافق على عون وهي لطالما اعتبرَت أنّ انتخابه انتصارٌ لإيران و»حزب الله»؟
– هل هذه «الإيجابية» تحرج الحريري مع السعودية وتضعه أمام المهمة المستحيلة بمحاولة إقناع المملكة بالقبول بترشيح عون؟
– هل يملك الحريري قدرةَ إقناع المملكة وانتزاع موافقتِها على عون؟
– هل يملك الحريري قدرةَ إقناع فريقه وتيّاره السياسي بعون، خاصة وأنّ هناك في داخل تيار المستقبل من يجاهر بالاعتراض ويعزّز هذا الاعتراض بقوله «أمامنا 2 ميشال عون، عون المرشّح الحمائمي الذي يتمسكن ليتمكّن، وعون الرئيس الذي إذا ما وصَل إلى رئاسة الجمهورية سيَجعلنا نندم ونترحّم…؟
على أنّ السؤال الأهم، هل سيتلقّف الحريري إيجابية نصرالله، وكيف؟
بديهيٌّ القول إنّ الحريري قد يُخضِع ما قاله نصرالله لتقييم معمَّق، خاصة وأنّ المشهد صار على الشكل التالي: حوار الحريري وعون أعطى الأخير قوّةَ دفع محلية أولى، وطرحُ نصرالله بالامس، أعطى عون قوّةَ دفع ثانية، إلّا أنّ هذا الدفع الداخلي قد لا يكون كافياً لخلقِ مسار إيجابي يوصل عون إلى الرئاسة الأولى، فإلى جانب «دفتر الشروط» غير الواضح المعالم حتى الآن، لا توجد قوّة دفع إقليمية أو دولية له.
هناك من يقول إنّ الكلمة الفصل عند السعودية، فإنْ قالت نَعم لعون اليوم، فهذه الـ»نعم» ملزِمة لتيار المستقبل وبالتالي سيتمّ انتخاب عون غداً، ولكنّ الوقائع اللبنانية وكذلك واقع المنطقة، تشي بسدودٍ تعترض طريق عون:
– أوّلاً، حتى الآن ما زالت السعودية على رفضِها فصلَ الملفات في المنطقة عن بعضها البعض، فكيف يمكن ان تعطي في لبنان وتوافق على عون أو غيره، قبل ان تأخذ في سوريا أو اليمن أو في أيّ مكان آخر.
– ثانياً، الاشتباك السعودي الإيراني في ذروته، وصارت الأمور أكثرَ تعقيداً بين البلدين وعلى كلّ المستويات، سواء في لبنان أو سوريا، وصولاً إلى العراق واليمن، فهل يمكن للسعودية في ظلّ هذا الاشتباك الكبير أن توافق على عون الذي تعتبره مرتبطاً بشكل أو بآخر بإيران.
– ثالثاً، الاشتباك بين السعودية و»حزب الله» في ذروته، وعلاقتُها مقطوعة به نهائياً، وصَنّفته في لحظة ما حزباً إرهابياً، وما تزال على هذا التصنيف. فكيف يمكن أن تقبل بمرشّح هذا الحزب رئيساً للجمهورية في لبنان وهي التي تعتبر نفسَها معنيةً به ولها فريق وازن فيه يمتّ إليها بصِلة سياسية وغير سياسية.
– رابعاً، دلّت التجربة مع السعودية إلى أنّها إنْ كانت لديها الرغبة أو النية الجدّية في أن يصل شخصٌ ما في لبنان أكان سعد الحريري أو غيره إلى رئاسة الحكومة، فهي تسعى إلى ذلك بحراك ما أو مبادرات أو مشاورات في السرّ أو في العلن لإيصال الشخص المعني، ولكن حتى الآن، لم يبدر عن السعودية ما يعكس أنّ تلك الرغبة موجودة. أو أنّ موضوع رئاسة الحكومة قد طرِح بينها وبين الحريري.