لن يبذل تيار “المستقبل” ـ كما تقول مصادر بارزة فيه ـ لصحيفة “الحياة” “جهداً للتدقيق في فحوى الموقف الذي أطلقه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطابه بمناسبة الذكرى العاشرة لانتصار المقاومة في حرب تموز 2006، وتحديداً في إشارته غير المباشرة إلى الرئيس سعد الحريري من أنه سيكون منفتحاً وإيجابياً حيال ما يتعلق برئاسة الحكومة، ولن نصعّب الأمور بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية”.
وعزت المصادر السبب إلى أنه “أراد أن يبيعه مواقف مجانية من كيسه تفتقد إلى ضمانات ولا تصرف في مكان، لأن المقرر الوحيد في موضوع الرئاسة الثالثة هو البرلمان، هذا إذا أراد الحريري الترشح إلى المنصب”.
وأوضحت ان “السيد نصرالله، بموقفه من رئاسة الحكومة، أراد أن يختزل الكتل النيابية وينوب عنها في اتخاذ القرار، ولا يأبه للآلية الدستورية التي هي بمثابة خريطة طريق لتسمية رئيس الحكومة وتشكيل الوزارة.”
وتوقفت المصادر أمام “قول السيد نصرالله في مخاطبته “داعش” لوأد الفتنة في سورية ومصالحته”. وسألت “لماذا تبدل موقفه من منتصر في حلب قبل أسبوعين إلى باحث عن تسوية في سورية؟ وما هو وقع كلامه هذا على مقاتليه الذين يقاتلون المجموعات الإرهابية والتكفيرية؟”.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر سياسية متعددة لـ”الحياة” عن “الأسباب التي أملت على نصرالله الانفتاح على الحريري”. اضافت: “إن عون أبلغ قياديين في “حزب الله” بأن عليهم القيام بخطوة سياسية حيال زعيم “المستقبل” توازي تواصل قيادات من “التيار الوطني الحر” مع قياديين في التيار الأزرق، لاعتقاده أنها تسمح له بتسجيل خرق سياسي كبير في الجهة السياسية الداعمة لمنافسه زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية على رئاسة الجمهورية، لعلها تؤدي إلى كسب تأييده في مقابل طمأنته إلى أن رئاسة الحكومة ستكون من نصيبه”.
وأكدت أن “نصرالله تجاوب مع عون وقرر أن يتقدم خطوة في اتجاه الحريري ولو من باب رفع العتب لتهدئة حليفه العماد عون لعله يساهم في خفض منسوب مخاوفه حيال تقدم فرنجية عليه، في ضوء إحساسه الدفين بأن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لا يزال على موقفه الداعم لفرنجية ويشاركه في دعمه له رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط.”
ولفتت المصادر عينها إلى ان “نصرالله أراد ان يوصل إلى حليفه عون رسالة بأنه قام بواجبه وعلى أكمل وجه حيال الحريري، مع أن التجارب الحوارية للأخير مع “حزب الله” لم تكن مشجعة بسبب عدم صموده أمام التزاماته وانقلابه على تعهداته، من اتفاق الحوار الوطني في الدوحة في قطر إلى “إعلان بعبدا” إبان تولي الرئيس ميشال سليمان رئاسة الجمهورية، مروراً بالحوار الثنائي الذي لا يزال يدور في حلقة مفرغة بلا نتائج.” وسالت عن “الجدوى من محاولة نصرالله “دق إسفين” في علاقة الحريري برئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة وتقديم الأخير على أنه يتحرك في الاتجاه المعاكس له”.
واعتبرت أن “خطوة نصرالله في اتجاه الحريري ليست أكثر من توجيه رسالة مجانية له غير قابلة للصرف ولا للتسويق”، فيما سألت المصادر في “المستقبل” عن “الأسباب التي تمنع الأول من التوجه إلى حلفائه لإقناعهم بتأييد عون للرئاسة بدلاً من التوجه إلى خصمه السياسي، أي الحريري؟”.
وتابعت: “ما الذي يمنع نصرالله من الالتفات إلى حلفائه، وهل يريد “حزب الله” فعلاً إخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم، أم أنه يريد الالتفاف على من يتهمه بتعطيل النصاب، بعدم تلبية دعوات الرئيس بري للنواب لانتخاب رئيس جديد؟ وإلا كيف يوفق الحزب بين تأييده عون ومقاطعته جلسات الانتخاب؟”.
وقالت المصادر إنها “تتعامل مع “مبادرة” نصرالله على أنها مناورة معقدة وإعلامية وغير مضمونة النتائج ولن تساهم في تحريك المياه الراكدة في اتجاه الإسراع بانتخاب الرئيس. ورأت أن ما طرحه يدفع إلى استنتاج أن إيران ليست في وارد تسهيل انتخاب الرئيس حتى إشعار آخر”.
وتابعت: “لو أن إيران على استعداد للإفراج عن الاستحقاق الرئاسي، فهل هي لا تملك القدرة على التدخل لدى حلفائها لإقناعهم بجدوى دعم “حزب الله” لعون، وهذا ما يتناغم مع شعور الغالبية العظمى من اللبنانيين بأنها ليست مستعجلة، وهي لهذا السبب تلعب لعبة التلازم بين انتخاب الرئيس وبين إمكان استقرار التأزم الدموي في سورية على تسوية سياسية”.
ضافت المصادر السياسية المواكبة للعلاقة بين إيران و”حزب الله” “الذي يمدد الشغور في الرئاسة الأولى، أن طهران ستبادر من خلال حلفائها إلى “استثمار” عدم تجاوب “المستقبل” مع خطوة نصرالله في تحميل المملكة العربية السعودية مسؤولية إعاقة انتخاب الرئيس.”
وأكدت أن “تحميل المملكة مسؤولية تعثر انتخاب الرئيس سيكون بمثابة تحصيل حاصل، وقالت إن طهران تتلطى وراء خطوة نصرالله للهروب إلى الأمام بدلاً من سؤالها عن سر “إخفاقها” في إقناع حلفائها بمراجعة مواقفهم لمصلحة انتخاب عون”.
وقالت إن “الاتهام السياسي للسعودية بتعطيل انتخاب الرئيس “قد كتب وسيوزع قريباً”، فيما سألت المصادر عينها عن “قدرة “حزب الله” على إجراء مصالحة في الوقت ذاته مع “داعش” والحريري، وعن تفسيره مثل هذه المصالحة.”
وتتعامل هذه المصادر بإيجابية مع “قول الرئيس بري إن من المصلحة الوطنية أن يأتي الحريري إلى رئاسة الحكومة، لأن من شأن ذلك المساهمة في تحصين الوضع الداخلي وإبعاد الفتنة، وإنه أصبح مع الحريري ظالماً أو مظلوماً منذ أن بادر إلى ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية. وتقول إنه بموقفه هذا يوجه كلامه أيضاً إلى الأخير”.
ناهيك بأن قوله إن لا بديل عن الحريري يشكل رداً على من يحاول أن يبيعه رئاسة الحكومة من كيسه، لذلك لا بد من ترقب ما سيصدر اليوم عن كتلة “المستقبل” في اجتماعها الأسبوعي على رغم أنه لن يحمل مفاجأة من شأنها أن تثلج قلب من يراهن على خطوة نصرالله هذه، خصوصاً أن تجربة الحزب في تعامله مع الحريري إبان توليه رئاسة الحكومة لا تشجع أبداً على الدخول في مغامرة غير محسوبة الأهداف، ويراد منها إحداث خلخلة في داخل “المستقبل” تبقى بعيدة المنال، طالما أن صاحب هذه الخطوة هو من نظم الانقلاب الذي أطاح به، وبالتالي لا نفع “للغزل” السياسي في الوقت الضائع، بعدما تبين أن “حزب الله” يريد استيعاب الضغط الذي يمارسه عليه عون من خلال اعتبار انتخابه الممر الإجباري لرئيس الحكومة الجديد، وأراد أن يقول لـ”المستقبل” أعطونا الرئيس وللبحث صلة في التفاصيل، بحسب “الحياة”.