كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
المهل التي تعطيها بعض القيادات السياسية للانتخابات الرئاسية، باتت وكأنها لتضييع الوقت، وترطيب الاجواء الداخلية، بدلا من الذهاب الى مواجهة مكشوفة، في ملفات لا تجتمع القوى السياسية على موقف موحد منها.
فلا ثقة لدى شخصيات سياسية بأن هذه المواعيد التي تعطى تارة في نهاية آب، وتارة اخرى قبل نهاية العام الجاري، يجدر التوقف عندها او التعاطي معها بجدية، في ضوء ثلاثة عوامل محلية واقليمية ودولية، تؤكد تبعا لذلك ان لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور.
في العامل المحلي، لا تبدل جوهريا في مواقف القوى الرئيسية، والنقاشات التي تجرى علناً وفي داخل الصالونات السياسية لا تزال تصب في الاتجاه نفسه. لا بل ان استعادة التركيز على رئاسة الحكومة من جانب المستقبل وحزب الله، وربطها برئاسة الجمهورية والنقاشات التي تفرعت منها، تثبت ان لا متغيرات في الافق في شأن الشغور الرئاسي. وكذلك فان ما حصل على طاولة الحوار في ما يتعلق بالاصلاحات، يؤكد ان النقاط المشتركة بين القوى السياسية على بند رئاسة الجمهورية تكاد تكون معدومة.
في العامل الاقليمي، لا تزال العلاقات السعودية ــــ الايرانية على توترها، وكذلك الامر بالنسبة الى الوضع السوري الذي ارتبطت به الازمة اللبنانية، ومعركة حلب زادت من تعقيدات العلاقات الشائكة اساسا، ولا سيما بعدما اضيفت اليها المتغيرات التركية وعلاقات تركيا المتجددة مع روسيا وايران، والمفاوضات السورية المنتظرة وآفاقها، بما ينفي اي محاولات اقليمية لحل الازمة اللبنانية التي لم تعد من الاولويات الضاغطة، من دون فك العقد الاقليمية الاخرى.
اما العامل الدولي، الذي سيزداد حماوة في الاسابيع والاشهر المقبلة، فيتعلق بالمفاوضات الروسية ـــ الاميركية حول سوريا، والاهم حول اوكرانيا وما يمكن ان تقدمه روسيا في سوريا لتحصل عليه على حدودها. وهنا يكمن لغز التنسيق بين روسيا وواشنطن. والانتخابات الاميركية التي تقترب وسط مؤشرات الى ارتفاع حظوظ المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، والانشغال الاميركي التلقائي عن ملفات المنطقة كليا بما فيها لبنان، قبل ان يستقر وضع الادارة الاميركية الجديدة.
يقول احد السياسيين، لولا زيارة وزير الخارجية المصري الى لبنان سامح شكري، وهي لا تستعيد اي دور سابق لمصر الغارقة في معالجة ملفاتها السياسية والمالية، لما ظهر اي اهتمام عربي او غربي بما يحصل في لبنان. لا السعودية تلحظ الوضع اللبناني، ولا اوروبا يعنيها لبنان اليوم، وهي المشغولة بارتدادات الازمة التركية والنازحين والتدابير الامنية الضرورية لمكافحة التنظيمات الاصولية، والتي باتت تتقدم على اي ملف آخر. كل ذلك يقود الى تأكيد المؤكد بان لا ترجمة عملية اليوم لموجات التفاؤل التي تتحدث عن انفراجات ملموسة. بل على العكس. فبحسب اوساط سياسية، ينذر الوضع القائم حاليا بمزيد من التعقيدات الداخلية، تحديدا في ما يتعلق بوضع المجلس النيابي وقانون الانتخاب.
فقبل نحو عشرة اشهر من موعد الانتخابات، بدأ الحديث في بعض الاوساط عن احتمال التمديد للمجلس النيابي، لا عن اجراء الانتخابات، وعن ضرورة التحوط من الان حتى يحين موعد انتهاء ولاية المجلس الممدد له، كي يبنى على الشيء مقتضاه، وتقديم الذرائع المناسبة لسلوك مسلك التمديد. فمنذ اربعة اعوام وقانون الانتخاب متعثر، والقوى السياسية التي استهلكت كل الافكار والنقاشات، ولا تحتاج الى الاتحاد الاوروبي الذي يؤكد ضرورة اجراء الانتخابات ويبدي استعداده لتقديم نصائح حول القانون، لا تزال تراوح مكانها. واذا ظلت الازمة الراهنة على ما هي عليه، من كباش داخلي حول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، فانه لا شيء يوحي بأن هذه القوى نفسها يمكن ان تتفق على قانون انتخاب وعلى اجراء انتخابات نيابية، بخلاف كل التصريحات والتأكيدات التي تصر على رفض التمديد وضرورة اجراء الانتخابات في موعدها. والكلام المتداول يراوح بين حدّي التمديد «القانوني» او انهيار يلحق المجلس النيابي اسوة بغيره من المؤسسات الرسمية التي تنهار تباعا، ولا سيما ان الكلام عن استقالة الحكومة الحالية الحتمي بعد الانتخابات النيابية المقبلة، يؤشر الى بقاء المجلس النيابي وحده كمؤسسة شرعية، الامر الذي ينتفي مع حالة اللاستقرار التي يراد لها للبنان، في غياب اي حل اقليمي متكامل. علما ان ثمة قوى سياسية لا يعنيها كثيرا اليوم اجراء الانتخابات النيابية والتغيير في موازيين القوى واللعب على شفير الهاوية في معركة اصوات وتحالفات وانقلابات حتى داخل الصف الواحد.
ولان المعطيات الاقليمية والدولية، وخصوصا في ظل الادارة الاميركية المرتقبة التي تحتاج الى اشهر لرسم استراتيجيتها الجديدة تجاه الشرق الاوسط، هي التي تحدد مصير الوضع اللبناني وما يرسم له من تسويات شبه كاملة، ربطا بتطورات سوريا، فان من المبكر اليوم حسم خيار الانتخابات والركون الى انها ستُجرى في موعدها، حتى لو بقي قانون الستين، ومهما كثرت الدعوات الى اجرائها. فالانتخابات البلدية، التي اصر «المجتمع الدولي»، اي واشنطن ودول الاتحاد الاوروبي، على اجرائها، تختلف في حيثياتها وارتداداتها عن الانتخابات النيابية، التي يمكن لنتائجها ان تقلب المعالادت الداخلية، وتحدد مسار القوى السياسية ومستقبلها. لذا لا يمكن مقارنة ظروف هذه وتلك، ما يعيدنا الى ضرورة التريث قبل الحسم المبكر بان الانتخابات النيابية حاصلة حتما.