كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
يتصرف معظم القوى السياسية على أن الاستحقاق النيابي سيدق الأبواب حتما في الربيع المقبل. وزير الداخلية نهاد المشنوق، وعدا عن جزمه بأن الرئيس آت قبل نهاية السنة، حسم كل لغط ممكن بتأكيده أنه سيلتزم بالمواعيد الدستورية وسيقوم بما يفرض عليه واجبه كوزير داخلية مؤتمن على مسار الانتخابات النيابية.
واذا لم يجاهر «حزب الله» برغبته بالتمديد، وهو لن يفعل ذلك اطلاقا، وفق تأكيدات أعلى المراجع الحزبية، يصبح كل رهان على تمديد ثالث للمجلس النيابي الحالي مستحيلا، كما يستحيل تقديم أي دليل على أن الصناديق ستفتح في مواعيدها كأمر واقع لا يمكن الهروب منه أو تجاوز موجباته احتراماً للدستور، حتى لو جرت الانتخابات على أساس «قانون الستين» اذا تعذر التوصل الى قانون انتخابي في غضون الأشهر القليلة المتبقية، وأقصاها تشرين الثاني المقبل.
يقود ذلك للاستنتاج أن المأزق قائم ومرشّح للاتساع، والطبقة السياسية تدور في حلقة مفرغة، فالتمديد دونه محاذير الشارع وبعض القوى السياسية التي تلوّح بالمحظور، واجراء الانتخابات على اساس «الستين» دونه تلويح القوى المسيحية بالنزول الى الشارع، فماذا اذا بلغت الأمور حد الفوضى الدستورية التي قد تنجم عن تحوّل الحكومة الى حكومة تصريف أعمال فتتخلى عن آخر ورقات توتها الدستورية، ومن دون أن يتمكن مجلس النواب من أخذ المبادرة ليصير برلماناً فاعلاً، وللأسباب ذاتها التي تمنعه اليوم من ممارسة مهامه.. وفوق ذلك كله قد تكون رئاسته في مهب البحث عن توافق سياسي مفقود.
يقول أحد السياسيين المنتمين الى «14 آذار» إنّ المتحلقين حول الطاولة الحوارية المستديرة يدركون جيّداً هذه العقدة وما يمكن أن تؤدي اليه من شلل كامل في المؤسسات الدستورية، وثمة مؤشرات تدل أنّ «تيار المستقبل» يدفع باتجاه فرض الانتخابات النيابية كممر إلزامي يستحيل تجاوزه في هذه المرحلة بالذات، خشية وقوع الأسوأ، وبالتالي خسارة بعض «امتيازاته» في السلطة.
وعلى طريقة أنّ التنازل اليوم أفضل من انتظار المجهول، يحاول «المستقبل» تمرير الانتخابات النيابية بأقل الأكلاف الممكنة لأنه مقتنع أنّه مع الوقت قد يضطر للدفع أكثر. ولكن حتى الحريريين يخشون من سيناريو غير مكتمل العناصر: ماذا لو فتحت صناديق الاقتراع كمحطة لا مفرّ منها، أي من دون تسوية شاملة، وعجزت الطبقة السياسية عن انتخاب رئيس للمجلس النيابي؟
بذهن هؤلاء، إنّ احتمال التعطيل الدستوري الشامل وارد، واستطراداً الاستدراج الى نفضة كاملة للهيكل الدستوري، اذا فرضت الانتخابات النيابية كبند وحيد على جدول التفاهم السياسي. حتى الرئيس نبيه بري حريص على ربط الانتخابات النيابية بالانتخابات الرئاسية وهو سبق له أن روّج للمعادلة الثنائية الجامعة بين الاستحقاقين حين دعا الى اجراء انتخابات نيابية على أن يكون أول بند على جدول أعمال المجلس الجديد، انتخاب رئيس له ومن ثم انتخاب رئيس للجمهورية.
يؤكد سياسي مطلع أنّ العقدة ليست فقط في خشبة الرئاسة الواقفة بين حديّ مرشحين من الخندق ذاته، وانما أيضاً في موقف القوى السياسية من مسألة رئاسة مجلس النواب. قد يكون الثنائي المسيحي أي «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» متحمسا لاستعراض عضلاته على حلبة النيابة ليقينه أنه قادر على احداث بعض التغيير في معادلة مجلس النواب الرقمية، ويعتقد «الثنائي» أنّ فتح صناديق النيابة قد يسهل في ما بعد فتح صندوقة الرئاسة، وطبعاً لمصلحة العماد ميشال عون.. لكنه قد يواجه احراج انتخاب رئيس للمجلس النيابي، قبل انتخاب رئيس للجمهورية، بمعزل عن موقفه غير المعترض على بري شخصيا.
يؤكد السياسي ذاته أنّ «تكتل التغيير والاصلاح» الذي يستخدم سلاح مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس ربطاً بدعوته لاحترام الميثاقية وانتخاب المسيحي الأقوى الممثل لبيئته المسيحية، سيصعب عليه دخول مجلس النواب لانتخاب رئيس له، وهو الممانع في انتخاب رئيس للجمهورية لا تتطابق مواصفاته مع المواصفات الميثاقية التي تحددها الرابية.
لهذا يعتبر أنّ استحالة الاتفاق على قانون انتخابي قادر على تصحيح التمثيل المسيحي ويحترم الميثاقية ويشكل انجازا للقوى المسيحية يسمح لها بدخول البرلمان متباهية بما صنعته أيديها.. قد يعني استحالة اجراء الانتخابات النيابية كأمر واقع، اذا كان هناك من يراهن على جعل «قانون الستين» أمرا لا مفر منه.