كتبت صحيفة “العربي الجديد”: عاش الموظفون في “قناة العالم الإخبارية” الفضائية المملوكة مباشرة من إيران، أوقاتًا عصيبة في الأسابيع الماضية بعد توقّف رواتبهم لأكثر من شهرين، اضطرّوا خلالها إلى تنفيذ إضراب عن العمل وتوقيف بعض البرامج عن جدول البث.
عادت الرواتب وصرفت قبل أيام، بعد عملية “أخذ وردّ” بين الإدارة والموظفين، وتخبّط كبير عاشته الإدارة نفسها نتج عنه إقالة بعض المسؤولين في المحطة. لكن الأبرز في هذا الخصوص، وصول معلومات إلى العاملين فيها تحدثت عن إقفال مكتب بيروت في “العالم” نتيجة مجموعة من العوامل، أبرزها عصر النفقات المخصصة للقطاع الإعلامي المدعوم من إيران. وهي رسالة مباشرة جديدة توجّهها طهران إلى فِرقها الإعلامية في العالم العربي بشأن المستقبل غير المعروف للمدّ المالي، والتبنّي المطلق لمؤسسات فضائية وإذاعات ومواقع إلكترونية تمّ تفقيسها في المختبرات الإعلامية الإيرانية خلال العقد الماضي، دعمًا لمحور “الممانعة والمقاومة”، وللتبشير بالمعارك التي تنوي إيران خوضها في دول المنطقة.
وفي تفاصيل الأزمة التي يمرّ بها “العالم” اليوم، يقول موظفون فيها لـ”العربي الجديد” إنّه “بعد الإضراب وتوقف بثّ بعض البرامج، حضر مدير القناة أحمد السادات إلى بيروت لمتابعة الموضوع”. وبعد ساعات على هذه الزيارة، أبلغ السادات الموظفين أنّ “الرواتب والمستحقات باتت في عهدة حزب الله”، مشيراً إلى أنه “اجتمع بمسؤولين في الحزب”. وبالفعل، بعد يومين تمّ صرف الرواتب المتأخرة، إلا أنّ “الأجواء انتشرت عن إمكانية إقفال مكتب بيروت في المحطة، وأنه سيتمّ الإبقاء فقط على ثلث الموظفين”. مع العلم أنّ مكتب بيروت يضمّ ما يقارب تسعين موظفاً، مثبتين ومتعاقدين، بات مصيرهم المهني مهدداً، تحديداً في ظلّ الأزمة العامة التي تضرب القطاع الإعلامي في لبنان والعالم العربي ككل.
وفي هذا الإطار، ينفي الإعلامي فيصل عبد الساتر، أحد القيّمين على “العالم” في بيروت، لـ”العربي الجديد” وجود أي أزمة مالية في المحطة “لكن وقعت أزمة قبل مدة وقد تمّ حلها وقبض الموظفون رواتبهم”. في حين يؤكد مسؤولون في “العالم” لـ”العربي الجديد” أنّ “ما حصل استوجب حضور السادات من طهران إلى بيروت، مع تأكيد الأخير وغيره من المسؤولين الإيرانيين على وجود إعادة هيكلية عامة ستشهدها القنوات المدعومة من طهران”. ويشير هؤلاء إلى أنّ “إدارة الملف الإعلامي لدى المسؤولين الإيرانيين بات يستوجب سياسة جديدة”، كما ينقلون عن بعض هؤلاء المسؤولين قولهم إنّ “الأموال التي باتت تصرف على المؤسسات الإعلامية الداعمة للمقاومة، تكاد تضاهي الأموال التي تمّ تبذيرها من قبل حلفاء أميركا والغرب خلال فترة المعركة السياسية في لبنان بين أعوام 2005 و2009”. وفي حال صحّ هذا التشبيه، فيمكن القول إنّ الصندوق المالي الإيراني قد صرف مئات ملايين الدولارات في الأعوام الماضية، “لكن من دون أي مردود سياسي أو إعلامي فعلي أو مميّز”، بحسب المسؤولين أنفسهم.
أما وضع هذه الهيكلية المالية الجديدة للمؤسسات الإعلامية المدعومة من طهران، فاستوجب تعديلاً على إدارة هذا الملف تمّ من خلال تعيين، بيان جبلي، رئيساً للخدمة العالمية في الإذاعة والتلفزيون. أي بات جبلي مسؤولاً عن كل القنوات الفضائية الإيرانية الناطقة بغير الفارسية، وهي مسؤولية كبيرة تستوجب تعامل الرجل مع عشرات المؤسسات الإعلامية المنتشرة في العالم العربي. مع العلم أنّ جبلي تولى سابقاً مسؤولية رئيس تحرير الأخبار في القناة الثانية بالتلفزيون وكان المدير العام للأخبار المحلية بالوحدة المركزية للأخبار في إيران، والمدير العام للأخبار لقناة العالم ومدير مكتب بيروت فيها. كما شغل منصب السفير الإيراني في تونس، بالإضافة إلى مسؤوليات سياسية في طهران، منها مساعد الشؤون الإعلامية في أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وبعدها شغل موقع المساعد السياسي للتلفزيون والإذاعة في إيران.
وسيقع على عاتق جبلي إدارة شؤون “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية”، أي باقة بعض المؤسسات عمدت إلى تخفيف الأعباء المالية عنها من خلال مجموعة من الخطوات أبرزها مثلاً تسجيل الموظفين في الدوائر المالية اللبنانية والضمان الاجتماعي بالحدّ الأدنى للأجور المؤسسات الإعلامية التي تديرها إيران في العالم العربي والمنطقة لنشر أفكار الثورة الإسلامية ومشروعها السياسي. ويشمل “الاتحاد” عشرات المؤسسات، منها 32 محطة تلفزيونية، 36 إذاعة و11 موقعاً إلكترونياً، منتشرة بين العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وتركيا، بالإضافة إلى مجموعة من مراكز الأبحاث والتوثيق ومكاتب التدريب والإنتاج الإعلامي.
وعلى ما يبدو، فإنّ هذه الإمبراطورية باتت مهدّدة بإعادة هيكلة قد تطيح بمئات الموظفين، ولو أنّ الرواتب التي يتم صرفها لهؤلاء “ليس مبالغاً فيها ولا ضخمة أسوة بالمؤسسات الأخرى”، بحسب ما يقول أحد العاملين في هذه المجموعة. فتتراوح الرواتب في لبنان بين ما يقارب 500 و2500 دولار أميركي، على ما يقول المصدر نفسه، لكن انتشار القنوات والمؤسسات الإعلامية المختلفة على البلدان العربية يجعل من هذه الأرقام رقماً ضخماً بات يترتّب على الإدارة الإيرانية إعادة جدولته.
وفيما يخص الوضع المالي أيضاً، علمت “العربي الجديد” أنّ بعض هذه المؤسسات عمدت إلى تخفيف الأعباء المالية عنها من خلال مجموعة من الخطوات أبرزها مثلاً تسجيل الموظفين في الدوائر المالية اللبنانية والضمان الاجتماعي بالحدّ الأدنى للأجور (ما يقارب 450 دولارًا أميركيا). فيتمّ تسديد باقي رواتبهم من بعض المؤسسات المالية التابعة لـ”حزب الله” وإيران، كـ”جمعية القرض الحسن”. فيتم بذلك تخفيض قيمة الضرائب المتوجبة على المؤسسة لصالح الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى تخفيف قيمة التعويضات التي قد تتوجّب على المؤسسة نفسها في حال صرف موظفيها أو دفع تعويضاتهم، إذ بحسب القانون اللبناني يتم احتساب الراتب الرسمي المسجّل في الدوائر، والذي هو الحد الأدنى للأجور.
وبالنسبة لعدد من متابعي شؤون المؤسسات الإعلامية المحسوبة على “حزب الله” والمدعومة مباشرة من إيران، فإنّ ما تعيشه هذه المؤسسات اليوم نتيجة طبيعية للعقوبات المالية المفروضة على “حزب الله” من قبل الكونغرس الأميركي، ولعدم رفع العقوبات فعلياً عن طهران بموجب الاتفاق الذي أتّمته مع الولايات المتحدة. لكن يبقى سبب بارز آخر يقف وراء هذه الأزمة، وهو سوء إدارة هذا الملف من قبل الإدارة الإيرانية، وانسياقها إلى سياسة “تفقيس” القنوات والفضائيات وتمويلها ولو بكلفة هزيلة، في محاولة بناء إمبراطورية إعلامية غير فعّالة إلا على ترددات الأقمار والصحون اللاقطة وموجات الـAM وFM.