كتب كلير شكر في صحيفة “السفير”:
لم ينتظر الحريريون كثيراً كي يسمعوا بآذانهم أنّ “حزب الله” لا يقفل الطريق أمام عودة سعد الحريري الى السرايا الحكومية، ليصبح السؤال: هل يكفي ذلك من أجل تبني “المستقبل” ترشيح العماد ميشال عون وهل أصبح الخرق الرئاسي وارداً، برغم طغيان التشاؤم عند أغلبية أهل الطبقة السياسية؟
للمرة الأولى يعلن السيد حسن نصرالله أنّ موقف “حزب الله” ايجابي بشأن رئاسة الحكومة بعد انتخاب رئيس الجمهورية، وهذه كانت الاشارة العلنية الأولى من نوعها، والتي من شأنها أن تلاقي المشاورات الثنائية التي يجريها جبران باسيل مع نادر الحريري، في منتصف الطريق وتدعمها ببطاقة “تسهيل مرور”.
أما المرة الثانية، فقد كانت في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة الذي استضاف ليل أمس الأول حوار “حزب الله” و “تيار المستقبل”، ليعيد الفريق الأول تكرار اللهجة الايجابية التي أطلقها “السيد” في “خطاب بنت جبيل”، مضيفاً اليها معادلة ذهبية تقول إن سلّة الحزب محصورة بانتخاب “الجنرال” رئيساً، وعندها، يصبح الباب مفتوحا أمام سيناريو تسوية الحدّ الأدنى.
إذاً، يمكن الاستنتاج أنّ الخرق الرئاسي بات ممكناً طالما أنّ أبواب السرايا ليست موصدة بوجه زعيم “المستقبل” على قاعدة ترئيس “الجنرال”، مع العلم أنّ الأخير كان يتصرف خلال النقاشات الثنائية مع ممثل الحريري على أنه قادر على حسم مصير رئاسة الحكومة، وهو المقتنع أنّ المرحلة هي مرحلة سعد الحريري، لا غيره.
تزداد جدّية هذه الفرضية، وفق المتحمسين لها، اذا ما أضيف إليها سلوك السعودية غير المبالي بالملف اللبناني، وهي بنظرهم لن تتقدم خطوة الى الأمام لتبارك أي اتفاق في حال نجح اللبنانيون في حياكته، كما لن تلعب في المقابل دوراً تعطيلياً لأية تسوية يمكن أن تصنع في لبنان، وهذا يعني، وفق بعض الأوساط المخضرمة، أن الكرة الرئاسية في الملعب المحلي وأن الخرق ممكن بأيدي اللاعبين اللبنانيين.
واذا افترضنا نظريا أنّ سعد الحريري يمكن أن يغامر بما تبقى من رصيده ويوافق على وصول “الجنرال” إلى القصر بموجب اتفاق يعيده إلى نادي رؤساء الحكومات مخففاً من أثقال أي التزامات ـ أعباء اضافية، كقانون الانتخابات مثلاً، فما الذي يحول حتى الآن دون انتقال هذا التقاطع من المستوى النظري إلى العملي؟
يقول المطلعون إن التقاطع المحتمل بين طرفي النزاع اللبناني، الى الآن، قد يكون حول اتفاق الحدّ الأدنى، أي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. أما غير ذلك فلا تفاهم حوله، وخصوصا البيان الوزاري للحكومة التي ستشرف على الانتخابات النيابية وتلك التي ستليها، على اعتبار أنّ ملف قانون الانتخابات سيترك لأولى حكومات العهد.
وكما يبدو، فإن رئيس “تيار المستقبل” لن يكون بمقدوره “التضحية” برئاسة أولى حكومات العهد الجديد مع أن مهمتها ستكون مختصرة زمنيا (بضعة أشهر) ومهماتيا (اجراء الانتخابات)، وهو مضطر بفعل الضغط المالي والسياسي لأن يكون في قلب السلطة بأسرع وقت ممكن، ما يعني نسف احتمال تسمية حكومة من غير المرشحين.
وفق مؤيدي الحريري، فإنّ حماسة رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” لا تكفي لنسج اتفاق سياسي مع الحريري حتى لو كان مدعماً بتفويض من جانب حليفه “حزب الله”، ولذا ثمة كلام عن الحاجة الى اتفاق خطيّ شبيه باتفاق الدوحة، خصوصا أن الحريري لا يملك ترف الوقت للسير باتفاق جزئي يضع على كتفيه عباءة رئاسة الحكومة من دون حسم كل التفاصيل الأخرى، وأهمها البيان الوزاري وطبعاً التوازن السياسي داخل الحكومة ربطاً بالوزارات السيادية.
ويقول أحد المطلعين إنّ هناك خشية لدى الفريق “المستقبلي” من رفع القبعة لأي اتفاق ثنائي محصور برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة فقط، فيدخل الحريري في دوامة الرئيس المكلف الذي قد يضطر لانتظار أشهر وأشهر قبل أن يؤلف حكومته ويكتب بيانها الوزاري اذا ما كان اتفاق الرئاسة ناقصاً.
الرجل لا يحتمل هكذا سيناريو ولا يسمح له مأزقه الداخلي بمجاراته لأنّه يعرف جيداً أن معركة البيان الوزاري والمحاصصة الوزارية ستكون صعبة جداً. حتما، لن يكون مقدوره القبول بثلاثية “الشعب والجيش والمقاومة” القديمة ولا يستطيع تجاوز ما تضمنه البيان الوزاري لحكومة تمام سلام. وفي المقابل، ثمة حسابات لـ”حزب الله” تتعلق ببيان الحكومة الوزاري وبتوازناتها، والأهم تحديد موقع لبنان الاقليمي.