Site icon IMLebanon

الحريري وعرض نصرالله: ثمن الرفض والقبول

saad hariri 34

كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:

ينما يكثر التحليل و “التبصير” في بيروت حول الطريقة التي سيتعاطى بها الرئيس سعد الحريري مع العرض الذي قدمه له الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله للعبور “الآمن” الى السرايا الحكومية عبر “الاوتوستراد السريع” المتمثل في انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية.. فإن رئيس “تيار المستقبل” لا يزال يأخذ وقته في الدرس والتمحيص، محاولا الاستفادة من فرصة الاجازة الصيفية البحرية للتأمل بهدوء، وإنضاج قراره تحت حرارة شمس آب.

أما في لبنان، فإن “المستقبل” يبدو موزعا في الوقت الضائع الى اتجاهين:

الاول، يضم الاكثرية الساحقة من أعضاء الكتلة النيابية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وهو يرفض مبادرة نصرالله ويعارض انتخاب عون بالكامل.

والثاني، يضم النواب “المغاوير” في الكتلة الى جانب نادر الحريري وغطاس خوري وهؤلاء يميلون ـ ولو بنسب متفاوتة ـ الى خيار التعاطي بإيجابية “مدروسة” مع طرح نصرالله وترشيح عون، بعد “تصفيح” هذا الخيار بضمانات كافية للحريري من حزب الله.

ويروى انه خلال الاجتماع الشهير لكتلة “المستقبل”، قبل أكثر من أسبوعين، أوحى الحريري في معرض شرحه للاحتمالات بان مبادرته لترشيح النائب سليمان فرنجية قد استهلكت واستنزفت بعد قرابة تسعة أشهر من طرحها، قائلا: لو بدا تشتي كانت غيّمت..

أما سيناريو مجابهة “حزب الله” عبر الاستقالة من الحكومة وهيئة الحوار، فلا يبدو الحريري مقتنعا به، بسبب استحالته السياسية راهنا، “حيث لا يوجد دعم محلي او اقليمي” لمثل هذه الاندفاعة الهجومية، كما يُنسب الى رئيس “المستقبل”.

وإذا كان البعض في “التيار الازرق” بات يحبذ الخروج من مأزق ثنائية عون ـ فرنجية بطرح اسم توافقي او تسووي يخلط اوراق المعركة الرئاسية مجددا، فان المعلومات تفيد بان الحريري يشعر بصعوبة مثل هذا الامر، “لان المسيحيين لن يقبلوا برئيس إلا من الصف الاول”، وفق ما ينقل عنه العارفون.

ولعل ابلغ تعبير عن ضيق هامش الحركة لدى “المستقبل”، بعدما اصبح مخيرا بين فرنجية وعون، هو قول أحد “النواب الزرق” بمرارة: يبدو ان كل ما علينا فعله هو ان نختار ما إذا كنا سننتحر بالقفز من الطابق الثامن او من الطابق العاشر..

وماذا عن موقع فرضية انتخاب عون في حسابات الحريري؟ وهل يمكن ان يتدفق في عروقها “الدم الازرق” بعد عرض نصرالله؟

كان واضحا من التسريب المتعمد لخبر اجتماع كتلة “المستقبل” برئاسة الحريري بعد ايام من انعقاده، وبالمضمون الذي جرى تسويقه في ذلك الحين، ان هناك من أراد ان يحرق دفعة واحدة فرصة عون ومراكب الحريري إضافة الى صورة نهاد المشنوق، باعتباره النائب السني الوحيد في الكتلة الذي دعا الى البحث في امكان انتخاب عون.

وتعليقا على واقعة التسريب المتأخر، يشير مصدر في “المستقبل” الى “ان هناك قولا شائعا مفاده ان الانكليز لا يروون النكات الاثنين حتى لا يضحكوا خلال القداس في الكنيسة الاحد، (ما معناه انهم يحتاجون الى وقت لفهمها)، والذي حصل هو ان الكتلة اجتمعت الاثنين وشاع فحوى النقاش الأحد”.

ولئن كان صحيحا، ان الحريري تجنب حتى الآن إعطاء موقف واضح وصريح باستعداده لدعم ترشيح الجنرال، وان مزاج “أغلبية الثلثين” في كتلته هو ضد هذه الانعطافة (تردد ان بعض النواب استخدم خلال اجتماع “العصف الذهني” تعابير قاسية في معرض الاعتراض على تأييد ترشيح الجنرال، كقول أحدهم: يا أرض انشقي وابلعيني قبل ان أصوّت لعون..)، إلا ان الاشارات المنبعثة من الحلقة الضيقة المحيطة بالحريري توحي – على الرغم من المظاهر السلبية – بان كل شيء لا يزال واردا.

ويعتبر المؤيدون لانتخاب عون من “الاستشهاديين السياسيين” في صفوف “المستقبل”، انه يوجد العديد من الاسباب الموجبة التي من شأنها ان تبرر الدفع في اتجاه الاتفاق مع الجنرال، وأبرزها:

– الافق المسدود امام ترشيح فرنجية.

– إنقاذ اتفاق الطائف الذي ستنتفي موجبات الحملة المسيحية عليه بعد وصول عون الى قصر بعبدا، في حين ان ابقاء الوضع على حاله من الشغور والترهل قد يقود الى مؤتمر تأسيسي، سيدخله المسيحيون والشيعة متحدين.

– إعادة وصل ما انقطع بين “المستقبل” والشارع المسيحي بعدما ظهر التيار في موقف المتصدي لإرادة الاكثرية المسيحية المتمثلة في تفاهم ميشال عون – سمير جعجع.

واستكمالا للطرح ذاته، ترى هذه “القلة” في “التيار الازرق” والمقتنعة بالجدوى السياسية لانتخاب عون، ان كلام نصرالله في خطاب 14 آب انطوى على أهمية لافتة للانتباه، كونه يؤشر الى انتفاء الفيتو الايراني والاعتراض الداخلي من الحزب على الاتيان بالحريري، حليف السعودية، رئيسا للحكومة في مرحلة تزدحم بالحرائق الاقليمية، “وهذا تطور نوعي لا يجب التقليل من شأنه، بل ينبغي التجاوب معه والبناء عليه، كما ان موقف نصرالله الداعي الى فصل الاستحقاق الرئاسي عن الخارج والصراع السعودي – الايراني يجب التقاطه ومقاربته بشكل إيجابي”.

في المقابل، تدعو “جبهة الرفض” لمبادرة نصرالله، في داخل “المستقبل”، الى وقف الانزلاق نحو تقديم تنازلات إضافية عن الاصول الدستورية والثوابت السياسية، “إذ ان الحريري الذي يمثل الكتلة النيابية الاكبر والمزاج السني الأوسع يحق له تولي رئاسة الحكومة من دون إذعان لأحد أو منّة من أحد، وتسميته او عدمها مناطان بالاستشارات الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية المفترض ان يكون انتخابه أولوية قصوى”، كما يؤكد صقور التيار الذين يحذرون من ان الحريري سيخسر الجزء الصامد من شعبيته إذا قرر التصويت للجنرال.

.. وماذا عن الفيتو السعودي “المزمن” على عون؟ هل مفعوله مستمر ام سلك عدّه العكسي؟

تبرز إجابتان متباينتان ردا على هذا السؤال:

الاولى، تجزم بان الرياض لا يمكنها تغطية الحريري في التحول نحو انتخاب حليف “حزب الله” وتاليا طهران رئيسا للجمهورية، فيما هي تخوض حاليا مواجهة مفتوحة مع ايران والحزب في ساحات المنطقة، خصوصا وان أي تنازل مجاني يمكن ان تقدمه في هذا المجال – خارج سلة المقايضات الشاملة – سيوحي بانها تلقت هزيمة من محور المقاومة والممانعة على الساحة اللبنانية.

أما الإجابة الثانية، فتنفي ان يكون رفض المملكة للجنرال مستمرا او اقله نهائيا، لاسيما ان من وضع الفيتو عليه لم يعد موجودا في دائرة القرار (وزير الخارجية الراحل الامير سعود الفيصل)، ثم ان انتخاب عون لن يشكل بالضرورة خسارة للرياض، لان وصوله الى قصر بعبدا سيترافق مع عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، الامر الذي يحقق توازنا في السلطة، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، بل لعل هذه التركيبة تفيد الحريري وحاضنته الاقليمية أكثر من الآخرين باعتبار انها لا تترجم بدقة حقيقة موازين القوى في المنطقة ولبنان، في هذه اللحظة.

ويحذر بعض اصحاب الأصوات “المتمايزة” في “المستقبل” من خطورة استمرار انكفاء السعودية عن دعم الحريري جديا، لافتين الانتباه الى ان موافقتها على انتخاب عون سيسمح لها بان تعود الى لبنان من بوابة شراكة الحريري مع الجنرال، في حين ان اصرارها على السلبية سيقطع الطريق امام رجوع الحريري الى الحكم وسيكرس انحسار دورها، في وقت تملأ الفراغ – او تحاول – دول اقليمية وازنة، ولعل زيارة وزير الخارجية المصري الى لبنان تحمل العديد من الدلالات على هذا الصعيد.

والمفارقة، ان القوى الاساسية في فريق 8 آذار تبدو أحرص على الحريري من المملكة نفسها، فها هو نصرالله ينفتح عليه ويفتح امامه بابا للتسوية، فيما نُقل عن مرجع كبير في هذا الفريق قوله: إذا كان الحريري ضعيفا في هذ المرحلة فان علينا ان نساهم في تقويته..