كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”:
ازدادت قضية مناقصة الميكانيك تعقيداً. يصرّ المتضررون على اللجوء إلى كل الوسائل القانونية لإبطال نتيجة المناقصة التي أجرتها إدارة المناقصات وأفضت إلى فوز تحالف شركات SGS ـ Autospect ـ Securitest ـ Auto securite france بعقد “تحديث وتطوير وتشغيل المحطات الموجودة للمعاينة والكشف الميكانيكي للمركبات الآلية في لبنان وأعمال تصميم وبناء وتجهيز وتشغيل محطات جديدة وانتقالها إلى ملكية الدولة”.
أما على مقلب هيئة إدارة السير، فقد علمت “السفير” أنها بدأت إجراءات تنفيذ العقد، وتبين أن مجلس إدارة الهيئة وافق، في 4 آب الحالي، على نتيجة المناقصة. وكلّف المدير العام “تنفيذ الإجراءات الضرورية كافة لإنجاز التلزيم وفقاً للأصول القانونية”.
كما أحال وزير الداخلية على هيئة إدارة السير، في 6 آب، كتاباً يتضمن التصديق على محضر اجتماع مجلس الإدارة وقراره الموافقة على نتيجة المناقصة.
وفي 8 آب تم تبليغ الملتزم المؤقت، ممثلاً برئيس مجموعة Autospect، المباشرة بالعمل.
وبحسب هذا التسلسل في التنفيذ، والذي تعمّد الاستعجال، بحسب متابعين للملف، فإن أي حكم للقضاء المختص لصالح المدعين سيعني عملياً إعطاء الحق للشركة التي رسى عليها التلزيم بالمطالبة بالتعويض.. أي أن النتيجة ستكون محصورة بين أمرين: إما تثبيت نتيجة المناقصة التي تبين معها أن كلفة التلزيم ستكون باهظة (44.12963 مليون دولار في السنة) أو إعطاء الحق للشركة بمقاضاة الدولة ومطالبتها بتعويض.
كل هذه المعطيات كانت على طاولة مجلس شورى الدولة الذي ينظر في الاستئناف المقدم من مجموعة شركات “فال وتوما وسوبال الممثلة بشركة فال السعودية المحدودة فرع لبنان”، في 27 تموز الماضي.
فالمجموعة كانت قد طلبت بموجب الاستئناف فسخ القرار الصادر عن قضاء العجلة في المجلس بتاريخ 21 تموز، والذي خلص إلى عدم الاختصاص في الشكوى المقدمة أمامه بشأن “إخلال هيئة إدارة السير بمبدأ المنافسة والعلنية”.
في اليوم التالي لتقديم الاستئناف، أي في 28 تموز، صدرت نتيجة المناقصة. فازت SGS وأصبح الاستئناف “من دون موضوع”، انطلاقاً من أنه “يتعلق بالتنازع قبل التعاقد في الصفقات العمومية”، على ما ذكر مجلس الشورى في قراره الصادر أمس الأول (16 آب).
وهذا القرار لم يساهم عمليا سوى في زيادة الالتباس المتعلق بالجهة الصالحة لتوقيع العقد. فالاستاذ في المعهد الوطني للإدارة عصام اسماعيل يعتبر أن المرجع الصالح هو مجلس الوزراء، لأن المجلس أشار في قرار إجراء المناقصة (9 تشرين الأول 2014) إلى “تكليف إدارة المناقصات بإطلاق المناقصة المفتوحة ورفع النتائج إلى مجلس الوزراء خلال مهلة ثلاثة أشهر”، وعليه فإن من أطلق المناقصة هو وحده يملك حق الموافقة على نتيجتها.
وإذا كانت المادة 28-3 من دفتر الشروط قد زادت الالتباس لأنها اكتفت بالإشارة إلى انه “لا يعتبر التلزيم مكتسباً الصفة القانونية النهائية ولا يعمل به إلا بعد اقترانه بتصديق المرجع الصالح”، فإن اسماعيل يؤكد أن عدم التحديد يزيد التأكيد أن مجلس الوزراء هو المرجع الصالح، أولاً لأن المناقصة تتعلق بقطاع ستعود ملكيته إلى الدولة اللبنانية، وثانياً لأن إدارة المناقصات هي التي تدير المناقصة وهي المختصة عادة بإدارة المناقصات التي تعود إلى الدولة لا إلى المؤسسات العامة، وثالثاً لأنه لا يعقل أن توقع مؤسسة عامة عقداً بقيمة عالية بدلاً من الدولة.
في قراره رفض الاستئناف “لعدم الصلاحية”، يسوق مجلس الشورى مجموعة من التعليلات، التي تزيد الشكوك المتعلقة بصلاحية التوقيع. فهو يخص بالذكر المادة 28 ـ 1 التي تنص على أنه “عند انتهاء جلسة التلزيم يرفع رئيس لجنة التلزيم محضر التلزيم إلى إدارة المناقصات التي ترفعها بدورها إلى مجلس الوزراء وتبلغ هذه النتيجة إلى هيئة إدارة السير لإجراء المقتضى”. كما يتطرق إلى قرار مجلس الوزراء (ضرورة رفع النتائج إليه خلال ثلاثة أشهر على الأكثر)، قبل أن يعود ويخلص إلى نتيجة مغايرة لتعليلاته، فيشير إلى أنه “يستفاد من كل ما تقدم بأن المرجع الصالح لإبرام العقد والتوقيع عليه.. هو المدير العام لهيئة إدارة السير”.
يخلص قرار مجلس الشورى إلى أن تفسير ما تضمنه قرار مجلس الوزراء (رفع نتيجة المناقصة إليه) وما تضمنته المادة 28 من دفتر الشروط (رفعه محضر التلزيم إلى مجلس الوزراء) من أجل معرفة ما إذا كان الإبلاغ هو على سبيل العلم أو أنه يقتضي أخذ موافقة مجلس الوزراء على نتيجة المناقصة، “تشكل منازعة جدية يخرج البت بها عن اختصاص قضاء العجلة”.
يتوقف اسماعيل عند هذه الخلاصة، مستغرباً الوصول إليها، فهو يرى أنه عندما يكون البحث متعلقاً بتوقيع الجهة المختصة، فالنزاع لا يكون عادياً بل تنازع في وجود التوقيع نفسه، علما أن مجلس شورى الدولة أكد صحة صدوره عن المرجع المختص، قبل أن يعلن أنه يخرج عن اختصاصه.
بعيداً عن الطرق التي يمكن أن تسلكها المناقصة أو الدعاوى التي تطالب بإبطالها، وبعيداً عما إذا كانت صلاحية التوقيع تعود إلى مجلس الوزراء أم إلى الإدارة المختصة، ثمة من يعود إلى أصل المشكلة، مشيراً إلى أن صدور هذه القرارات عن مجلس الوزراء هو في الأساس مخالفة دستورية. إذ أن أي تلزيمات تعطي جهة ما حق احتكار تقديم الخدمة وامتياز الاستفادة منها، بحاجة حكماً إلى قانون يصدره مجلس النواب، فالمادة 89 من الدستور تنص بوضوح على أنه “لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون والى زمن محدود”.