كتب عمار مرمل في صحيفة “السفير”:
يتسلح المعترضون على مبادرة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله حيال الرئيس سعد الحريري، بأحكام الدستور التي لا يجوز، برأيهم، اختزالها بسلة من هنا وعرض من هناك.
ويعتبر هؤلاء ان نصرالله خالف الدستور «في محاولته المستمرة لانتزاع موافقة من الآخرين على تعيين ميشال عون رئيسا للجمهورية بدل ترك اللعبة الديموقراطية تأخذ مداها في مجلس النواب، ثم خالفه مرة أخرى في طريقة مقاربته لمسألة رئاسة الحكومة، متجاوزا الآلية المتبعة في اختيار رئيس مجلس الوزراء المتمثلة في استشارات نيابية ملزمة، يتولاها رئيس الجمهورية بعد انتخابه، وتنتهي الى تسمية الرئيس المكلف الذي يبادر بدوره الى اجراء استشارات تمهد لتشكيل حكومته».
يستغرب المتحمسون لمبادرة «السيد» هذا الطرح الذي يوحي بان أصحابه لا يعيشون في لبنان، حيث من المعروف ان التسويات السياسية تمهد الطريق في معظم الاحيان امام عمل المؤسسات الدستورية وأدوارها، خصوصا ان القوى التي تشارك في نسج خيوط التسويات هي ذاتها تكون موجودة في الحكومة ومجلس النواب اللذين يتوليان ترجمة ما يُتفَق عليه.
ويشير المتفهمون لطروحات نصرالله الى ان القضايا الاستراتيجية في لبنان تخضع دائما لقاعدة التوافق الوطني وليس للمعيار الدستوري المحض، وبينها انتخاب رئيس الجمهورية وقانون الانتخاب، وهذا ليس جديدا، بل إن التاريخ يُبين ان هذه المقاربة الواقعية التي تراعي خصوصية التركيبة اللبنانية متجذرة وسابقة أصلا لوجود «حزب الله».
ويستهجن هؤلاء الاتهام الموجه الى الحزب بانه يريد فرض رئيس الجمهورية، في حين ان ما يفعله هو التمسك بمرشحه الرئاسي، وهذا من حقه، ولكنه لا يفرضه والدليل ان عون لم يصبح بعد رئيسا للجمهورية برغم مرور أكثر من عامين حتى الآن على الشغور الرئاسي.
أما في ما خص عرض نصرالله المقدم الى الحريري، من خلال ابداء الانفتاح على توليه رئاسة الحكومة مقابل انتخاب عون، «فهو يُفترض ان يُسجل للأمين العام لحزب الله وليس عليه»، كما يعتبر مؤيدو الحزب؛ إذ «ليس بسيطا – برأيهم – ان يُظهر نصرالله هذه المرونة، التي تقارب حد الشجاعة، حيال عودة رئيس «المستقبل» الى السلطة في لحظة اشتداد المواجهة الاقليمية بين ايران والسعودية، وفي ظل خطاب متشدد يستخدمه الحريري ضد الرئيس بشار الاسد وتدخل الحزب في سوريا، الى جانب مجموعة من التراكمات الداخلية التي وسعت الهوة بين نصرالله ورئيس «المستقبل».
ويعتبر أصحاب هذه المقاربة ان مبادرة «السيد» لا تلغي مفاعيل الدستور كما يتوهم او يوهم البعض، بل تؤمن المناخ الملائم لمعالجة الازمة الحالية عبر تفاهمات واسعة، على ان تأخذ الآليات الدستورية مداها بعد انتخاب رئيس الجمهورية وانتظام العمل من جديد في المؤسسات المشلولة حاليا، «وإذا كان «المستقبل» قد شعر بالانزعاج من استعداد نصرالله للتعاطي بايجابية مع احتمال عودة الحريري الى السرايا الحكومية، فان بامكانه عند حصول الاستشارات الملزمة ان يمتنع عن تسميته»!
ويشير المتحمسون لخيارات الحزب الى ان التجارب السابقة تثبت ان التفاهمات المتكاملة هي جسر العبور الى الانقاذ، مستغربين كيف ان الفريق الذي يتذرع بالدستور لرفض مبادرة نصرالله كان هو ذاته شريكا في انتاج اتفاق الدوحة الذي شمل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وتركيبتها وقانون الانتخاب، ثم جرى لاحقا تكريس هذا الاتفاق السياسي تباعا في المؤسسات الدستورية، بدءا من انتخاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان آنذاك، فلماذا ما كان مقبولا في الماضي أصبح مرفوضا الآن؟
ويلفت داعمو الحزب الانتباه الى ان «من يعرقل المبادرات الايجابية باسم الدستور هو في الاساس متخصص في مخالفته، وتحديدا لجهة عدم احترام قواعد الشراكة والميثاقية، وليس أدل على ذلك من التطبيق المشوه والمجتزأ لاتفاق الطائف تبعا لما بناسب مصالح البعض، منذ العام 1992. والمثال الابلغ على هذه الحقيقة، في اعتقادهم، يتمثل في اعتماد قوانين انتخاب غير عادلة، خلال أكثر من عقدين من الزمن، بهدف انتاج اكثرية معينة وابقاء الجزء الاوسع من التمثيل المسيحي رهينة ارادة طوائف أخرى، على حساب التوازن الوطني، وبالتالي فان احترام الدستور يبدأ باعتماد مقاربة متجردة من الحسابات الخاصة لقانون الانتخاب الذي يشكل الممر الالزامي نحو الاصلاح السياسي وإعادة تكوين السلطة، وهنا تحديدا يكمن الحد الفاصل بين الحريص على جوهر الدستور والمسيء اليه».