كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
كان يكفي أن يقدّم وزيرا «التيار الوطني الحرّ» الياس بو صعب وجبران باسيل استقالتيهما، أمس، من الحكومة أو الانسحاب ردّاً على «المسخرة»، كما وصفها الأول، في مقاربة وزير الدفاع سمير مقبل ومعه أغلبية القوى السياسية لبند التعيينات العسكرية، والالتحاق بـ«القوات» و«الكتائب» «إلا إذا كان أولياء الأمر يعتبرون ميشال فرعون واليس شبطيني ونبيل دو فريج وبطرس حرب.. هم الواجهة المسيحية في السلطة»، يقول أحد المقرّبين من عون.
لكن «التيار» لم يفعلها ولن يفعلها. إن قرّر ميشال عون قلب الطاولة، فلن يكون بسبب التخاذل المستمرّ في إتمام مجلس الوزراء واجباته البديهية في بتّ التعيينات العسكرية، بل حين يقتنع «الجنرال» بأن ثمّة من يريد أن «يشرّبه إياها بالملعقة»: الرئاسة لن تكون لك، وقانون الانتخاب بصيغة ترضي الجميع وليس فقط المسيحيين.
كرّس عون معادلة بوجهين: إما رئيس جديد يشرف على ولادة قانون انتخابي عادل وإما قانون انتخابي جديد يأتي بالرئيس. سقوط الاثنين معاً لن يعني في حسابات الرابية سوى السقوط في المجهول، وحينها، يردّد مطلعون، قد لا يكون «الجنرال» وحده من «سيبلّ يدَه» بـ «الصيغة» والنظام برمّته!
لن يخفف تمرير «ضرب» التمديد «بالتقسيط» هذه المرّة وليس دفعة واحدة للواء محمد خير (المجلس الأعلى للدفاع) ثم العماد جان قهوجي، من وهج الصفعة الموجّهة لـ «التيار»، فيما كانت الصالونات السياسية تضجّ بسؤال واحد: كيف يمكن فعلاً أن نبرّر لميشال عون لاحقاً مشهد «الانفصام» الوزاري من خلال القدرة على تأمين الثلثين لتعيين رئيس أركان والعجز في الوقت نفسه عن تأمين نسبة الثلثين نفسها لتعيين قائد جيش جديد وأمين عام للمجلس الأعلى للدفاع!
العام الماضي، وبعد توقيع قرار تأجيل التسريح الثاني لقهوجي، رفع عون السقف عالياً مهدّداً بعدم العودة الى الحكومة، قبل تعيين قائد جيش جديد وإتمام تعيينات المجلس العسكري، ومهدّداً أيضاً بعدم المشاركة في تغطية خطة النفايات.
وقتذاك، وصف عون وزير الدفاع بـ «السعدان والجاهل واللقيط في السياسة الذي لا يفهم بالقانون العسكري»، وسط استعراضات في الشارع وصلت الى عتبة قصر بعبدا مع إحياء ذكرى 13 تشرين الأول.
في 28 كانون الثاني 2016، أتمّ مجلس الوزراء واجباته بتعيين ثلاثة أعضاء في المجلس العسكري، فيما بقي اثنان من أصل خمسة هما قهوجي وخير يغرّدان خارج سرب الضباط المحصّنين بمرسوم تعيينهما بالثلثين، مع العلم أن وزيرَيْ «التيار» عادا وشاركا في مجلس الوزراء قبل إتمام هذه التعيينات من خلال تأمين الغطاء لخطة ترحيل النفايات في 12 كانون الأول 2015 وإن مع تحفّظ من جانب بو صعب.
التقط العونيون أنفاسهم وخاضوا معركة التعيينات العسكرية بعد عام واحد لكن من دون أن يهدّدوا لا بالنزول الى الشارع ولا بمقاطعة جلسات الحكومة، بل فقط بالتنبيه من تأثير هذه «المخالفة» على العمل الحكومي!
كلّفت مسألة التمهيد للتمديد لخير وقهوجي «خمس دقائق» فقط. في آخر الجلسة التي دامت نحو أكثر من ثلاث ساعات، طرح رئيس الحكومة بند تعيين أمين عام للمجلس الأعلى للدفاع من خارج جدول الأعمال ما استدعى جلوس الوزراء مجدداً الى الطاولة بعد أن ترك بعضهم مقاعده وساد الهرج والمرج.
تسلم مقبل الدفة ليؤكّد أنه «محشور» بالوقت لأن ولاية خير الممدّدة تنتهي في 21 الحالي ولديه ثلاثة أسماء سيطرحها. بادره حينها باسيل بالقول «ولماذا لم تطرح هذا البند سابقاً و «تركته» لآخر لحظة. من الواضح أنكم لا تريدون التعيين وكان عليكم قول ذلك منذ البداية».
وطرح بو صعب سؤالاً آخر على مقبل «وأنت أي ضابط تفضّل لهذا الموقع، ألا يجدر بك كوزير للدفاع ان تفضّل ضابطاً على آخر وتختار من تراه الأنسب؟»، لكن مقبل لم يسمِ، ما دفع وزير التربية الى التأكيد «بأننا أمام مسخرة ومسرحية فاشلة مكرّرة».
طُرح اسم أمين سرّ المجلس العسكري العميد مروان الشدياق بداية على التصويت فرفع كل من وزيرَيْ «التيار» ووزيرَيْ «حزب الله» وعبد المطلب حناوي وسجعان القزي وأرتور نظريان أيديهم للتصويت بالموافقة، فسقط الاسم بسبب عدم نيله الثلثين. ثم طرح اسما العميدين صادق طليس وخالد طرابين وسقطا أيضاً بالتصويت، بعد أن نال كل منهما سبعة أصوات ايضاً.
وكانت مداخلة مقتضبة للوزير روني عريجي توجّه فيها الى رئيس الحكومة قائلاً «نحن مع مبدأ التعيين، لكن ليس بهذه الطريقة. هؤلاء الضباط لا نعرفهم ولم يتسنّ لنا الوقت للتعرّف إلى سيرهم الذاتية لأنها لم توزّع علينا».
والوزير حناوي، العميد السابق في الجيش والذي أكثر مَن يعرف الضباط الذين تمّ التصويت على أسمائهم، قال لـ «السفير» إنه مع التعيين، «وما حصل اليوم يشكّل عائقاً واضحاً أمام طموحات الضباط، تماماً كما حصل سابقاً وفي مواقع عسكرية أخرى. هؤلاء سيُحالون قريباً على التقاعد وأستطيع أن أتفهّم وجهة نظرهم جيداً حين تسقط في مجلس الوزراء فرص وصولهم لمواقع يستحقونها».